لماذا قتل ترمب البغدادي الآن

د. محمود عباس
 كما يقول الكاتب عباس عباس، حصل ترمب على أبو بكر البغدادي من أردوغان مقابل شرق الفرات، وبصفقة مشينة، بعدما تأكدت المعلومات التي قدمها الكرد عن تحركاته ومكان تواجده، مثلما حصلت روسيا والسلطة السورية على فلول المعارضة السورية التكفيرية في سري كانيه وقريبا في إدلب؛ مقابل الاحتفاظ بمنطقة سري كانيه وكري سبي دون التعرض حاليا لأدواته المسمون بالجيش الوطني السوري، والتي ساعدهم ترمب في احتلالها؛ كما ذكرها وبكل صفاقة في تصريحه الأخير، والشريط الأمني على طول الحدود بعمق 10 كم، بدون مرتزقته. فتركيا تريد التخلص من الكرد، فهي إشكالية أصبحت معروفة لجميع القوى العالمية. وروسيا والسلطة هدفها القضاء على المعارضة السورية المسلحة بأي طريقة كانت، وأمريكا وخاصة تحت إدارة ترمب لا قيم ولا قيمة للشعوب والحلفاء أمام مصالحها الاقتصادية، والآن مصلحة الرئيس الرئيسة هي الانتخابات القادمة، فلا يعير أهمية لحلفاء الأمس، بقدر ما يهمه موقف بوتين، وإرضاء المنتخب الأمريكي.
  لن نأتي هنا على الشكوك فيما إذا كانت أمريكا والقوى الأخرى المستفيدة من منظمة داعش ووجود البغدادي، قادرة على قتله سابقاً أم لا؟ ولن نأتي على أروقة المنظمة وتنقلات الإرهابي في مساحة أكثر من واضحة لأمريكا وروسيا، ففيها من التشعبات والتي لربما تحتاج إلى كتب بذاتها. سنختصر على أسباب عملية قتل الإرهابي الآن، والتي تحفظت روسيا على نتائجها، ولأسباب غير خافية على المحللين السياسيين، الذين يعلمون أنها أطلعت على الكثير من التفاصيل؛ ومن ثم على النتائج وبدقة، أما دعايتها، أنها لا تملك أية معلومات مؤكدة عن قتل أبو بكر البغدادي، وأن أمريكا لم تشاركها المعلومات، وبلغة نقدية لأمريكا، وتكرارها لهذه الأسطوانة المشروخة ولمرات في اليوم الأول، مطعونة فيها عند المراقبين السياسيين والإعلاميين، وهي للاستهلاك المحلي داخل أمريكا قبل روسيا، وإلا فإنها لما عادت اليوم لتقول، ترمب قدم خدمة كبيرة للعالم بالقضاء على رأس الإرهاب، وقدموه كمنقذ للعالم من الإرهاب! وبالمقابل شكرها ترمب ومنذ اللحظات الأولى ولمرات عدة، إلى درجة أن رئيسة الكونغرس نانسي بيلوسي هاجمته، بلهجة ساخرة، أنه أثنى على روسيا قبل أن يشكر القوة الأمريكية التي نفذت العملية. 
 هذه هي اللعبة والصفقات الدبلوماسية، والغاية هنا هي تبييض صفحة ترمب المطعونة فيها مؤخراً، والتي قد تؤدي إلى سجنه فيما لم خسر في الانتخابات وخرج من الرئاسية، مثله مثل نتنياهو وأردوغان على خلفية الفساد المالي. وروسيا تبدع في هذه العملية، فهي موروثة الإتحاد السوفيتي. فلماذا كل هذا التلاعب؟
  بدأت الانتخابات الأمريكية، وظهرت معها كالعادة الحروب الإعلامية بين الجمهوريين والديمقراطيين، ما بين وصف الذات، وإتهام الأخر، وكلتا الحالتين تحتاج إلى وثائق يعرضونها أمام المنتخب الأمريكي البسيط، المقتنع بالمواد الواضحة والسهلة تلقيها، كالصور أو الحوادث، أو أتهام مباشر، فالخطابات الطويلة تتعبهم، ولا وقت لديهم للحوارات المملة، ولا لقراءة تقارير المحللين السياسيين، والشعب الأمريكي لا يقرأ باستثناء النخبة، والدعاية الانتخابية موجهة جلها لكسب الشريحة التي لا تتبع أحد الحزبين، وترمب يقدم بوجوده الكثير لبوتين، إما بتهميش الإستراتيجية الأمريكية في العالم على منطق المصالح الاقتصادية فوق الهيمنة العسكرية، أو بالتخلي لها عن مناطق تحت منطق التجارة؛ الخسارة والربح في الحضور العسكري الأمريكي أو غيابه.
