حيث كان يعتقل لعدة أشهر في كل مرة ويتعرض لأبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي وكان كل مرة التهمة واحدة وهي مناصرته لثورة أيلول بقيادة البارزاني الخالد .
ويكفيه فخراً عندما اندلعت الانتفاضة في إقليم كوردستان فبعث الرئيس مسعود البارزاني نداءً يطلب من كورد روج آفا الغذاء والدواء فأعتبر هذه الشخصية النداء موجه له شخصياً دون غيره فاستنفر وقدم مساعدات سخية لأخوته في جنوب كوردستان كما يكفيه فخراً أن الرئيس مسعود البارزاني سمع بعطاءات عبد الباقي عجمو السخية فأراد أن يبعث له بهدية فلم يجد أغلى من البندقية التي هي رمز الثوار والأحرار لعله تذكر قصيدة الشاعر الكوردي كوران حيث يقول:
(كوردي
وبندقية
وصخرة
وحفنة من الزبيب
والعالم بأجمعه )
وفعلاً أرسل الرئيس مسعود البارزاني له بندقيه ولكن مع الاسف بعد رحيل عبد الباقي عجمو قام عناصر الامن بواسطة ستة سيارات وثلاثون عنصر أمن بمداهمة منزله واستولوا على هذه البندقية واعتقلوا أثنين من ابنائه ويكفيه فخراً عندما رحل الى الباري الاعلى اقترب مني أحد المثقفين الكورد وقال لي أن عبد الباقي عجمو ليس أباك فحسب بل هو الأب الروحي لنا جميعاً ويكفيه فخراً أنه أنجب وقدم لشعبه الكوردي أمير الشعراء الكورد فرهاد عجمو ويكفيه فخراً أيضاً عندما التقى بجلال طالباني بعد الانتفاضة الباسلة لشعبنا في جنوب كوردستان قال للطالباني ( لقد تحقق الحلم الذي كنا ننتظره منذ سنوات وان إقليم كوردستان قد تحرر تقريباً فإذا حدث أي مكروه وخرب كوردستان فانت ستكون السبب ) ووجه بأصبعه نحو جلال طالباني فأجابه طالباني بدبلوماسيته المعهودة ( لا لا إن شاء الله لن تخرب ) ويكفيه فخراً أنه التقى بالرئيس مسعود البارزاني أربع مرات لأنه كان يريد أن يعوض بذلك عن حلمه الذي لم يتحقق وهو ان يكحل عينيه برؤية البارزاني الخالد وفي احدى اللقاءات قال للرئيس مسعود البارزاني ( كاك أنك مرن جداً ) وربما كان يقصد أن يكون الرئيس مسعود بارزاني بحزم وصلابة وقوة شخصية البارزاني الخالد .
ويكفيه فخراً عندما زار صديقه الشاعر الكبير جكر خوين جنوب كوردستان أثناء ثورة أيلول والتقى هناك بالبارزاني الخالد أو بالأحرى البارزاني الأسطورة .
حيث صورة هذه الاسطورة كانت محظورة في روج أفا وعندما يعثر عناصر الأمن صورته لهذه الاسطورة في منزل أحد الكورد فسيقاد الى السجن وعندما عاد جكر خوين الى منزله سأله ابنائه كسرى وأزاد قل لنا يا والدي كيف هو شكل البارزاني فأجباهم جكر خوين هناك شبه بين البارزاني وعبد الباقي عجمو من ناحية الشكل .
