شمس الدين قاسم
العزاء-عادة- هو مواساة لصديق أو قريب فجع بعزيز، و هو حالة من صميم الطبيعة البشرية، فكلنا نتأسى على فقدان صديق أو حبيب، أما أن تنحرف هذه الحالة عن مسارها، و تأخذ شكلا آخر غير المعتاد، فحينها تكون المأساة، بل قل: المهزلة. فقد باتت مجالس عزاء الجالية الكردية ( السورية ) في ألمانيا، نموذجا، مهزلة، بحق. إنها تعج بالولائم مما لذ و طاب، حتى بات المرء لا يفرق أهو مجلس عزاء أم مناسبة فرح؟ سألني صديق كان قد قدم ألمانيا حديثا، و كنا في أحد هذه المجالس: أهذا فرح أم عزاء؟ إنه لا ينقص من هذا المجلس سوى مطرب يعزف، ثم ترقصون بعد ذلك على روح ميتكم.
الحقيقة أننا أصبحنا نتاجر بأمواتنا لنشبع غريزتنا الأنانية التائهة كما يسميها الكاتب جان دوست. أنا أتساءل و تساءلت كثيرا: لماذا كل هذه المبالغة؟ يجيبون إنها صدقة لروحه الطاهرة فأقول: إن روحه باتت في يد ربه، و عند الرب ما يغنيه عن موائدكم، و هو أكرم به منكم. قبل أكثر من عامين طرحت جمعية هيلين للثقافة والفنون في إيسن فكرة، مفادها: أن يتوقفوا عن تقديم هذه الولائم، لتحول قيمتها إلى الأهل في الوطن، فهم أكثر حاجة من إشباع غرائزكم هنا، و أسفا، لم يستجب أحد لهذه الدعوة. نحن لا نفيد الميت شيئا بضجيجنا و صخبنا و ولائمنا، إذ نبكي على أمواتنا و لا نبكي على أوطاننا. الميت لا يعود يا سيدي، أما الأوطان فيمكن استرجاعها. الأجدر بنا أن نقيم مجالس عزاء لمدننا التي احتلت، و نكبت، حينها سنكف عن هذا الصخب و نطرح الأسئلة التي ربما توقظ أذهانن: لماذا احتلت؟ و كيف احتلت؟ و ما هو السبيل لتحريرها ؟ لا أن نضخم أمواتنا و نضعهم في مطاف الأبطال و الشهداء و القديسين. كفانا كذبًا على الذات التائهة! كثيرون منا لم يلتفتوا إلى الميت و هو حي، حتى لو كان يعاني ما يعاني. لنهتم ببعضنا و نحن أحياء، فالحي أولى من الميت كما يقول المثل. بينما الكثيرون ممن سنفتقدهم غدًا و هم بحاجة لرعايتنا و اهتماماتنا الآن، و ليس بعد رحيلهم. علينا أن نبحث عن ذاتنا التائهة، فلعلنا نعيدها من تيهها الذي طال المكوث فيه، فأرجو حينها ألا ينطبق علينا قول الشاعر : نحن أمة ضحكت من جهلها الأمم.
إسن/ألمانيا