جميل ابراهيم
منذ فترة ليست بالقصيرة، وعلى مختلف وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، تعالت أصوات، وتتالت كتابات، من عدد من أدعياء الثقافة ومنتحلي صفة السياسي من السوريين العرب، تتناول الشأن الكردي، إن على الصعيد السوري، أو على الصعيد الكردي العام، يتهجم أصحابها فيها على الشعب الكردي وقواه السياسية بعدائية وإساءات لا نظير لها إلا لدى أمثالهم من الشوفينيين الأتراك والعنصريين الفرس، شركاؤهم في معاداة الشعب الكردي، وفي التنكر لوجوده وكيانه القومي الخاص به، وفي التصدي بكل رعونة وشراسة لتطلعاته في التخلص من الظلم والاضطهاد والعيش بحرية وكرامة على أرض آبائه وأجداده، مثله مثل باقي شعوب العالم.
لا يحتاج الأمر إلى تقديم الأدلة والبراهين على حقيقة وجود الشعب الكردي، ولا على حقيقة وجود بلاده كوردستان، فالحقائق والبديهيات لا تحتاج إلى برهان، والتنكر للحقائق ما هو إلا محاولة يائسة لتزوير التاريخ والانقلاب على الحاضر وتغيير المستقبل، فالوقائع على الأرض تشهد على أن مثل تلك المحاولات، مهما بلغت قوتها، وطالت مدتها، كان مآلها على الدوام الفشل والاندحار، ولم يحصد القائمون بها وعليها سوى الخيبة والخذلان وسوء المصير، وهدر ما لا طائل تحته من الامكانات المادية والبشرية وسنين طويلة من مآسي وكوارث الحروب الداخلية بلا جدوى، ولعله من المفيد تذكر أسماء بعض الطغاة الذين حكموا بلداننا، وأوغلوا في دماء شعوبنا سعياً منهم لتغيير الوقائع والحقائق، وبشكل خاص القضاء على الشعب الكردي ومحو وجوده، مثل: كمال أتاتورك وورثته الطورانيين، شاه ايران ومن بعده الخميني وخليفته الأفلج، وصدام حسين ومن سبقوه من الحكام البعثيين في بغداد، ومثلهم في دمشق بما فيهم حافظ الأسد وابنه المعتوه، وغيرهم؛ فماذا جنى هؤلا؟ لقد مضى المقبورون منهم خاليي الوفاض، وبقي الشعب الكردي، وبدون شك سيولي الباقون منهم الأدبار حاصدين الريح.
لكن الأمر الأهم والجوهري هو ماذا قدم هؤلاء لبلدانهم، وماذا حققوا لشعوب بلدانهم من العرب والأتراك والفرس؟ فبالرغم من الثروات والموارد الهائلة لهذه البلدان، فإن شعوبها، وبإيجاز شديد، بقيت من أكثر شعوب العالم تخلفاً وفقراً، وحرماناً من الحقوق والحريات، وغدت أنظمتهم الحاكمة من أسوأ الحكومات وأعتاها وأكثرها فساداً؛ ولا شك في أن السبب الرئيسي والأساسي في ذلك هو حقدهم الأعمى والدفين تجاه الشعب الكردي الذي قسمته الأقدار ووزعته على تلك البلدان، فأعمى بصرهم وبصيرتهم، فغدروا ليس بالشعب الكردي المغدور أساساً، بل بشعوبهم، بأبناء قومياتهم بالذات، وحال شعوبهم، وما آلت إليه من مآسي وويلات، كما أسلفنا القول، يشهد على ذلك.
إن من عنيناهم في البداية أعلاه، هم من نفس طينة أولئك الحكام الطغاة، ورغم أننا نعرفهم بأسمائهم واحداً واحداً، فإننا نربأ بأن نذكرها هنا، فلا يليق ذلك بما نكتبه هنا، ولا بما قد سينشر فيه من صحافة وإعلام، مكان أسمائهم ليست هذه الصفحات النظيفة والنقية، بل أماكن أخرى قميئة مثل ما يتخرصون به من أقاويل وكتابات؛ فقد تشرّب هؤلاء أفكار حكامهم ورموزهم الطغاة والحاقدين، بعضهم، وهم أهونهم، يتحدّث بحقده وتفكيره السطحي والمتخلف، وبعضهم الآخر يتآكله غله في ما يطلع عليه من معلومات وتسريبات تصله من هنا وهناك، تفيد بأن تقدماً وتطوراً ايجابياً يطرأ على قضية الشعب الكردي، وأن دعماً وتأييداً يتزايد في المحافل الدولية حيال قضيته العادلة؛ نحن أيضاً نتلمس ذلك، وخاصة عندما تتعالى تخرصات أمثال هؤلاء الذين هم في غيهم ماضون، وبحقدهم الدفين يلتاعون ويكتوون؛ ولايعلمون، كما لا يتعلمون، أن ما يكتبونه وما يتفوهون به لا ينال من قضية عادلة لشعب مقسم ومضطهد في شيء، يبقى كلامهم، كما تبقى كتاباتهم، في خبر كان، كما تقول العرب وتذروه أقل الرياح شأناً وأضعفها قوة.
وأخيراً وليس آخراً، خير الكلام ما قل ودل .