جرائم الحرب والإبادة في عفرين

مصطفى أوسو

منذ العدوان التركي على منطقة عفرين الكردية السورية بالتعاون مع بعض الجماعات المسلحة السورية التي ارتضت أن تكون مرتزقة تحت الطلب بداية عام 2018 الماضي، والانتهاكات الجسيمة لقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني – خاصة اتفاقيات جنيف الأربعة وبروتوكولاتها الإضافية – لم تتوقف فيها بحقها بحقها كمنطقة جغرافية وحق سكانها.
وقد عرت هذه الانتهاكات تماماً الإدعاءات التركية القائلة بـ :“الدفاع عن النفس” و “حماية الحدود” و “استهداف حزب معين”..، وأظهرت أن تركيا لم تكن تهدف من عدوانها واحتلالها لمنطقة عفرين سوى محاولة القضاء على الكرد فيها والعمل على إبادتهم كلياً أو جزئياً من خلال عمليات القتل المتعمد والتهجير لأهلها وتوطين الغرباء فيها والسجن أو الحرمان الشديد من الحرية البدنية بحق أبنائها بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي،
إضافة إلى التعذيب والاغتصاب والعنف الجنسي، والاختفاء القسري للأشخاص والفصل العنصري – الجدار العازل الذي تبنيه حول عفرين – وتدمير الممتلكات والاستيلاء عليها وأخذ الرهائن والمطالبة بالفدية مقابل الإفراج وإطلاق السراح، وتعمد توجيه هجمات ضد المشاءات المدنية والمرافق والمباني المخصصة للأغراض الخدمية والصحية والدينية والمعالم التاريخية..، وعمليات السلب والنهب والاعتداء على الكرامة الشخصية وحرق الأشجار والحراج.. وغيرها من الممارسات التي تنطبق عليها صفة “جرائم حرب والجرائم ضد الإنسانية”
عرفت ميثاق محكمة نورنبرغ العسكرية الدولية لسنة 1945، جرائم الحرب، بأنها “انتهاكات قوانين الحرب وأعرافها، بما في ذلك قتل المدنيين في أرض محتلة أو إساءة معاملتهم أو إبعادهم، قتل أسرى حرب أو إساءة معاملتهم، قتل رهائن، سلب ملكية خاصة، والتدمير غير الضروري عسكرياً”. وهي جرائم معاقب عليها بأشد العقوبات من جانب المجتمع الدولي الذي يلاحق مرتكبيها سواء أكانوا أشخاص اعتباريين – دول – أو طبيعيين – أفراد – أما الجرائم ضد الإنسانية، فإنها تشمل: جرائم القتل والإبادة والتعذيب والتهجير والإبعاد والاستعباد والإرهاب والاعتقال غير القانوني والاضطهاد لأسباب سياسية أو دينية أو عرقية، سواء كانت فردية أو جماعية، ويلحق بها أيضاً الأعمال الشبيهة بها التي تقترف ضد المدنيين في المناطق المحتلة. والجرائم المذكورة هي انتهاكات لقوانين الحرب من ناحية، وما هو متعارف عليه لدى الدول التي تستند إلى مبادئ الحق والقانون في الحروب من ناحية أخرى، إضافة إلى أي جريمة أخرى غير ما تم ذكره تقترفها سلطات الاحتلال أو أفرادها ضد المدنيين في المناطق المحتلة. 
وقد أكدت العديد من الجهات والمنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية والمحلية..، استناداً إلى تحقيقات ميدانية ودلائل حسية ووثائق أخرى دامغة، أن الانتهاكات التركية والمجموعات المسلحة السورية المرتبطة بها في منطقة عفرين منذ العدوان عليها واحتلالها، ترتقي إلى مستوى ارتكاب “جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية”. ففي تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا أوائل عام 2019، جاء ما يلي: “هناك أسباب قوية تدعو للاعتقاد أن أعضاء الجماعات المسلحة في عفرين، ارتكبت وترتكب جرائم حرب وأخذ رهائن ومعاملة قاسية وتعذيب ونهب واستيلاء…”. كما اتهم تقرير لمنظمة العفو الدولية، صادر في شباط/فبراير 2019، المجموعات السورية المسلحة المرتبطة بتركيا في عفرين بـ “ارتكاب انتهاكات منذ سيطرتها على المنطقة من مصادرة ونهب ممتلكات المدنيين واستخدام منازل المدنيين ومحلاتهم التجارية، إضافة للمدارس كمقرات وقواعد عسكرية..، وأيضاً الاعتقال التعسفي والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة”. وأيضاً في تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش في شهر حزيران/يونيو 2018 “أن جماعات مسلحة تدعمها تركيا في الجيش السوري الحر استولت على ممتلكات المدنيين الأكراد ونهبتها ودمرتها في منطقة عفرين شمالي سوريا، وأسكنت الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة السورية مقاتلين وعائلاتهم في منازل السكان، ودمرت الممتلكات المدنية ونهبتها دون تعويض أصحابها”، مضيفاً أنه: بموجب قوانين الحرب، يُحظر النهب أو الاستيلاء على الملكية الخاصة بالقوة للاستخدام الشخصي، ويمكن أن يشكل جريمة حرب حتى في سياق القتال في منطقة ما. ولا يُسمح للمقاتلين بالاستيلاء على الممتلكات للاستخدام الشخصي، حتى لإيواء أسرهم. كما تحظر قوانين الحرب تدمير الممتلكات التي لا تبررها الضرورة العسكرية”
ويبقى إدانة الجرائم التركية والمجموعات المسلحة المرتبطة بها في منطقة عفرين والعمل على تحريك ملفها لدى الجهات الدولية المختصة – خاصة أمام محكمة الجنايات الدولية – واجب قومي كردي ووطني سوري وأيضاً واجب قانوني وأخلاقي يقع على عاتقنا الجميع أفرداً ومؤسسات حقوقية ومدنية وأحزاب سياسية والضحايا وأقربائهم..، رغم أن هذه المهمة ليست بالمهمة السهلة أو اليسيرة بسبب تشابك المصالح الدولية والإقليمية والصفقات الناجمة عنها التي أنتجت هذا الواقع المأساوي المرير والقاسي جداً فيها، وأيضاً لكون تركيا أيضاً مثلها مثل سوريا لم تصادق على نظام روما المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية المختصة بـ “جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية” بموجب المواد: (5 و 6 و 7 و 8) من نظامها الأساسي، ومع كل ذلك يبقى “في قلب كل شتاء ربيع يختلج، و وراء نقاب كل ليل فجر يبتسم” وفق تعبير الأديب اللبناني الكبير جبران خليل جبران. 

