«مانيفيست» الأولويات القومية والوطنية

صلاح بدرالدين
    قد يصيب المحلل السياسي  وقد يخطئ ، لدى تناول مواضيع القضايا القومية والوطنية والسياسة ، الإقليمية والدولية ، ومصائر البلد والشعب ، ومستقبل الأجيال بصورة عامة ، وهذا مانلمسه بشكل يومي على مواقع التواصل الاجتماعي ، وفي المنابر الإعلامية المرئية والمسموعة ، وفي الحالة السورية العامة ، والكردية السورية المشخصة ، من أخطر مايقترفه المتابع الفيسبوكي ، والمثقف والكاتب ، الوقوع في الخطأ المنهجي في اختيار المسائل دون التميز بين المهم والأهم ، والاستعانة بقوالب نظرية جامدة وقعت وفشلت قبل عقود ، والعبث بتراتبية الأولويات ، بحسب المزاج والعاطفة الذاتية ، لدى التعامل مع المهام المصيرية المطروحة ، كما تكرر خلال الأشهر القليلة الماضية في ساحتنا .
  نحن لانتكلم هنا عن أحقية ومشروعية المسائل التي سنأتي على ذكرها ، فلاجدال حولها ، وهي بنهاية الأمر من المطالب والاهداف الملحة والتي لابد من تحقيقها راهنا ومستقبلا وعلى مراحل ، ولكن يتعلق الامر كما ذكرنا بترتيب الأولويات ، التي يجب أن تخضع للمزيد من البحث والنقاش والتنظيم ، ومن ثم طرح كل حزمة من القضايا أو احدى مسائلها في أوانها ، حتى لاتختلط الأمور ببعضها وتتلكآ الخطوات التطبيقية على الصعيد العملي ، وتذهب الجهود المبذولة في غير أوانها سدى ، ويستفيد نظام الاستبداد المتورط بجرائم ضد الإنسانية ، وقوى الشر والظلام والردة  المتربصة الشريكة في الجريمة ، كل من موقعها وبحسب وظيفتها  ، من عملية الفوضى المنهجية ، وتقفز من فوق الحقائق أو تتنصل من مسؤوليات المساءلة وكشف الحساب أمام الشعب ، والتحايل على العدالة ، ومن أبرز تلك الموضوعات :
  أولا – الدستور ، الذي له الأهمية القصوى في حياة السوريين ، ويعني مضمون النظام السياسي الذى قامت الثورة السورية وقدمت ملايين الضحايا والمعتقلين والمهجرين من أجل إعادة بنائه وطنيا تعدديا ديموقراطيا متجددا الذي سيضمنه الدستور ، ولكن لن يتحقق ذلك الا بعد تغيير نظام الاستبداد ،واسقاط مؤسساته القمعية و المستغلة لمصالح الشعب ، وتصفية قاعدته الاقتصادية ، حينها يمكن لممثلي الشعب السوري المنتخبين في أجواء الحرية ، أن يصيغوا دستور البلاد بصورة توافقية مع مراعاة حقوق وطموحات كافة مكونات وفئات الشعب ، ولكن النظام بدعم حلفائه الإقليميين والدوليين ، أراد الالتفاف على هذه القضية المصيرية لاجهاضها أصلا ، وإعادة انتاج دستور النظام ، الذي أجرم بحق السوريين في ظله وحمايته ، والتركيز الإعلامي على ماسميت باللجنة الدستورية ، التي ولدت من رحم الإرادة الخارجية ، وقرارات – سوتشي وأستانة – بغطاء الأمم المتحدة في جنيف ، وذلك كعملية استباقية التفافية ، لتناسي المسألة الأهم ، وتجاهل المهمة الأساسية كماذكرنا وهي تغيير نظام الاستبداد ، وإنجاز الشروط التمهيدية لذلك وخاصة العمل على توفير شروط انعقاد المؤتمر الوطني السوري الجامع ، من أجل مراجعة تراكمات تسعة أعوام من عمر الثورة المغدورة ، وصياغة البرنامج السياسي ، وخارطة الطريق ، وانتخاب الممثلين الشرعيين للشعب السوري .
