شاهين أحمد
الجميع يعلم أن الدولة السورية بحدودها السياسية والإدارية الحالية هي نتاج التقسيم الذي تعرضت له المنطقة والذي شمل تركة الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى وبموجب اتفاقية سايكس – بيكو عام 1916 ،وتحتل سوريا مساحة جغرافية تقدر بنحو 185ألف كم2، وعاصمتها الإداريّة هي مدينة دمشق، وتعد سوريا بلداً متنوعاً من النواحي القومية والدينية والمذهبية، وغنياً في خَيراته وثرواته، ففيها يوجَد النفط والغاز، والفوسفات، والحديد الخام، والرخام، وكذلك الخُضار، والفواكه، والزيتون والحبوب والقطن …إلخ وكذلك تشتهر سوريا بصناعة المنسوجات، والألبسة،والأحذية ونالت استقلالها في الـ 17 من نيسان عام 1946ميلادية .
رسميا نظام الحكم في سوريا جمهوري ، ومنذ انقلاب البعث في 1963 تم تفعيل قانون الطوارئ ، وتم تعليق الضمانات الدستورية لكافة السوريين، وقد برر الانقلابيون حالة الطوارئ بسبب حالة الحرب مع إسرائيل والتهديدات التي يشكلها الإرهابيون !. سوريا كانت مَهْد الحضارات، وماضيها كان حافلاً بالعديد من مماليك المدن وجزءاً مهماً من إمبراطوريّات كبيرة وهامة مثل: الآشورية والأيوبية والعثمانية …إلخ . لم تعرف سوريا انتخابات ديمقراطية منذ انقلاب البعث عام 1963، فمنذ ذلك التاريخ وسوريا ترزح تحت حكم حزب البعث ، حيث شكل البعث والأحزاب الموالية له تحالفاً في بداية السبعينات من القرن العشرين سمي بـ ” الجبهة الوطنية التقدمية ” واحتكرت الجبهة المذكورة أكثر من ثلثي مقاعد البرلمان السوري المعروف بـ مجلس الشعب والذي يضم 250 عضواً، ويخصص (83 مقعداً) للمستقلين الموالين للبعث حيث يتم تعينهم بموجب قوائم خاصة تدعى بـ ” قوائم الظل ” ومازالت تعيش سورية في ظل حالة الطوارئ والأحكام العرفية منذ قرابة ستة عقود . يبدو النظام السياسي نظرياً وعلى الورق وكأنه نظام شبه ديمقراطي، ولكنه في الواقع ومن حيث الممارسة فإن حزب البعث وأجهزته الأمنية والعسكرية أصبحت مولفة ومبرمجة ومسيطرة بصورة محكمة وكاملة على مختلف جوانب الحياة السياسية والإجتماعية والثقافية والإقتصادية والإعلامية والإدارية ….إلخ . واعتمد نظام البعث خلال حقبته على جملة مرتكزات ايديولوجية – حزبية شوفينية وكذلك أمنية وعسكرية لحمايته والسيطرة على المفاصل الأساسية للمجتمع السوري حيث شكل حزب البعث الواجهة السياسية- المدنية للنظام ، بينما تولت المؤسسات العسكرية والأمنية مهمة حماية الحكم ، وتكررت هذه الازدواجية في الشأن الاقتصادي حيث اعتمد نظام البعث على فرض سياسة إقتصادية شبه اشتراكية شكلاً على المجتمع السوري، وتبنى النهج الرأسمالي في تعامله مع السوق العالمية. نحن نعلم جيداً أن سوريا ورثت عن الانتداب الفرنسي مؤسسات مدنية ضعيفة لنظام الحكم ، ومؤسسة عسكرية شغوفة ومتلهفة بالتحكم بكامل مقاليد السلطة في البلاد . وقد عمد البعث في مختلف مراحل حكمه على ذات النسق وعين الفلسفة ، ورسخ حافظ الأسد السيستم الذي ورثته سوريا عن مرحلة الانتداب الفرنسي من خلال حكم مدني ضعيف، وأحزاب سياسية شكلية لا تملك نظرية سياسية ناضجة ومختلفة عن رؤية البعث ، وبالتالي بقيت تلك الأحزاب