نيران غضب الشعب الإيراني تلتهم بنوك ورموز النظام

نظام مير محمدي* 
تتمّیز انتفاضة نوفمبر للشعب الإيراني -التي لا تزال مستمرة- بخصائص عدیدة، وكانت موضوعاً ساخناً تناولته أخبار وتقارير وسائل الإعلام الإقليمية والدولية وحتى تلك التابعة للنظام الإیراني نفسه. 
من أهمّ خصائص هذه الانتفاضة هو استهدافها المباشر لرموز نظام الملالي وقوات الحرس التي تشکل العمود الفقري للنظام، بالنسبة لعشرات الملايين من الأشخاص والشباب الذين تعرّضوا للاضطهاد من قبل هذا النظام الجائر والذین صنعوا هذه الانتفاضة، فإن استهداف هذه الرموز تدميرها وحرقها هو ردّ حاسم من غالبیة المجتمع الإیراني لنظام حكم  ولایة الفقیه. الشعب یری أنّ فترة حکم النظام قد انتهت رافضاً استمرار النظام من أساسه.
السؤال الذي یطرح نفسه هو: ما دور هذه الرموز وعلاقتها بالنظام وأسسه حتی يتمّ استهدافها من قبل المتظاهرین في جمیع أنحاء إیران؟ 
البنوك، بعض حوزات ودور الملالي، سلسلة المحلات التجاریة التابعة لقوات الحرس، مراکز الباسیج وقوات الحرس والشرطة ومکاتب أئمة الجمعة التابعین لخامنئي،هي رموز هذا النظام الغاشم. 
تنشر ماكينات النظام الدعائیة أخبار وتقارير مزیّفة لتضلیل الرأي العام، تحاول التظاهر بأن الشعب لا یقوم بهکذا أعمال لتستنتج بعد ذلك أن أولئك الذين احتجّوا وأضرموا النیران في البنوك والمراكز التابعة للباسيج وقوات الحرس هم “شرذمة من مثیري الشغب” و”العملاء” و”المحاربون” و”البغاة” علی حد تعبیر کبار المسؤولین في النظام.
هذه الطریقة قدیمة وقد اعتمدها الشاه الإیراني عندما استهدفت القوات الثوریة بما في ذلك منظمة مجاهدي خلق، الأجهزة الحكومية الفاسدة التابعة لبلاط بهلوي، فقام الشاه وأبواقه الدعائية العدیدة باتهام البعض والقول أن عددًا من المخرّبین الذين يتم تحريكهم من قبل  الأجانب قاموا بأعمال التدمیر هذه، وبالتالي هم «مخلّون بالنظام  والأمن العام» ويجب إعدامهم بموجب القانون.
ما وظیفة البنوك في ولایة الفقیه وأي جهات تدعم؟
للإجابة علی هذا السؤال يكفي أن نشير إلى النمو الفقاعي لظاهرة “البنوك” في نظام الملالي لنخرج منه بنتیجة منطقیة. فالبنوك أصبحت مصدراً هاماً للنهب والسرقة وتكريس الانقسام الطبقي في المجتمع الإیراني الذي یعیش فیه نسبة 34 في المائة أي أکثر من 27 ملیون نسمة تحت خط الفقر وفقاً لاعترافات مرکز إحصاء الملالي.
إذن السؤال المطروح هو: هذه البنوك تخدم مَن؟
الجواب هو أنّه في المجتمع الإیراني الحالي، هناك الکثیر من عملیات الرشوة والربا بالملیارات تتمّ من خلال البنوك وفقا لاعترافات کبار المسؤولین الحکومیین. وقد شاعت في المجتمع الإیراني ثقافة الاختلاس المرتبطة بتلك البنوك التي باتت مركزاً هاماً للنهب الحکومي من جیوب غالبية الإيرانيين، حتی تمّ نسيان الهدف الأساسي من وجود هذه البنوك وهو تقدیم تسهیلات نقدیة تساعد علی النمو والازدهار الإقتصادي والصناعي والتجاري، وتحوّلت عملیاً إلی قاعدة مالیة عظیمة تخدم أغنیاء النظام في تکدیس الثروات والنهب والاستثمار وبالتالي تشدید الانقسامات الطبقیة في المجتمع.
اعترف المحتال روحاني بعد أن رفع أسعار البنزین، بأن 60 ملیون إیراني بحاجة إلی دعم مالي في هذا المشروع. هذا الاعتراف یعني أنّ 60 ملیون إیراني لا یستطیعون تحمّل تکلفة البنزین المرتفعة بنسبة 300 في المائة.
کتبت صحیفة “آرمان” الحکومیة 21 نوفمبر مؤکدة علی هذه النقطة: «البلاد التي یوجد فیها 60 ملیون محتاج، لدیها قابلیة الإضطراب في أي لحظة».
إذا سئل أي عالم اجتماع أو عالم نفسي أو خبير إقتصادي محاید، عن الاتجاه الذي سيتخذه هکذا مجتمع بما ذکرناه من خصائص، سيجیب دون أدنی شك ودون الحاجة إلی حسابات تقنیة وعلمیة ومنطقیة بأنه سیتّجه نحو “التمرّد والانتفاضات “.
وبالتالي فإنّ البنوك في اقتصاد ولایة الفقیه المتأزّم، کانت ولاتزال أحد أهمّ مصادر النهب الممنهج لأموال الشعب، تأجيج الصراع الطبقي، تأمین تکالیف قوات الحرس والمراکز القمعیة، وکذلك تمویل وتصدیر الإرهاب والعنف إلی الدول الأخری. وسیستمر الوضع علی هذا النحو طالما النظام مسیطر علی دفة الحکم.
الحقیقة الأخری أن الشعب الإيراني والمودعین في البنوك الحكومية قد تابعوا مطالباتهم من البنوك بطرق سلمية وقانونية مراراً وتکراراً. لکن ماذا کانت النتیجة؟
قد ذهب المودعون إلی جمیع السلطات والهیئات التشریعیة، وقاموا بالاعتصامات ورفع دعاوي قضائیة والتوقیع علی العریضة، وهتفوا بـ: «الحدّ من الاختلاسات، یحلّ مشکلتنا» و«الحکومة المفلسة تجلس علی أموالنا».
 من أبسط  حقوق المعذّبین والمحرومین الحصول على حياة كريمة مكللة بالكرامة، وعندما جرّبوا جمیع الطرق ووجدوا أن الاحتجاج والتقاضي المالي والاجتماعي بطرق سلمیة لا یؤدي لأي نتیجة، رأوا من حقهم أن ینتفضوا ویحتجّوا ضد هیمنة المستبدّ ورموز السلطة الحاکمة وفقاً  للإعلان العالمي لمنظمة حقوق الإنسان.
استهداف البنوك من قبل الشعب الإیراني الغاضب، قد اختصر الطریق وبلغ مرحلة القضاء على رموز الملالي وحرسه.
لقد اختبر الشعب الإيراني هذا النظام الفاسد، وبات يَعي أن جذور وأوکار انتشار الطاعون والفساد تکمن في بیت خامنئي العنکبوتي والمؤسسات التابعة له وعلى رأسها البنوك.
تعلّمنا انتفاضة نوفمبر للشعب الإیراني أن الطرق السلمیة والتعامل وفقاً للقانون والحقوق هي مجرد سراب في نظام يعتبر فيه المرشد الأعلى فوق الملايين من الشعب. لا یمکن التفاهم مع هذا النظام بأي لغة أو طریقة غیر الغضب والانتفاضة. بناء علی أربعة عقود من التجربة فإنّ الملالي وحماتهم قوات الحرس لا یفقهون شیئاً سوی لغة القوة.
السيد مسعود رجوي قائد المقاومة الإيرانية، في بیانه رقم 17 بتاريخ 25 نوفمبر حول انتفاضة  نوفمبر الإیرانیة قال: «لقد ثبت مرة أخرى أن هذا النظام لا یفهم لغة غیر لغة القوة والحسم؛ والباقي أسطورة وخداع».
* كاتب حقوقي وخبير في الشأن الايراني 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خورشيد شوزي في ظل الأوضاع المعقدة التي تشهدها سوريا، يبقى النهج الإقصائي الذي تمارسه سلطات الأمر الواقع أحد العوامل الأساسية في تعميق الأزمات بدلاً من حلها. فالتهميش المستمر ورفض التعددية السياسية يضعف أسس الاستقرار، ويؤدي إلى إعادة إنتاج أخطاء الماضي. أي سلطة تسعى إلى بناء دولة قوية ومستقرة لا بد أن تعتمد على مبدأ الشراكة الوطنية، وتعزز التعددية…