  ثانيا – هناك مجموعات من المثقفين والنخب الوطنية التي تتعاطى السياسة ، تضع على رأس مهامها الدعوة الى استقلالية القرار الوطني الكردي السوري ، و الابتعاد عن الارتهان للمحاور الكردستانية على وجه الخصوص ، وهو كلام سليم ، ولكن السؤال هو : من سيطبق تلك المهام ؟ وهل هناك حركة كردية شرعية كاملة الشروط وقائمة وتتمتع بقيادة منتخبة مخولة من الشعب حتى تقوم بذلك ؟ بدلا من ذلك من المفترض أن نعمل جميعا على تحقيق الخطوة الأولى بهذا الاتجاه ، وهي إعادة بناء حركتنا من خلال المؤتمر الكردي السوري ، الذي يجمع ممثلي الشعب من مختلف الاطياف والفئات والتيارات السياسية ، وخصوصا ممثلي الغالبية الساحقة التي يشكله الوطنييون المستقلون من الشباب والمرأة والمجتمع المدني ، وممثلي الأحزاب جميعها ، حينذاك وعندما تستعاد شرعية الحركة ، وتنتخب قياداتها ، سيكون موضوع القرار الكردي السوري المستقل على رأس جدول الأعمال ، الى جانب مهمة مساءلة من أجرم بحق القضيتين القومية والوطنية ، وألحق الأذى بهما بصورة عادلة .
  ثالثا – هناك جماعات سياسية  ، وأفرادا ، تتجاهل ان الصراع الرئيسي هو مع نظام دمشق ، الذي يقف على رأس أعداء الكرد والسوريين عموما ، والذي حرمنا من الحقوق ، وانكر علينا الوجود ، واهرق دماء خيرة مناضلينا ، وتغطية ذلك عن سابق تصميم واصرار ، بتوجيه الأنظار الى معارك لفظية وهمية ملتهبة ، مع دول وأطراف أخرى ،  قد تكون  لشعبنا الكردي السوري حسابات جانبية أو تاريخية معها تمتد لقرون تتعلق بعدم حل القضية الكردية بصورة عادلة ومنها أنظمة تركيا وايران والعراق ودول الناتو وأنظمة إقليمية أخرى ، والساحة السورية ليست مناسبة ، لا من حيث موازين القوى ، ولا من الناحية الوطنية والسياسية ، لتصفية الحسابات معها ، أو خصومة قديمة ، أو مستحدثة ، لاتحل الا بالطرق السلمية والقانونية والنضال السلمي المتواصل ، وذلك دون تحمل تلك الجماعات السياسية عناء حتى تشخيص الأسباب والمسبب حيث أن جماعات – ب ك ك – بقيادة مركز – قنديل – ودعم – قاسم سليماني – هي من استحضرت تركيا ونقلت صراع كرد تركيا معها الى مناطقنا الكردية السورية التي تحولت غالبتها الى أماكن الاشباح خالية من العنصر البشري ، والانجراف تحت تأثير المشاعر المزايدة ، وتسجيل المواقف ( البطولية الدونكيشوتية ) ، إرضاء لجهة ما ، أو طمعا بمواقع ومصالح ذاتية ، أو الانخراط بعملية تضليلية لتحقيق أهداف حزبية مؤدلجة باتت معروفة .
  شعبنا الكردي السوري الذى تربى على المفاهيم الصادقة وحركته الوطنية  ( ولاأقول أحزابه ) ، واع لواجباته القومية الى جانب الوطنية منها ، فقد قدم لثورة أيلول ١٩٦١ بكردستان العراق ، الدعم البشري والمادي والمعنوي دون حساب ، ومن دون مقابل ، وتعاطف الى أبعد الحدود مع محنة الاشقاء في كردستان تركيا ، وكان قادتهم وكوادرهم يعيشون بين ظهرانينا وفي بيوتنا معززين مكرمين ، وقدم خدمات جليلة الى الأشقاء في كردستان ايران ، والى أهلنا في دول الاتحاد السوفيتي السابق ، وكرد لبنان ، والأردن ، وفلسطين ، ومصر ، وكلها موثقة ، ولكنه للأسف الشديد يشعر الآن بالخيبة ( المكبوتة ) ، ظنا منه بأن الآخرين ( وبصورة متفاوتة طبعا ) ، لم يفوا برد الجميل ، ولم يقدموا له طوق النجاة وهو مقبل على الغرق .
  هناك في تاريخ الحركة الكردستانية سوابق مشهودة في هذا المجال ، فقد هب كرد العراق بقيادة البارزاني الخالد لنجدة الكرد الإيرانيين ، ودافعوا عن جمهوريتهم الفتية ، وقدموا التضحيات من دون ان يتعاملوا أو يتعاونوا حينها مع نظام الشاه ، وانتهى بهم المطاف لاجئين في الاتحاد السوفييتي السابق ، بعد أطول مسيرة تخللتها المخاطر والاهوال ، في حين نرى جماعات – ب ك ك – توافدت على بلادنا منذ اندلاع الثورة السورة السورية ، انتصارا لنظام الأسد ، وضد الثورة وكل طموحات شعبنا ، الذي راهن على انتصار الثورة للاتيان بنظام ديموقراطي ،  وحل قضيته القومية قبل أن يحرفها الإسلام السياسي عن مسارها ، وكانت جماعات – ب ك ك – احدى قوى الردة المضادة الى جانبها .
