أسس انتفاضة الشعب العراقي المناهضة لتدخّلات نظام الملالي في العراق تحليل للانتفاضة الشعبية في العراق وآفاقها 1-2

بقلم عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*
سجّلت انتفاضة  الشعب العراقي على مرأى ومسمع العالم أولی إنجازاتها  في الأيام الأولى من شهرها الثالث.  تجلّی هذا الإنجاز باستقالة “رئيس وزراء العراق عادل عبد المهدي عمیل إیران”. السؤال هو هل ستتوقف الانتفاضة  مع هذه الاستقالة أم لا؟ الإجابة بشکل منطقي على هذا السؤال تحتاج إلى إعادة النظر في تاریخ البلاد خلال العقود القليلة الماضية خاصة منذ عام 2003.
العراق هي أول دولة ضمّها خميني  -الذي سرق قيادة انتفاضة الشعب الإيراني في عام 1979- إلی دائرة أطماعه ومخططاته التوسّعیة لبناء أمبراطوریة في المنطقة نظراً لموقعها الاستراتیجي الخاص ووضعها الإيديولوجي (الغالبية شيعية في العراق). لذلك يجب الاعتراف بأنّ خمیني وحُلمه بالإمبراطوریة هو العامل الأساسي وراء الحرب بین العراق وإیران التي دامت ثماني سنوات وبلغت خسائرها البشرية مليوني ضحية وأكثر من ألف مليار دولار  من الخسائر المالية، خاصة وأن المحور الرئیسي للمعارضة الإیرانیة (منظمة مجاهدي خلق) قد نقل معسکره إلی داخل الأراضي العراقیة منذ عام 1986 لمحاربة نظام خمیني علی نطاق أوسع. كان “مقرّ أشرف” الواقع في محافظة ديالى ،هو  المقرّ الرئيسي لجيش التحرير الوطني الإيراني والمكان الذي تمّ فيه تخطیط وتنظیم العديد من العمليات لضرب نظام الملالي.
في منتصف عام 1988، استحوذ جيش التحرير الوطني الإيراني على غنائم حربیة (بلغت قيمتها ملياري دولار) من جيش خميني   وقوات الحرس، وأسرَ أکثر من 1500 شخص من قادة وقوات الجیش وقوات الحرس التابعة للنظام في عملية حربیة معقدة  تحت عنوان “چلچراغ” (الثريا) تمت في منطقة “مهران” في محافظة إيلام الإیرانیة، أدّت هذه الضربة القاصمة، والأهم منها ثقة  جیش التحریر الباسل بإمكانية معاودة الانتصار وخصوصاً مع انتشار  صیته في العالم بشعار “اليوم مهران وغداً طهران”، ما أدى إلی انصیاع خمیني لقرار وقف إطلاق النار مرغماً (وليس الصلح مع العراق) بتوقیع قرار 598 (بمساعي الدول الغربية الراغبة بالهدنة).
 لم يمض وقت طويل حتی اتضّح أنّ خميني  قد تجرّع سمّ وقف إطلاق النار خوفاً من هجمات جیش التحریر المستقبلیة. وبالتالي کانت عملية “الثريا” نقطة تحوّل في توازن القوى السياسية والعسكرية بين النظام والمقاومة الإيرانية ومهّدت الأرضیة للإطاحة بالنظام. بعد مرور سنة علی نکسة النظام الإیراني مات خمیني من شدة ضغط هذا التغيير الكبير ودفن في مزبلة التاریخ!
بعد أقلّ من عام علی موت خميني، وبسبب الاستراتيجيات والسياسات الخاطئة للغرب، بات العراق هدف الولايات المتحدة و أوروبا و وجهتهم  الرئیسیة، فتنفّس الملالي الصعداء وتجرّأوا علی انتهاك الحدود الدولية في الشهر الثالث من عام 1991، وشنّوا حملة عسكرية باتجاه  الأراضي العراقیة، واستطاعوا أن یضربوا عصفورین بحجر واحد، تخلّصوا من ندّهم في حرب الثماني سنوات أي العراق وأیضاً تغلّبوا علی عدوّهم اللدود أي جیش التحریر. ولكن النظام الإیراني قد تلقّی ضربة أخری من جیش التحریر نتیجة سوء تقدير تاريخي كبير. 
نتیجة تلك الاستراتيجيات والسياسات الخاطئة لدول الاسترضاء والمساومة الغربية، تمّ الإطاحة بالحكومة العراقية السابقة علی ید قوات التحالف في عام 2003. استغلّ النظام الإیراني تلك التغیرات الکبیرة واغتنم الفرصة ودخل الأراضي العراقية ناقلاً الحرب ضد عدوه الوحید أي معسكر “أشرف” إلی هناك. وهكذا أصبح العراق ساحة معركة مصيرية بين قوتين معاديتين إیرانیتین. مع احتلال العراق واغتصاب السيادة في تلك البلاد (بالطبع تحت حمایة الحكومات الغربية والمنظمات الدولية)، عزم النظام الإيراني على تدمير “أشرف” و”الأشرفیون” بالکامل!
لم يكن لدى “الأشرفیون” طريقة أخرى غیر الصمود والکفاح وقد فعلوا هذا بفخر واعتزاز. لأن الاستسلام أمام العدو كان یعتبر ” خطاً أحمر ” بالنسبة للمقاومة الإيرانية منذ اليوم الأول للنضال، وقد “أقسموا” على الإطاحة بنظام الملالي. وكما قال زعيم المقاومة، السيد مسعود رجوي، لقد استطاع “أشرف” تعبئة المواقف الدولیة ضد نظام الملالي باختیاره موقف “الصمود بأي ثمن”.
لذلك بعد عام 2003، تواجه الخصمان في حرب غير متكافئة داخل العراق، الأول  اغتصب الحکم في العراق والآخر اختار المقاومة الشریفة وسلك طریق التنوير للوقوف مع  شعب ذلك البلد، ساعياً لتوطيد الروابط الإنسانية والتاريخية مع الشعب العراقي من أقصى نقطة في الشمال أي “زاخو” إلى أدنى نقطة في الجنوب أي “الفاو”، استطاع “الأشرفيون” –وهم تحت حصار لاإنساني-  الحصول على دعم خمسة ملايين عراقي ثلاثة ملايين منهم هم من  شيعة العراق لیصبحوا سداً منیعاً للشعب العراقي والمنطقة بوجه أصولیة الملالي وإرهابهم. وبفترة وجیزة اتّضحت طبیعة تدخّلات نظام الملالي وممارساته الغير الإنسانیة بفضل مقاومة “أشرف” وشرعية المقاومة الإيرانية للشعب العراقي وشعوب المنطقة بل للعالم أجمع. وأخذ الناس یبحثون عن وجه خمیني في قعر “البئر” بدل أن یبحثوا عنه في “القمر” کما کان یفعل بعض السفهاء. وتبدّدت صورة النظام الإیراني الملائکیة وحلّت محلها صورته الشیطانیة.
الغرض من ذکر هذین النموذجین هو الإشارة إلی أنه في سیاق مساعي النظام الإیراني الحربیة وتدخّلاته السافرة في العراق کانت تدور حرب طاحنة عميقة، الحقيقة أنه لولا وجود المقاومة ضد خمیني لکان مصیر إیران والعراق ودول المنطقة مصیراً مغایراً منذ السنة الأولی من الحرب الإیرانیة-العراقیة الطویلة.
الآن وبالنظر إلى الانتفاضة غير المسبوقة في العراق ورفع سقف مطالب الشعب العراقي وتصعید العنف المصاحب للانتفاضة، فمن الطبيعي أن نستنتج أن القمع الدموي للانتفاضة  الشعبیة العراقیة من قبل حکومة العراق التابعة للملالي لن یستطیع إخماد الانتفاضة، بل أنه یلهب نیرانها ویؤدي إلی تفاقم الوضع واتساع نطاق الانتفاضة  یوماً بعد یوم.
@m_abdorrahman
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود شهدت منطقة الشرق الأوسط تحولات سياسية كبرى خلال العقود الأخيرة، وكان من أبرزها انهيار حزب البعث في كل من العراق وسوريا، وهو الحزب الذي حكم البلدين لعقود طويلة بقبضة حديدية وحروب كارثية اكتوت بها شعوب البلدين وشعوب المنطقة وخاصة كل من لبنان وإيران والكويت، ناهيك عن الضحايا الذين فاقت اعدادهم الملايين بين قتيل وجريح ومعتقل ومهجر، أدت تلك…