نارين عمر   يبدو أنّه علينا كشعب أن نعيش عمرنا بين تساؤلات واستفسارات موجّهة إلى مختلف قيادات الحركة الكردية والأطراف التي ترى نفسنا أنّها تمثّلنا في سوريا دون أن نتلقى إجابات واضحة منهم تهدّئ من صخب فكرنا وتنعش النّفس ببعض الآمال المحققة لطموحاتنا وحقوقنا. في اتفاق أسموه بالتّاريخي بين “قسد” وحكومة دمشق تمّ طرح عدّة بنود منها: (( دمج قسد…

درويش محما قد تصبح الامور عصية على الفهم في بعض الاحيان، وضبابية غير واضحة، حينها يجد المرء نفسه في حيرة من امره، ازاء سلوك او تصرف معين يقدم عليه شخص ما، والسبب بكل بساطة، يكمن في عدم معرفتنا للهوية الحقيقية للشخص صاحب التصرف والسلوك. اما ماهية الهوية كمفهوم، فهناك اجماع على تعريفه، بمجموعة السمات والخصائص المميزة لفرد ما بعينه،…

إبراهيم اليوسف يقتلع”الزور” الجزرأي القوة مثل كردي لقد بلغ العنف والتدمير مرحلة ما بعد الحداثة، فلم يعد مجرد أداة صراع بل تحول إلى نسق شامل، يعيد تشكيل الواقع وفق منطق القتل والفناء. إذ لم تعد الأسئلة الكبرى عن معنى السلطة والشرعية والوجود تجد مكاناً لها، لأن القاتل لم يعد مضطراً حتى لتسويغ جرائمه. إننا- هنا- أمام زمن…