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف يقتلع”الزور” الجزرأي القوة مثل كردي لقد بلغ العنف والتدمير مرحلة ما بعد الحداثة، فلم يعد مجرد أداة صراع بل تحول إلى نسق شامل، يعيد تشكيل الواقع وفق منطق القتل والفناء. إذ لم تعد الأسئلة الكبرى عن معنى السلطة والشرعية والوجود تجد مكاناً لها، لأن القاتل لم يعد مضطراً حتى لتسويغ جرائمه. إننا- هنا- أمام زمن…

عزالدين ملا عندما اندلعت الثورة السورية، كان أول مطالبها إسقاط نظام عائلة الأسد، الذي حكم البلاد بقبضة من حديد وحوّلها إلى مزرعة لعائلته وأزلامه. كانت هذه المطالب تمثل رغبة شعبية في التحرر من عقلية الحزب الواحد والفكر الشمولي، التي أدت إلى الاستبداد والديكتاتورية وقمعت الأصوات المخالفة. إلا أن المرحلة التي تلت سقوط النظام كشفت عن تحديات جديدة أمام بناء سوريا…

د. محمود عباس هل نستطيع أن نقول أن الفيدرالية لغرب كوردستان والنظام اللامركزي في سوريا باتا أقرب إلى السراب؟ ليس فقط بسبب رفض الدول الإقليمية لها خشية من تحولات كبرى قد تعيد تشكيل المنطقة، ولا لأن الفصائل الإسلامية المتطرفة مثل هيئة تحرير الشام وحلفائها لديهم من القوة ما يكفي لفرض مشروعهم الإقصائي، بل لأن الكورد أنفسهم، وهم القوة…

إبراهيم كابان لطالما شكّل الواقع الكردي في سوريا ملفًا معقدًا تتداخل فيه العوامل الداخلية والإقليمية والدولية، حيث تسعى الأحزاب الكردية إلى تحقيق مطالبها ضمن إطار وطني، لكنها تواجه تحديات داخلية مرتبطة بالخلافات السياسية، وخارجية متصلة بالمواقف الإقليمية والدولية تجاه القضية الكردية. فهل تستطيع الأحزاب الكردية في سوريا توحيد موقفها ضمن إطار تفاوضي واحد عند التوجه إلى دمشق؟ وما هي العوامل…