بوتان زيباري في عالمٍ يموج بين أمواج الآمال والظلمات، يقف العرب السُنة اليوم على مفترق طرق تاريخيّ يحمل في طياته مفهومات المسؤولية وجوهر الهوية. إذ تتساءل النفوس: هل ستكون سوريا جنة المواطنة المتساوية أم ميداناً لحروب أهلية لا تنتهي؟ ففي قلب هذا التساؤل تنبعث أنوار براغماتية تعلن رفض الوهم الخادع لإقامة دولة إسلامية، وفي آنٍ واحد تفتح باب السلام…

فرحان كلش بلاد مضطربة، الكراهية تعم جهاتها الأربع، وخلل في المركز وعلاقته بالأطراف، فمن سينقذ الرئيس من السلطة الفخ؟ أحمد الشرع يسير على حقل ألغام، كل لغم شكل وتفجيره بيد جهة مختلفة. في الإنتماء الآيديولوجي قريب من الأتراك، في منحى القدرة على دفع الأموال والبدء بمشروع بناء سورية في جيوب السعوديين، التمهيد العسكري لنجاح وثبته على السلطة في دمشق اسرائيلي…

أزاد فتحي خليل* منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011، شهد المجتمع الكوردي تحديات كبيرة واختبارات دائمة في ظل تلك الظروف المضطربة. لم يكن الصراع بعيدًا عن الكورد، بل كان لهم نصيب كبير من التداعيات الناتجة عن النزاع الذي استمر لعقد من الزمن. إلا أنه، في خضم هذه التحديات، برزت أيضًا بعض الفرص التي قد تعزز من مستقبلهم.