من بوابة القانون … تزوّدوا بهذا أيّا القانونيّون و الساسة و لن تندموا

المحامي عماد الدين شيخ حسن 
مباركةٌ جهودكم بدايةً أينما حللتم و كائناً من كنتم و قابلتم و أيّاً ما ناقشتم يا من تخوضون في الحديث و التعبير عن حالنا و داءنا و في الدواء و المبتغى .
جلّ ما في الأمر و كلّه هو أنني أودّ من خلال هذه النافذة أن نتساعد و نتناصح في أن تصل رسالتنا واضحةً سليمةً نافعة .
إذ الكثير من الأخوة/ات و لا سيما أهل القانون و السياسة منهم نجدهم بين الحين و الحين يحاولون نقل و ايصال حقيقة واقعنا سواءً عبر وسائل الاعلام المختلفة أو عبر المحافل و المناسبات و الغرف و  القاعات ،  و جلّهم في الحقيقة و بكل شفافية نعلنها ، لا تسعفهم الدراية و الإمكانيات و غيرهما في هذا ، و بالتالي فالرسالة إما لا تصل و إما تصل ناقصة غير مجدية و إمّا لا تُقنع و إما و الأسوأ من ذلك كله تصل خطيئة خاطئةً مشوّهةً تضرّ أشدّ الضرر بدل أن تنفع .
أخواتي.. إخوتي الأعزاء أهل القانون و السياسة و سواهم :
تعلمون يقيناً بأن للعبارات و المصطلحات معناها و مدلولها و أساسها و أنّ إطلاقها رمياً و جزافاً بسهولة هواء يخرج من المؤخّرة أحياناً ومعذرةً ، دون علمٍ كافٍ بها أو إحاطة ، يضعك ذلك كله في الحرج و تزعجك تلك الرائحة قبل أن تزعج من يستضيفك عبر شاشةٍ أو داخل قاعة أو على طاولة .
لذلك كله فأعلم بأنك عندما تطلق الأحكام و الأوصاف فأنك في الوقت ذاته مطالبٌ بالتفسير و التوضيح و الإقناع و بيان الأساس و المستند ، أو يجب أن تكون مهيئاً لذلك على أقل إحتمالٍ وتقدير .
فنحن الكورد في سوريا أمثلةً ( كوردستان الغربية) لا يكفي أن نحدّث الغير و أن نقول لهم بأننا نتعرّض من قبل تركيا و قسمٍ ممن يسمون أنفسهم بالمعارضة السورية ( العسكرية و السياسية ) و على مرأى من النظام الخانع و المتواطئ لأفظع الجرائم و الانتهاكات بدءاً من أخطرها و هي الابادة الجماعية مروراً بجرائم الحرب و الجرائم ضد الانسانية و التطهير العرقي .
فكل تلك الأوصاف و المصطلحات هي عباراتٌ قانونية دقيقة على المرء أن يعيها حقّ الوعي و أن يتفحصها و يتمحّصها بعناية ليتسلّح بقوة الإقناع و البرهان على ما ينطق به لسانه .
فالإبادة الجماعية مثالاً هي وصفٌ  قانونيٌ في غاية الخطورة و الآثار و التبعات. لذا وجب علينا أن نتحمّل كامل المسؤولية حال إطلاقه و هذا يتطلّب منّا التبحّر في قراءة جريمة الابادة الجماعية كوصفٍ قانوني من ولادتها و أساس فكرتها وصولا إلى أمثلتها و مرتكبيها و صاحب الولاية في احكامها و غير ذلك ، أيّ من تاريخ صاحب فكرتها المحامي اليهودي رافائيل ليمكين و أيام المحرقة اليهودية وصولا إلى يومنا هذا .
و بالنسبة لي كرجل قانون مطالبٍ بذلك ، هذا ما فعلته و قمت به، و بالتالي أطلقت حكمي عن قناعة و يقين على أن ما تمارسه تركيا في عفرين و غيرها هي جرائم ابادة جماعية بدقيق الوصف القانوني لها ( المادة ٢ من اتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية و المعاقبة عليها ١٩٤٨ ) ( المادة ٦ من نظام روما الاساسي ١٩٩٨ ) مثالاً ، و أنا على استعدادٍ لأن أجادل من تشاءون و أبرهن لهم ذلك بالقانون و المنطق .
و ذات الأمر بالنسبة للجرائم الأخرى و أساسها و مستندها ، فجرائم الاختفاء القسري التي ترتكب في عفرين هي مثالا و اختصارا جرائم ضد الانسانية ( المادة ٧ من نظام روما الاساسي ١٩٩٨ ) ( اتفاقية حماية جميع الاشخاص من الاختفاء القسري ١٩٩٢) ، و جرائم التهجير القسري التي ترتكب في عفرين هي جرائم حرب ( المواد ٦،٧،٨ من نظام روما الاساسي ) ( المادة ٤٩ من اتفاقية جنيف الرابعة ١٩٤٩) مثالا . كما تعتبر جريمة ابادة جماعية وفق نظام روما الأساسي .
و أيضاً ما يجري ارتكابه في عفرين هو بمستوى جرائم التطهير العرقي التي تستهدف الكورد كقومية و الكورد الايزيديين كديانة و القضاء على اي خصوصية لهم و طمس هويتهم و استبدالهم بجماعات اخرى في عفرين ، علما بأنه لا يوجد مصطلح في القانون الدولي باسم التطهير العرقي و انما بدأ سريان تداوله في التقارير الدولية و لا سيما بخصوص الحرب في يوغسلافيا .
الغاية مما سبق ذكره مؤخراً هو تبيان موجز و اساس و مستند لما نستخدمه من تعابير و مصطلحات  و تبيان ضرورة التسلّح  بالثقافة القانونية المطلوبة و بالقدر الذي من شأنه أضعف الايمان أن يسعفنا في الموضوع الذي نخوض فيه و القدرة على دحض ما نريد و اثبات صحة ما نريد .
و توضيحاً أكثر ..فإطلاقنا لوصف الاحتلال على الوجود التركي في سوريا  بحدّ ذاته يتطلب منا الكثير من المعرفة القانونية أو قدراً منها ، لنتمكن مثالا من معرفة الحد الفاصل بين مرحلة النزاع المسلح و الاشتباكات و مرحلة الاحتلال و تبعات و آثار و التزامات كلّ منهما و القانون الواجب التطبيق و ما الى ذلك .
