وحدة الصف الكوردي .. والاستراتيجية المستقبلية

 عزالدين ملا
تسعُ سنوات انقضت من عمر الأزمة السورية، التي كانت أهدافها تتمثل بالمشاريع  التي تتصـل بالحريات العامة وحقوق جميع مكونات المجتمع السوري  والديمقراطية، لكن كل ما يقع تحت هذا العنوان، بقي تحت أقدام صراعات  مصالح  الدول الكبرى والاقليمية من خلال احداث العديد من الميليشيات المسلحة ، وتحت مسميات كثيرة التي تنفذ أجندات تلك الدول، فيما لم يبقى من كل تلك الأهداف سوى شعارات فارغة فقط لجذب عاطفة المغفلين من الناس ليُغطي بها الزعماء صراعات بينية لا يستفيد منها إلاّ من يستهدفون قيام نظام سوري تعددي اتحادي ديمقراطي لا مركزي.
والشعب الكوردي لم يُستثنى من تلك الصراعات، فقد تغلغلت أيادي الصراع داخل الأطراف الكوردية وأحدثت شرخاً خطيراً يُهدد مستقبل الكورد في كوردستان سوريا، ذاك الشرخ أدى إلى تهجير نسبة كبيرة من الكورد، كما أدى إلى فصل مناطق كوردستان سوريا عن بعضها، بالإضافة إلى احتلال أجزاء منها من قبل تركيا كـ “عفرين وسري كانية ( رأس العين )”. 
والسؤال هو لماذا ترتفع الاصوات الآن إلى توحيد الصف الكوردي؟، هذا الهدف الذي لا يمكن لأي كوردي شريف محب لقضيته أن يكون ضد حدوثه؟
ستُ سنوات مرت على اتفاقية هولير 1-2 واتفاقية دهوك، تلك الاتفاقيات التي كانت برعاية الرئيس مسعود بارزاني، والتي كانت ستضمن حقوق الكورد في كوردستان سوريا، ولكن إبتعادنا عن أساسيات دفاعنا السلمي لحقوقنا جعلنا في هذا الموقف الصعب، وخاصة تلك الأطراف التي تهربت من تطبيقها.
وإذا جاز لنا أن نقف على اسباب ضعفنا وعدم قدرتنا في مواجهة الظروف الحالية هو عدم قراءتنا للسياسات العالمية والاقليمية، وما كانت نداءات الرئيس مسعود بارزاني سوى لإيقاظنا من غفوتنا ومن منع إنزلاقنا نحو الهاوية.  
اليوم أصبح  توحيد الحركة الكوردية وتشكيل قوة عسكرية كوردية موحدة، أكثر من ضرورة، وهي دائماً كانت ضرورة، لكنها اليوم وإن جاءت على نحو متأخر، إلاّ أنها تستهدف الحفاظ على ما تبقى من الكورد، وخير مثال على ذلك، دخول  بيشمركة روج التي تعتبر قوة كوردية منظمة ومدربة ومقبولة من جميع الأطراف إلى مناطقهم في كوردستان سورية التي اصبحت ضرورة قومية ووطنية.
و قرار التوحيد متأخر جداً، ليس فقط لأنه لا ينشأ انطلاقاً من الحاجة لتحشيد الجهود الكوردية في مواجهة الأخطار المحدقة من الاحتلال التركي لمناطقنا وعودة النظام الذي يُقلق جميع مكونات المنطقة وخاصة الكورد، ولكن لأنه أيضاً جاء بعد أن تغلغل أظافر وأنياب الأجنبي تدخلاً في مناطقنا من الروسي والأمريكي والتركي والايراني، لم يترك هؤلاء للكورد أن يُقرر مصيره في الحصول على حقوقه المشروعة في سوريا المستقبل، ورغم هذا القرار المتأخر إلا أنّنا مازلنا بحاجة إليها. 
ومع أنّنا بالتأكيد ندعم بقوة كل توجه حقيقي نحو لملمة شتات الكورد وتوحيد صفه، وبحيث يكون ذلك منهجاً يمثل الأولوية في سُلّم اهتمامات وسياسات واستراتيجيات قيادات الحركة الكوردية، ونُحذر إلى أن أي تقارب كوردي موحد سيضل طريقه، ما لم يحدد بوضوح شديد طبيعة الأعداء الذين يضعون أنفسهم في رأس سلم المواجهة مع الشعب الكوردي وحقوقه ومصالحه، وأيضا كيفية ربط التناغم مع الدول المتداخلة في الشأن السوري وربط مصالحهم مع مصالح الكورد.
يمكن هنا أن تتفاوت الأطراف الكوردية في تحديد أولوية العداء والأعداء، فالبعض قد يضع النظام السوري في مقدمة هذه القوى، والبعض الآخر قد يضع تركيا أو إيران، ولكن ما لا يقبل النقاش، هو ان الأنظمة الغاصبة لكوردستان هم الاعداء الاساسيون، والدائمون للشعب الكوردي وتحرره.
ربما لا نحتاج إلى الكثير من الشرح والتفسير لتأكيد هذه الحقيقة بالنسبة لتركيا، التي تخوض حربها على الكورد، على نحو سافر ومباشر او عبر وكلاء لها لما يسمى بالجيش اللاوطني، ولكن على الكلّ أن يقتنع بأن أيادي النظام السوري ومن خلفها الأيراني موجود ويلعب بقوة وان كان على نحو خفي في كلّ الصراعات التي تجري في مناطقنا الكوردية.
يمكن للكورد أن يرد الصاع صاعين على الأعداء، ولكن السؤال هو كيف يحدد الأطراف الكوردية استراتيجيتهم في مواجهة  كل تلك المخاطر؟ في الواقع فإن استراتيجية الكورد تفتقر الى الاصالة، بمعنى أنها تنبني دائماً على مبدأ رد الفعل على فعل العدو بشكل عام.
نؤكد أن صواب السياسة يقتضي من الحركة الكوردية بعد تشكيل مظلة كوردية موحدة أن توجه بوصلتها نحو ربط مصالح الكورد مع مصالح الدول الكبرى وخاصة أمريكا وروسيا، والعمل بجد ودون تخاذل لتحقيق ذلك.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…