  رابعا – وفي سياق متصل ، هناك من يضع قضية تبني النضال من أجل خلاص الكرد في الأجزاء الأخرى ، على رأس الأولويات ، بل ترى أكثر من ٩٠٪ من اهتمامات هذا البعض تدور حول أخبار المناطق والمدن في الأجزاء الثلاثة الأخرى من كردستان ، وفي أكثر الأحيان يرسم سياسات أحزابها وقادتها ، ويصبح طرفا في كل صغيرة قبل الكبيرة ، في حين يهمل طرح قضايا الكرد السوريين كأولوية ، ويتذكر معي الكثيرون أيام كانت قيادات أحزاب الاشقاء من كردستان العراق وكذلك كردستان تركيا ، على سبيل المثال لاجئة في سوريا ، كنا نحن الكرد السورييون في خدمتها ، بل جزء من نشاطاتها حسب نوايانا الحسنة الصافية  ، وفي ذات الوقت كانت هي منسقة ومتعاونة مع أجهزة النظام ، وهو أمر مفهوم في ظروف خاصة ، ولكن ويا للمفاجأة غير السارة ، كان البعض من تلك القيادات تعمل على ( إعادة كرد سوريا الى بلادهم الاصلية بالشمال ) ، أي الاتفاق مع النظام على أن الكرد متسللون ، وليسوا على أرضهم ، وليسوا من السكان الأصليين ، وعلى ذمة السيد – منذر الموصللي – الضابط الأمني السابق ، ومؤلف كتابين حول الكرد ، والذي ينفي فيهما الوجود الكردي السوري كشعب ، ويستهدفني شخصيا بالقول : ( أأن صلاح بدرالدين  الوحيد الذي يزعم بوجود شعب كردي سوري أصيل ، في حين أن جميع قيادات الأحزاب الكردية العراقية المتواجدة في سوريا حينذاك ، لاترى بوجود جزء من كردستان بسوريا ،على حد زعمه وكما يروي في كتابيه ) .
   وقد وصل الامر بالبعض – السذج – من كردنا السوريين ، أو أصحاب الغايات غير الشريفة منهم ، أن اعتبروا أن صك – الوطنية والخيانة – بجيب أولئك الضيوف اللاجئين ، فكانوا يتهمون قائدا أو مناضلا كرديا سوريا بالعمالة ، مستشهدين في اثباتاتهم على تصريح هذا المسؤول وذاك من الاخوة الكرد العراقيين أو الأتراك ، المتواجدين في دمشق برعاية أجهزة الامن السورية ، لان نظام الأسد الاب والابن اعتبروا القضية الكردية مسألة أمنية ، وهكذا كنا نعيش في أوضاع صعبة ومعقدة وتعرضت حركتنا من جراء تلك الأجواء غير الطبيعية الى الفرقة والانقسام وكانت سببا في مانراه اليوم من تعددية مفرطة في عدد الأحزاب والمجموعات ، التي يضرب بها المثل في الذم ، والسخرية والاستهزاء .
   خامسا – مسالة الحوار مع نظام دمشق ، حيث الطريق سالكة لدى جماعات سياسية حزبية ، منذ ماقبل اندلاع الثورة ، وخلالها ، وحتى الآن ، من دون حصاد أي شيء سوى الأوهام ، واذا وضعنا الجماعات السياسية جانبا ، نجد البعض من المثقفين يدعو علنا الى التوجه نحو دمشق ،على أساس أن القضية الكردية تحل هناك أي في العاصمة السورية ، ونحن لاننكر ذلك ، ونتفهم فقدان هؤلاء أي أمل بالأحزاب ، وشعورهم بوجود فراغ مقلق ، والافتقار الى مدافع ومحاور وضامن ، ولكن أي دمشق ؟ دمشق نظام الأسد الاستبدادي ، أم دمشق الشعب ؟ ثم هل الحركة الكردية السياسية موحدة ومهيأة للتحاور باسم غالبية الكرد السوريين ، مع أية جهة كانت بما فيها نظام دمشق ؟ وهل اتفاق قيادات الأحزاب الكردية مع النظام جلبت أية حقوق منذ ماقبل عام ١٩٦٥ وحتى الآن ؟ لقد علمتنا تجربتنا الذاتية ،  وتجربة شركائنا السوريين بالوطن ، أن القضية الكردية لن تحل بصورة عادلة وكاملة ، الا بتوفر الشروط الثلاثة التالية : ١ – الاجماع القومي الكردي ٢ – التوافق الوطني ٣ – توفر النظام الديموقراطي والشروط الثلاثة غير متوفرة حتى اللحظة . 
