الفوضى الممنهجة في جنوب غرب كردستان 2/2

د. محمود عباس
  ليس هناك من شك أن روسيا على علم بالمخطط التركي، المرسوم على مراحل، والتي بدأتها من مدينة جرابلس وعلى الأغلب لن تنتهي على مشارف مدينة سري كانيه، ولا نظن كذلك أن أمريكا أعادت نشر قواتها لحماية أبار النفط فقط، دون أن تسايرها مخططات غير معلنة، كالحفاظ على القوة الكردية- العربية الموالية لها، ولعدة مصالح، منها ما تخص حماية إسرائيل، وليست كما تدعي ضد داعش فقط، المنظمة التي تظهر وتختفي حسب الطلب، ولا يستبعد أن تكون من مهماتها، وكمصلحة ذاتية قبل أن تكون كردية ولربما تتلاءم ومصالح دول أخرى في المنطقة، إقامة كيان فيدرالي كردي كأداة موثوقة ودائمة الحضور، كفيدرالية جنوب كردستان،
 ولا تتوقع من الإدارة الكردية المأمولة إقامتها الرفض، كما فعلتها تركيا لعدة مرات يوم أرادت استخدام قاعدة إنجرليك، الحظر الذي استخدمته تركيا كعامل ضغط لتمرير مصالحها أو متطلباتها المرفوضة أمريكيا وأوروبيا، وعلى أثرها ومنذ عام 2003م أي بعد التدخل الأمريكي في العراق حصلت تركيا على مساعدات مادية هائلة سنوية؛ من الشركات الرأسمالية الأمريكية واليهودية العالمية تجاوزت 75% من دخلها الوطني وعلى مدى أكثر من عقد كامل.
  نحن هنا لا ننوه إلى الخيوط المموهة والتي تربط ما بين روسيا وتركيا، والصفقات التجارية على كل المستويات، والتي تفرض على الطرفين أن تكون القضية الكردية في جنوب غربي كردستان حاضرة بل وتكون في مقدمة البنود المتحاورة عليها، وهي التي أدت إلى أن تكون الدوريات التركية الروسية في المنطقة الكردية الهادئة أكثر مما جرت في إدلب حيث دوام الصراع والمعارك، بل نود تبيان ما لا يرضي الطرفين، حول مجريات الأحداث في المنطقة، ولئلا يتم إثارتها وتؤدي إلى خلافات ما، يتم التغاضي عن التجاوزات التركية؛ أو الإملاءات الروسية تحت صفة وجود السلطة السورية، وبالتالي لا بد من ترك الإشكاليات ثانية الى عامل الزمن، وبرفقة الفوضى الممنهجة في أماكن التواجد، وحيث المعارك الجانبية، وعدم تحديد أطراف الصراع العسكري، وضبابية الحدود المتفقة عليها ما بين قوات سوريا الديمقراطية والتركية.
 لكن ما يثير الانتباه أكثر، هي العلاقة الروسية الأمريكية واهتمامهما المفاجئ بالمنطقة الكردية، والتي هي لربما أعقد من خلافهما على القضية السورية، فهنا تتدخل مصالح عدة دول مجاورة قبل مصالحهما، ومن ضمنها القومية والاحتماليات غير المتوقعة لقادم الجغرافيات أو على الأقل الإدارات السياسية، لهذا فهما أكثر من يستندون على عامل مرور الزمن، وبالتالي لئلا تثار القضية الكردية في المحافل الدولية أكثر مما يجري، يتفقون على خلق الفوضى العسكرية والتعتيم الدبلوماسي على الصمت السياسي، ولا يعني هذا أنه ليس هناك معرفة ما يطلبه الطرف الأخر من الشعب الكردي ومن وجودها كقوة عسكرية في شرق الفرات، وأنه لم يتم التحاور عليه، والتي لم يتم التوافق على الخطوط العريضة حول مصير الشعب الكردي ومطالبه، لكن كل هذا يتم السكوت عليه إعلاميا لئلا تتأثر مصالحهم مع الدول المعنية بالقضية الكردية.  
 ولا نستبعد أن ما تم إثارته في إدارة البيت الأبيض، حول المنطقة الكردية وعملية التخلي عنهم، والعودة إليها، وإثارة تركيا، كان مخططا، ومبنياً على إستراتيجية لربما لعبها ترمب المعروف بلامبالاته بانتقادات العالم، وخاصة بعدما كانت الرسائل الروسية تتالى على قواته عن طريق تركيا، وكثير ما كان يتغاضى عنها كرد جميل لروسيا كما يبثها الإعلام الديمقراطي الأمريكي، إلى جانب كونها استخدمت تلك الرسائل كعامل ضغط على دول الناتو التي تود رفض سقف نسبة دعمها المادي للحلف.  
 لا يختلف المحللون السياسيون على أن الصورة في سوريا أوضح من مجريات الأحداث في المنطقة الكردية، وخاصة في شرق الفرات، فجبهات الصراع في إدلب أو المناطق الأخرى شبه معروفة؛ وجغرافية القوى العسكرية أكثر وضوحاً من المنطقة الكردية التي أغرقت في الفوضى الممنهجة، وكل الأطراف تعي أن الجميع ينتظر مرور الزمن، ولكن إلى متى؟ لا نظن أن هناك طرف يمكن تحديده، لربما نستثني منهم روسيا وأمريكا، اللذين لا ينويان البدء بالحل تحت منطق أن الزمن لم يحل بعد لحلها. 
والقضية هنا مدى ثقل هذه الفوضى على الكرد كشعب وقضية، وحيث المصير، أو لنقل على الوجود الديمغرافي، وهل هذه الفوضى من صالحهم، وهل عامل الزمن سيؤدي إلى نتائج إيجابية؟ وهل تواجد كل هذه القوى العسكرية مضرة أم مفيدة حاضراً ومستقبلاً؟ أما أنها كارثة مستقبلية كما هي الآن تتبين وكأنها قنبلة موقوتة؟ وخاصة مع تمدد القوى التكفيرية العروبية بدعم من القوات التركية، واتفاق غريب غير مباشر بين معظم أطراف المعارضة السورية والسلطة وتركيا على مصير الشعب الكردي في روج آفا وقضيتهم القومية ضمن سوريا المستقبل، وتؤكد عليها تصريحات بشار المتتالية والمتصاعدة ضد الكرد والتي تتشابه وما يصدر من معظم شخصيات المعارضة. 
 وهنا السؤال بوجهه الأخر: هل ستؤثر هذه الفوضى بشكل إيجابي أم سلبي على نوعية وطبيعة نضال الحراك الكردي المهيمن حالياً على الساحة؟ وهل يتوقع أن تكون عامل ضغط لخلق تقارب ما؟ وخارج كل هذه الفوضى، يتوقع معظم المراقبون السياسيون أن قضية الشعب الكردي لها أفاق إيجابية رغم الكوارث التي حلت بالمنطقة. 
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
28/11/2019م
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…