واخيراً وليس أخراً يكفي لهذه الشخصية أنه جمع بين المجد والشهرة والثروة والعطاء والسخاء وحب الوطن والوفاء لقضية شعبه ووطنه وهذه المعادلة الصعبة لم يستطع تحقيقها الى القليل من الشخصيات الكوردية عبر التاريخ هذا غيض من فيض من خصال ومأثر ومواقف هذه الشخصية الوطنية الذي يشهد لها كل من عاصروه الذي كان مثل شجرة باسقة وارفة الظلال جذورها في الأرض وفروعها تشق عنان السماء ولكن مع الاسف الشجرة المثمرة هي التي ترمى بالحجارة من الحاسدين والحاقدين واصحاب دكاكين السياسة هذه الشخصية الذي ناصر ثورة أيلول منذ انطلاقتها وكان يتخذ من نهج البارزاني الخالد خارطة طريق له في مسيرته وكان يرى في قائد هذه الثورة رمزاً وزعيماً وأباً روحي له لقد رأيت والدي في حياتي مرتين يبكي وما اصعب ان تكون شاباً يافعاً في مقتبل العمر وترى والدك يبكي بحرقة ومرارة المرة الاولى عند انتكست ثورة أيلول عام 1975 م حيث كان يجلس في البيت على بساط وكنت بجانبه وبيده مذياع ترانزستور ومذيع اذاعة لندن يذيع خبر نكسة الثورة وكيف أن البارزاني وبيشمركته نزحوا الى أيران وكان هذا الخبر صدمة قوية لوالدي فوضع المذياع على الارض ووضع كفيه على وجهه واجهش بالبكاء هذا الموقف لا أنساه أبداً والمرة الثانية عندما سمع برحيل البارزاني الخالد لقد كان بكائه أشبه ببكاء شخص يسمع برحيل والده العزيز وسنقف هنا لنعود قليلاً الى الوراء لنتعرف المزيد عن هذه الشخصية فكنيته عجمو ولكن عجمو هو لقب وليس باسم أما من أينا اتى لقب عجمو حيث ان جده اسمه ابراهيم عندما نزح من شمال كوردستان الى روج أفا كان يلبس العجم والعجمم هو مصنوع من صوف الغنم على شكل لباد ولكن بنصف سماكة اللباد ولها طاقية متصلة بها ليقي الراس من المطر والثلج والبرد والعجم هو بدل الفروة ولكن ليس لها أردان لتسهيل حركة اليدين للعمل أما من أين اتى عجمو فقد نزح من قرية بوشات التابعة لقضاء فارقين حيث تعتبر عاصمة عشيرة سليفان ذائعة الصيت وبالمناسبة ينحدر من هذه القرية أيضاً مهدي زانا زوج المناضلة الكوردية ليلى زانا وقد زار والدي مرات عدة وكيف لا واصولهم من قرية واحدة ومن عشيرة واحدة وسأنتقل هنا الى مشاهدة مررت بها في حياتي وأنا اعيش في كنف والدي هذه المشاهد لم ولن انساها :
المشهد الاول : في عام 1964 م حينما داهم مباحث أمن الدولة عند الفجر وهم يطرقون باب بيتنا بأخمص بنادقهم وبقوة وبعد أن فتش زوار الفجر بيتنا كبلوا يد والدي وزجوا به في الجيب العسكري ونقلوه الى المعتقل .
المشهد الثاني : في عام 1966 م عندما زرنا أنا وجدتي سجن غويران حيث كان والدي معتقلاً فيها مع ستون شخصية وطنية كان يقف أمام بوابة السجن مدير السجن وكان طويلاً وضخم وذو شارب أسود كثيف وبيده عصا خيزران طويلة وغليظة وهو يردد ممنوع مقابلة السياسيين حيث كان اشبه بصدام حسين وما اكثر صدام حسين بين العرب .
المشهد الثالث : أثناء ثورة أيلول كان يستمع في المساء الى اذاعة ثورة أيلول وبين فترة وأخرى كان صوت المذيع مدوياً ويقول : ( هنا صوت كوردستان العراق ) ولكن النظام العراقي كان يجري التشويش عليها بأغنية أجنبية اسمها ( هاني هاني ) وأظن ان صوت المذيع الذي كان يقول:( هنا كوردستان العراق )
كان صوت المناضل الكبير المرحوم فلك الدين كاكائي.
المشهد الرابع : أثناء انتفاضة شعبنا في كوردستان ( باشور ) وبعد أن قدم مساعدات سخية شعبه ومع ذلك رأى بأنه مقصر فذهب الى مقر الحزب الديمقراطي الكوردستاني( باشور)والتقى مع صلاح شيخي أحد مسؤولي المقر ووضع على طاولته شيكاً مفتوحاً وقال له ضع الرقم الذي تريده فأنا لا استطيع أن أنام وشعبي في هذه المأساة فأمسك صلاح شيخي بالشيك ووضعه في جيب والدي وقال لقد قدمت بما فيه الكفاية واكثر فدع غيرك من الكورد يقومون بواجبهم .