فالنزاع المسلّح مثالا يتطلّب منا معرفة طبيعة هذا النزاع بدايةً و قانوناً ، و هل هو نزاع مسلح دولي أم غير دولي ، لأن ذلك هو مدخل حصري لنا لمعرفة القانون الواجب التطبيق و ما اذا كانت القوانين الوطنية أو المحلية أم القانون الدولي .
و كذلك الأمر بالنسبة لوصف الاحتلال و متى يبدأ و كيف يتحقق ، حيث المادة (٤٢) من اتفاقية لاهاي الخاصة بقواعد و اعراف الحرب البرية مثالاً تتطلب تحقق شرطين اساسيين في الاحتلال و هما :
أن ينتهي أو يؤول النزاع المسلح الدولي الى السيطرة التامة على الاقليم المحتل و انتهاء الاشتباكات و إن تتحقق قدرة الطرف المنتصر أو المحتل فعلياً على ادارة الاقليم المحتل ، و بإسقاط كل ذلك عل حالة عفرين نجد بأن كل تلك الشروط متحققة و متوفرة و بما لا يدعو مجالاً لأي شك ، و دعك من كل ما تسعى اليه تركيا من محاولات للتضليل و اخفاء هذه الحقيقة ، لتتنصل من تبعات و التزامات حقيقتها كإحتلال في عفرين ، و من الطبيعي ان تلجأ تركيا الى كل ذلك لكونها دولة ذات شأن شئنا أم ابينا و لديها مؤسسات و خبراء في القانون و يدركون جيداً تبعات ثبوت وصف الاحتلال عليها و التزامات و عواقب ذلك .
أما فيما يتعلق بالقانون الواجب التطبيق و معرفتنا القانونية بخصوص هذا المحور فهو أيضا أمرّ في غاية الإلحاح و الأهمية ، إذ لا يكفينا فقط القول بأن القانون الدولي يعتبر أمراً أو فعلا ما جريمة و يعاقب عليه ، بل علينا أن نعي و أن نحدد بدقة القانون أو القسم الخاص صاحب الولاية و الاختصاص من ذاك القانون ، فالقانون الدولي الانساني تحديداً و مثالا هو الذي يتناول مواضيع الحروب و النزاعات المسلحة ، بينما القانون الدولي لحقوق الإنسان يختص بفترات و أوقات السلم .
ليس هذا فحسب بل المرء مطالبٌ بفهم ما يُشكّله و يتضمنه القانون الدولي الإنساني من قواعد مكتوبة و عرفية و ما يتضمنه المكتوب من اتفاقيات ( اتفاقيات لاهاي ، اتفاقيات جنيف الاربع ١٩٤٩ و برتوكوليها الملحقين ١٩٧٧ ، نظام روما الاساسي الخاص بمحكمة الجنايات الدولية ١٩٩٨ ) .
و بالتالي يتمكّن من ايجاد ضالته و الوصول قدرا ما الى توصيف ما يجري ارتكابه على الأرض من جرائم و توصيفاً قانونياً سليماً .
من جهةٍ اخرى و مثالاً …هناك البعض ممن يتوجهون بالسعي و محاولة الإدعاء على تركيا و ممثليها و غيرهم أمام محكمة الجنايات الدولية أو حتى محكمة العدل الدولية أو المحكمة الاوربية دون أن يدركوا اساسيات اختصاص تلك المحاكم و ولايتها ، و دون أن يعلموا مثالاً و بدايةً بأن تلك الجرائم و مرتكبيها و مكان وقوعها هم خارج ولاية و سلطة وصلاحيات محكمة الجنايات الدولية مبدئياً ، لكون سوريا و تركيا هما دولتان لم تصادقا على نظام روما الاساسي الخاص بنشوء تلك المحكمة ، و أن المطلوب أولاً هو ايجاد ثغرة أو منفذ قانوني لذلك كالذي وجدوه بخصوص من تعرضوا للابادة الجماعية من الروهينغا و فرّوا الى بنغلادش كدولة مصادقة على نظام المحكمة و بالتالي ادانة ميانمار من قبل المحكمة من ذاك الباب ( الجريمة المستمرة ) .
علما بأن هذا لا يمنع من المحاولة مع تلك المحكمة ، و انما المقصود هو أن ندرك بدايةً أساس تحركاتنا و مسعانا ، و اننا يجب أن نولي الأهمية في هذا بالسعي و المطالبة  بإنشاء محكمة جنايات دولية خاصة بسوريا على غرار ما تم بالنسبة ليوغسلافيا السابقة و اغتيال الحريري في لبنان .
خلاصة الأمر …أنني وددت من خلال مجمل ما سبق أن أضعكم في صورة عامة و موجزة في حقيقة الوجود التركي في سوريا و ما ترتكبه من جرائم و انتهاكات بحق الكورد فيها تحديداً ، و سند و مستند كل ذلك من القانون اختصاراً ، كما وددت أن الفت عنايتكم إلى الأهمية البالغة للمعرفة القانونية حيال الموضوع و لا سيما بالنسبة لمن يظهرون عبر شاشات و نوافذ الاعلام المختلفة من ساسة و قانونيين يتكلمون بهذا الخصوص و ضرورة أن يطوروا من معلوماتهم و معارفهم ، و في ذات الوقت سعيت أن أقدّم لهم و بمقدار معرفتي المتواضعة بعضاً من البديهيات و الاساسيات من المعلومات التي يمكن أن يستندوا اليها اساساً صحيحاً حين الخوض في المجال و مناقشته .
المنهجية و المهنيّة و الأساس السليم في دراسة المواضيع و طرحها هي بلا شكّ سبيل هامّ جداً للقدرة على منح الفائدة لقضايانا و شعوبنا .
بهذا القدر أكتفي و أدعكم في حفظ الله و رعايته .
المانيا ١٢/١٢/٢٠١٩
المحامي عماد الدين شيخ حسن 
مركز ليكولين للدراسات و الابحاث القانونية .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