   سادسا – لجان ونشاطات ذات طابع مناطقي وفئوي لا تحقق المرتجى أولا ، وتحرم مجموع الشعب من التضامن العالمي مع قضيته المركزية ، وبالرغم من النوايا الصادقة ، الا أنه لايمكن بأي حال تجزئة النضال الوطني الكردي لأسباب دينية أو مناطقية أوأية أسباب أخرى ، بالرغم من شعور هؤلاء الغيارى بالغبن من ( أهل البيت ) ، حيث الأحزاب والمجالس الحزبية ، لاتعبر عن مصالح هذه الفئة أو تلك المنطقة ،بل ليس في صفوفها القيادية من ينتمي اليهما .
  سابعا – تجاهل مهمة إعادة توحيد الحركة مركزيا ، والقفز فوقها ، وبعبارة أدق اهمال الأساسي ، والتمسك بالفرعي ، والاستعاضة عنه بدعوة الكرد المتواجدين بأوروبا مثلا الى الاجتماع ، واغداق الوعود عليهم ، افلا يعلم هؤلاء أن كل كردي ببلاد الشتات ، اما أن يكون مستقلا ، أو ملتزما بحزب ما ، ومناصرا لاحدى القوى الكردستانية ، وهي جميعها على خلاف وفي شقاق ، فكيف يمكن لم شمل هؤلاء بهذه الحالة ؟ الا اذا كان في الآمر أجندات ، وأهداف أخرى . 
   وهناك أيضا مئات المسائل الحيوية المتعلقة بحياة الناس ، من سوء أحوال المهجرين في الأصقاع الأربعة من الكون ، والتعليم ، والصحة ، والرواتب ، والفقر ، والعطالة ، والتي تتصف بالاهمية البالغة ، ولكنها لن تجد حلولا مرضية الا بإنجاز المهمة الرئيسية وهي اسقاط الاستبداد ، وتحقيق التغيير الديموقراطي .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف ما يلاحظ من صمت من قبل المثقف السوري أمام التحولات العميقة التي شهدتها البلاد خلال العقود الأخيرة يمثل في حقيقته ظاهرة لافتة، تكشف عن حجم التعقيد الذي يكتنف المشهد السوري. هذا الصمت- ولا أقصد الخطاب التهليلي الببغاوي- الصمت الذي قد يراه بعضنا خياراً واعياً بينما يجده آخرون منا نتيجة ضغوط وقيود، وهو لم يكن مجرد فعل فردي، بل…

خليل مصطفى منذ 13 عاماً ونخب كورد سوريا (المثقفون المُستقلون) لا زالوا يسألون: عن سبب عدم وحدة أحزابهُم السياسية.؟ وعن سبب ديمومة الخصومة بين زعماء أحزابهم.؟ يقول الله تعالى (عن المشركين): ( ما ينظُرُون إلا صيحة واحدة تأخُذُهُم وهم يَخِصِّمُون. يس 49 ). التفسير (التأويل): 1 ــ ما ينظُرُون: ما ينتظرُون إلا صعقة (نفخة) إسرافيل تضربهم فجأة، فيموتون في مكانهم….

بوتان زيباري في زوايا المشهد السوري المعقّد، تتشابك الخيوط بين أيدٍ كثيرة، بعضها ينسج الحكايات بدماء الأبرياء، والبعض الآخر يصفّق للقتلة كأنهم أبطال ميثولوجيون خرجوا من أساطير الحرب. في قلب هذا العبث، يقف أكثر من خمسة آلاف مقاتل أجنبي ضمن صفوف هيئة تحرير الشام، وكأنهم غيوم داكنة جلبتها رياح التاريخ المشؤوم. هؤلاء لم يأتوا ليحملوا زيتون الشام في أيديهم…

اكرم حسين تستدعي الإجابة عن سؤال أيُّ سوريا نُريد؟ صياغة رؤية واضحة وشاملة تُعالج الجذور العميقة للأزمة السورية ، وتُقدّم نموذجاً لدولة حديثة تُلبي تطلعات جميع السوريين ، بحيث تستند هذه الرؤية إلى أسس الشراكة الوطنية، والتعددية السياسية، والمساواة الاجتماعية، وتجاوز إرث الاستبداد والصراعات التي مزّقت النسيج المجتمعي على مدار أكثر من عقد. لأن سوريا الجديدة يجب أن تبدأ…