عاجزة عن تمثيل الشارع والتصدي لمطاليبه والوقوف في وجه المؤسسة الأمنية والعسكرية التي شكلت المرتكز والقاعدة الأساسية لهرم السلطة وتوازنها لدرجة بدأت المؤسسات الأمنية والعسكرية تتغذى على المؤسسات المدنية للإدارة والحكم وتلتهمها رويداً رويداً . بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد وانتقال السلطة والحكم إلى ابنه الشاب بشار الأسد ،توسمت شرائح واسعة من السوريين خيراً وأملاً في التغيير والديمقراطية، وعرفت سوريا في بداية عهد الأسد الإبن ربيعاً قصيراً جداً وحراكاً فكرياً من جانب بعض النخب الفكرية والشخصيات السياسية المعارضة ، حيث أقيمت العديد من الندوات وتأسست بعض المنتديات الأدبية – الفكرية، إلا أن الربيع المذكور لم يدم طويلاً وسرعان ماتحول إلى شتاءٍ قارص ، وتمكن الحرس القديم من تطويق الانفتاح النسبي القصير ، وبدأت حملة اعتقالات في أيلول 2001 طالت العديد من هذه النخب ، وتم ملاحقة مرتادي هذه المنتديات. ومن الأهمية الإشارة هنا إلى أننا كنا نلقي اللوم وكامل مسؤولية فقدان الشراكة وغيابهاعلى عاتق الأنظمة وحكومات البعث المتعاقبة على سدة الحكم في سوريا ، والجميع يعرف أن سورية ظلت على مدار أكثر من نصف قرن تعاني من أحادية حزبية – حزب البعث – وتعددية مكذوبة – الجبهة الوطنية التقدمية – ولم يسمح ببروز قوى سياسية معارضة حقيقية واضحة, فضلا عن منع الوعي السياسي وتعطيل عجلة التنمية الفكرية والثقافية والاجتماعية . وبعد انطلاقة الثورة وتأسيس العديد من المنصات المدنية والثقافية والمنابر والمواقع الإعلامية و عشرات التنسيقيات الشبابية التي قادت الحراك الثوري ورفعها لشعارات وطنية كانت بمثابة بعث الروح من جديد في نفوس السوريين ،وعودة بعض الشخصيات الأكاديمية السورية التي كانت تعيش في المهاجر والشتات للمشاركة في تشكيل الأطر السياسية المعارضة ورفع الجميع شعارات مختلفة إلى حد ما عن تلك التي فرضها البعث على السوريين حيث تأملنا خيراً بحدوث تغيرات ربما تكون عفوية وغيرمدروسة في بدايتها ، لكنها جديرة بدعمها والوقوف إلى جانبها أملاً في حدوث بعض الاختراقات في المنظومة المشوهة التي بناها البعث طوال أكثر من نصف قرن .هذه الظاهرة الجديدة شكلت بارقة أمل لتشكيل لوحة سورية مستقبلية مختلفة عن حقبة البعث، إلا أن المشهد بدأ يتراجع ويشوبه الارتباك والتردد شيئاً فشيئاً مع مرور الوقت،بعد سيطرة التحالفات التي حصلت بين بعض أجنحة الإسلام السياسي مع الوافدين من الأجهزة الأمنية لمنظومة البعث الحاكم وتسللها إلى جسد المعارضة ومؤسساتها المختلفة. نحن ندرك تماماً أن قيام حياة سياسية سليمة ونشوء تعبيرات سياسية – تنظيمية جديدة ناضجة ومختلفة وقادرة على التصدي لمهام المرحلة ، وتصحيح ماتم تشويهه في مجتمع غيب عنه المناخات السياسية والديمقراطية اللازمة ، وعاش حالة من التصحر السياسي طوال أكثر من نصف قرن في ظل الدكتاتورية والشمولية ، تستغرق الكثيرمن الوقت ، ويحتاج لمزيد من الجهد والإمكانات ، وكذلك فإن بلورة مشهد سياسي مختلف يحتاج وقتاً أيضاً ، لكن بكل أسف لم نتلمس عملياً حتى اللحظة هذا التحول في ذهنية غالبية