رياض علي* نظرا للظروف التاريخية التي تمر بها سوريا في الوقت الحالي، وانتهاء حالة الظلم والاستبداد والقهر التي عاشها السوريون طوال العقود الماضية، وبهدف الحد من الانتهاكات التي ارتكبت باسم القانون وبأقلام بعض المحاكم، وبهدف وضع نهاية لتلك الانتهاكات، يتوجب على الإدارة التي ستتصدر المشهد وبغض النظر عن التسمية، أن تتخذ العديد من الإجراءات المستعجلة، اليوم وليس غداً، خاصة وان…

ادريس عمر كما هو معروف أن الدبلوماسية هي فن إدارة العلاقات بين الدول أو الأطراف المختلفة من خلال الحوار والتفاوض لتحقيق المصالح المشتركة وحل النزاعات بشكل سلمي. المطلوب من الكورد دبلوماسيا في سوريا الجديدة بعد سقوط طاغية دمشق بشار الأسد هو العمل على تأمين حقوقهم القومية بذكاء سياسي واستراتيجية دبلوماسية مدروسة، تأخذ بعين الاعتبار الوضع الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى التوازنات…

نشرت بعض صفحات التواصل الاجتماعي وبعض المراسلين ، معلومات مغلوطة، بشأن موقف المجلس الوطني الكردي حول الحوار الكردي الكردي ، فإننا نؤكد الآتي : ١- ما ورد في المناشير المذكورة لا يمت للواقع بأي صلة ولا يعكس موقف المجلس الوطني الكردي . ٢- المجلس الوطني الكردي يعتبر بناء موقف كردي موحد خياراً استراتيجياً، ويعمل المجلس على تحقيق ذلك بما ينسجم…

إبراهيم اليوسف ليس خافياً أن سوريا ظلت تعيش، بسبب سياسات النظام، على صفيح ساخن من الاحتقان، ما ظل يهدد بانفجار اجتماعي واسع. هذا الاحتقان لم يولد مصادفة؛ بل كان نتيجة تراكمات طويلة من الظلم، القمع، وتهميش شرائح واسعة من المجتمع، إلى أن اشتعل أوار الثورة السورية التي عُوِّل عليها في إعادة سوريا إلى مسار التأسيس ما قبل جريمة الاستحواذ العنصري،…