لجنة التصفية…

ماهر شرف الدين
“اللجنة الدستورية” مصطلحٌ تحسبه يخصُّ دولةً تعيش أزمة مؤسَّسات ودستور، ترافقها بعض الإضرابات والقلاقل، ولا يخصُّ دولةً تمَّ محوها عن الخريطة بفعل حربٍ همجيةٍ شرَّدت أكثر من نصف سكَّانها، وقتلت من أبنائها مليوناً، وغيَّبت في السجون مليوناً، وعوَّقتْ مليوناً.
هذه المفارقة تفضح المغزى الحقيقي الذي أراده الصانعون من وراء إنشاء هذه اللجنة: تصفية القضية السورية بتوقيع “معارضةٍ” أقرب ما تكون إلى هيئة شهود الزور.
إنَّ اختيار الإصلاح الدستوري آليةً، أو مدخلاً، لغلق الملفّ السوري هو أساساً تزييفٌ لحقيقة المأساة التي يُراد إنهاؤها.
فالسنوات الأُولى من الثورة لم تتضمَّن أيّ إشارة من قبل الثائرين إلى المسألة الدستورية، لأنَّهم – ببساطةٍ – يدركون شكلية هذه المسألة ضمن التركيبة الأمنية الحاكمة التي لا تقيم اعتباراً للكرامة الإنسانية للمواطنين، فكيف بحقوقهم!
ناهيك عن أنَّ بعض البنود الموجودة أصلاً في الدستور الحالي للنظام (دستور 2012)، والتي تتعلَّق بحقوق المواطنين وحرّياتهم، تكاد أن تكون موضع تندُّر حين تُقارَن، نصَّاً، مع حالها على أرض الواقع. ولنا في بعض الموادّ من فصل “الحقوق والحرّيات” شواهد:
“لكلّ مواطن الحقّ في أن يُعرب عن رأيه بحرّيةٍ وعلنيةٍ…” (المادَّة 42)
“تكفل الدولة حرّية الصحافة…” (المادَّة 43)
“للمواطنين حقّ الاجتماع والتظاهر سلمياً…” (المادَّة 44)
… إلخ. بل إنَّ المادَّة الثامنة في دستور 2012 تقول بأنَّ النظام السياسي للدولة يقوم على “مبدأ التعدُّدية السياسية”!!
إنَّ قراءة ما تقدَّم من بنودٍ لا تفضح نظرة النظام إلى الدستور فحسب، بل تفضح أيضاً مقدار التزوير الذي تقوم عليه فكرة إنشاء “اللجنة الدستورية”.
فإذا كان الدستور الموضوع من قبل النظام نفسه، لا يُحترم في تطبيقه أيُّ باب أو فصل أو مادَّة، باستثناء الجزء المتعلّق بالصلاحيات شبه الإلهية لرأس النظام، فما هي الغاية من التفاوض على دستور جديد ليس لديه أيّ فرصة في الاحترام والتطبيق، في حال اقتنعنا طبعاً أنه سيكون في وسع هذه اللجنة وضع دستور جديد للبلاد حقَّاً؟
هذا التحريف الخطير للمأساة، القائم على تحريف خطير للحلّ، يريد للمذبحة السورية أن تستمرّ، ولكن برعاية أُممية، وتحت سقفٍ “دستوريّ” أيضاً.
زمان الوصل

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خورشيد شوزي في ظل الأوضاع المعقدة التي تشهدها سوريا، يبقى النهج الإقصائي الذي تمارسه سلطات الأمر الواقع أحد العوامل الأساسية في تعميق الأزمات بدلاً من حلها. فالتهميش المستمر ورفض التعددية السياسية يضعف أسس الاستقرار، ويؤدي إلى إعادة إنتاج أخطاء الماضي. أي سلطة تسعى إلى بناء دولة قوية ومستقرة لا بد أن تعتمد على مبدأ الشراكة الوطنية، وتعزز التعددية…

نارين عمر   يبدو أنّه علينا كشعب أن نعيش عمرنا بين تساؤلات واستفسارات موجّهة إلى مختلف قيادات الحركة الكردية والأطراف التي ترى نفسنا أنّها تمثّلنا في سوريا دون أن نتلقى إجابات واضحة منهم تهدّئ من صخب فكرنا وتنعش النّفس ببعض الآمال المحققة لطموحاتنا وحقوقنا. في اتفاق أسموه بالتّاريخي بين “قسد” وحكومة دمشق تمّ طرح عدّة بنود منها: (( دمج قسد…

درويش محما قد تصبح الامور عصية على الفهم في بعض الاحيان، وضبابية غير واضحة، حينها يجد المرء نفسه في حيرة من امره، ازاء سلوك او تصرف معين يقدم عليه شخص ما، والسبب بكل بساطة، يكمن في عدم معرفتنا للهوية الحقيقية للشخص صاحب التصرف والسلوك. اما ماهية الهوية كمفهوم، فهناك اجماع على تعريفه، بمجموعة السمات والخصائص المميزة لفرد ما بعينه،…

إبراهيم اليوسف يقتلع”الزور” الجزرأي القوة مثل كردي لقد بلغ العنف والتدمير مرحلة ما بعد الحداثة، فلم يعد مجرد أداة صراع بل تحول إلى نسق شامل، يعيد تشكيل الواقع وفق منطق القتل والفناء. إذ لم تعد الأسئلة الكبرى عن معنى السلطة والشرعية والوجود تجد مكاناً لها، لأن القاتل لم يعد مضطراً حتى لتسويغ جرائمه. إننا- هنا- أمام زمن…