الشرائح المتصدرة للمشهد المعارض ، ومازلنا نعلق آمالاً على النخب الواعية لشركائنا في تحمل مسؤولياتها الوطنية والأخلاقية ، والعمل على تكوين تعبيرات حقيقية لمكوناتها ، وفق قيم ومواقف وطنية مختلفة كلياً عن المنظومتين القديمتين للبعث الشوفيني والديني المتطرف اللتين تسببتا في هدم البلاد وتهجير وتشويه العباد . و نعلم جميعاً أنه خلال حقبة البعث کانت الهوية الوطنية السورية بلونية أحادية مفروضة ، ولاتمثل الطيف الوطني السوري الجامع ، تلك اللونية العنصرية كان الغرض منها النيل من وحدة وتماسك وقوة المجتمع السوري ، وهدماً لأسس التعايش والإستقرار . وبالتالي عندما نبحث في أسباب عدم الاستقرار في سوريا نجدها عديدة تاريخية واقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية وقانونية …إلخ.والمؤسف بعد كل ماحصل من دمار وخراب هناك قوی مازالت تعادي التغيير الحقيقي وترید العیش في الماضي ، وتعمل على تلغيم مايمكن أن ينتجه الخيرون من أبناء الوطن ،وهنا نريد أن نؤكد لشركائنا بأن الهوية الوطنية السورية الموحدة والجامعة تتكون من القيم الإنسانية لجميع مكونات الشعب السوري القومية والدينية والمذهبية، كالحرية والتسامح والإخاء الإنساني والعدل والمساواة و حقوق الإنسان والتعايش السلمي والخصوصيات المكوناتية. هنا وكي نكون واقعيين في قراءة المشهد السوري الذي بات يعاني التعقيد نتيجة التداخل الكبير بين الأجندات الاقليمية والدولية المختلفة ، وبعد قرابة تسع سنوات من إنطلاقة ثورة شعبنا والانحرافات التي حصلت في مسيرتها ، والانتكاسات التي تسببت في الكوارث التي دفع شعبنا ثمنها ، والتراجع الكبير في شعبيتها ، والانقسام الذي بات يعاني منه المجتمع السوري قومياً ودينياً ومذهبياً ،أفقياً وعمودياً ، وتراجع الدعم الدولي والإقليمي ، بات من الضرورة بمكان الوقوف والتأكيد على جملة مفردات هامة من قبيل هوية سوريا ، وشكل الدولة ، وطبيعة نظام الحكم و مساحة الحقوق والحريات ، ومشاركة المرأة والمسألة الدينية وخاصة في هذه المرحلة التي تشهد حراكاً دستورياً من خلال اللجنة التي تم تشكيلها من قبل الأمم المتحدة ، كل ذلك يضعنا كسوريين أمام خيار واحد ووحيد يتعلق بإمكانية الخروج من دوامة العنف ، والإبقاء على سوريا موحدة ومستقرة لجميع مكوناتها القومية والدينية والمذهبية وهو : الإعلان عن جمهورية سوريا الإتحادية ( الفدرالية ) وبنظام مدني ديمقراطي يعمل على تحقيق مطالب الشعب السوري المشروعة ، وإعادة إنتاج الدولة السورية والمحافظة على وحدة أراضيها واستعادة سيادتها ، وإنقاذ ماتبقى من شعبها من المعتقلات ، وإعادة المشردين والهاربين من أماكن اللجوء القسري ، وتحريرها من كافة أنواع الاحتلالات المباشرة والمقنعة ، وإقامة نظام مدني ديمقراطي لجميع مواطنيها عرباً وكورداً وتركماناً وسرياناً آشوريين …إلخ . وبناء دولة اتحادية مكونة من أقاليم جغرافية مرتبطة بالعاصمة الاتحادية دمشق ، وتعويض الشعب السوري عن كل ما قدمه من تضحيات ، وقطع الطريق على التطرف الديني والشوفينية القومية ، والفصل بين الدين والدولة ، وتصفير المشاكل مع الجوار الاقليمي والمجتمع الدولي .