المشهد الخامس : اتى بعض قيادي الاحزاب الكوردية المجهرية الى مقر البارتي ومعهم بعض المال وقالوا لمسؤول المقر جئنا بهذا المبلغ ولكن لنا شرط أن يكون مناصفة بين الاحزاب الكوردستانية فرد عليهم مسؤول المقر لست بحاجة الى أموالكم ما دام يوجد في روج أفا شخص مثل عبد الباقي عجمو واذا احتجت الى المال فسيمنحنا هذا الشخص .
المشهد السادس : في أحدى المرات سألته لماذا يا والدي اخترت مهنة الزراعة دون بقية المهن وأصبحت مزارعاً فأجاب لأنه رزق حلال يا بني فنضع هذه البذور تحت التراب وننتظر رحمة السماء وقال لي أيضاً يا بني الوطن هو عبارة عن قطعة أرض فيجب على كل منا أن يزرع فيها شتلة أو شجرة او أن يضع تحت ترابها بذرة أو يزرع فيها زهره أو ورده لتصبح في المستقبل روضة نفتخر بها بين شعوب العالم .
المشهد السابع : عندما كان يلتقي بأصدقاء أخي فرهاد من الشعراء والأدباء كان يقول لهم : اتمنى لو كنت شاعراً أو كاتباً ولي دواوين وكتب حتى ولو كنت فقيراً و معدوماً لان الشعراء والكتاب يظلون خالدين من خلال دواوينهم وكتبهم أما نحن فسنرحل الى دنيا الأخرة وينسونا الناس بعد سنوات رغم انه كان له محاولات كتابية فكتب ثلاثة عشر قصة من قصص الفلكلور الكوردي ونشرها في احدى المجلات الكوردية بهذه الكلمات أتمنى أن نكون القينا بعض الضوء على هذه الشخصية او بالأحرى رجل من رجال هذا الوطن لان الرجولة هي عملة نادرة في هذا الزمن الرديء زمن اشباه الرجال لان الرجال أما رحلوا أو هم مهمشين أو يحاربونهم اشباه الرجال من كل حدب وصوب وان الرجولة هي عملية صعبة ومعقدة لأنها بحاجة الى مواقف وقيم ومبادئ وجرأة وشجاعة وسخاء وشفافية لذا فأن هذه الشخصية قد عانى الكثير من تصرفات أشباه الرجال فكان يقول لي : ( يا بني ان الكثير من الكورد لا يودون ان تكون بينهم منارات مضيئة في شواطئ هذه الحياة تهتدي بها السفن في عرض البحار فيحاولون وإنما دائماً هذه المنارات وتحطيمها ) .
كان يعلم أننا نعيش في عالم يتنفس ذلاً وتعاسه وفي عالم مضطرب متغير متأزم يحتاج الى معجزات حتى نخرج من تحولاته ويعيش على أمل وتفاؤل لا حدود له لذا فقد تمرد على الركود والسكون عبد الباقي عجمو وطنه هو الحب لهذا الوطن هو الوفاء هو العطاء الوطن ليس رزم الدولارات المكدسة وليس براميل النفط الوطن هو الامل هو الأمن والاستقرار و الطمأنينة وليس كلاماً يقال وعواطف تبذل في الهواء الوطن حب ووفاء وأمل بالمستقبل الوطن عمل دؤوب ويقظة مستمرة من أجل كل شبر فيه .
هذا هو الوطن كان بالنسبة لهذه الشخصية فخلال مسيرتي الكتابية كلما أمسكت بالقلم لأكتب كنت أشعر دائماً بانني مدين لله سبحانه وتعالى ولوالدي حيث أنه وقف الى جانبي في أجلك الظروف واصعبها في حياتي وكلما كنت أقع أرضاً وأصاب بالإحباط فكنت التفت يميناً ويساراً فلم أكن اجد سوى والدي يرفعني من الأرض بيديه ويرفع من معنوياتي فلولا دعمه المعنوي لي لما اكملت دراستي الجامعية ولولا وقوفه الى جانبي لما استطعت ان أكون كاتباً حيث عندما فتحت عيني على الحياة قرأت في مكتبته الصغيرة لشاعر الهند الاول طاغور دوستويفسكي وتولستوي وفيكتور هيغو ومذكرات تشرشك ورومل فمن هذه المكتبة بدأت رحلتي مع الثقافة وأتمنى من خلال هذه الكلمات التي كتبتها قد سددت ولو قسطاً يسيراً من دين