  جميع الرؤساء في الدول الديمقراطية وليس فقط في أمريكا يبحثون، لكسب الدورة الثانية، عن إنجازات قدموها أو نفذوها في سنوات دورتهم الأولى، فكثيرا ما يؤجلون تنفيذ بعضها إلى مرحلة ما قبل عملية الترشح، أو أثناء الحملة، وذلك عندما كانوا في الرئاسة، فبوش الأب حاول أن يسخر عملية الصحراء لحملته مع ذلك خسر، وكلينتون سخر اتفاقيات البلقان، وضرب أفغانستان والسودان على خلفية الانفجار الأول في المبنى العالمي للتجارة، وبوش الأبن سخر عملية اجتياح العراق وقتل صدام حسين، ومن ثم أبو مصعب الزرقاوي ومن ثم خلفائه، وأوباما سخر قتل أبن لادن، وترمب الذي يحمل خبرة طويلة في هذا المجال، منذ الدعاية لشركته، تجارة العقارات، وأكثرهم تركيزا على ذاته، وإظهار الأنا، وقد كان له برنامج تلفزيوني لهذا المنحى، فقتله للبغدادي تعتبر قفزة كبيرة ومهمة لحملته الانتخابية القادمة.
  كما وأن عملية قتل أبو بكر البغدادي، حملت مهمة أخرى إلى جانب ما ذكرناه، وهي التغطية على المطب الذي هو فيه، ففي بداية هذه المرحلة بالضبط، خاصة وأن الحملة المضادة من الديمقراطيين بلغت مستويات خطيرة، على خلفية مكالمته لرئيس أوكرانيا، والتي أن ثبتت التهمة فهي ترقى إلى سوية الخيانة الوطنية، لذلك فإن قتل البغدادي قد تخفف من عملية تصعيد التهمة، وفعلا بدأت تثمر من الناحيتين؛ إن لم يكن مؤقتا، وقد أضاف ترمب لصفحته الإعلامية عملية تصفية الكرد للمتحدث الرسمي باسم داعش أبو الحسن المهاجر ضمن مدينة جرابلس المسيطرة عليها تركيا ومرتزقته من المعارضة السوري التكفيرية، وبعدها خلفية البغدادي الجديد، ذاكرا في توتيره كدعاية لحملته الانتخابية أن القوات الأمريكية نفذت العمليتين بعد الأولى بيوم. 
  وهنا ظهر بوتين على الخط ثانية، رغم ما لها من حساسية، وقدم خدماته مرة أخرى وبشكل غير مباشر، أحداها ذكرناها سابقاً، وهي التجاهل ودحض مصداقية الخبر في اليوم الأول، بعد الحدث السياسي العسكري السابق قبل أيام، عندما عتم وألغى على اتفاقية نائب ترمب السيد مايك بنس ووزير خارجيته مايك بومبيو، المشينة بالنسبة للأمريكيين مع أردوغان والتي تجاوزت كل ما كان يحلم بها الأخير، إلى درجة أصبحت تنتشر بين الأمريكيين ويتحدث فيها الإعلام المناهض لترمب بين حين وأخر، على أن أمريكا هربت أمام القوات التركية، وخسرت سوريا وقد تخسر كل المنطقة لروسيا، وبدأت تتهدم مصداقية أمريكا عالميا بشكل أوضح بعد التخلي عن حلفيهم الكرد، لذلك أسرع بوتين بوضع اتفاقيته، وفرض شروطه على تركيا مكان اتفاقية أمريكا مع تركيا، ببنود أقل مكسبا لتركيا في المنطقة الأمنة، كما ومن جهة أخرى تغاضى عن قرار ترمب الحفاظ على بعض قواته لحماية حقول النفط في شرق الفرات، وعن تصريحه على أن عائداتها ستكون للكرد والأمريكيين، وعلى أثرها بين ترمب لمنتخبيه على أنه لن يتخلى عن مصالح أمريكا بسهولة، علما أنه ناقض نفسه، من عدة أوجه، الأول أنه وعد الأمريكيين بإعادة الجنود إلى بيتهم، لكنه لم ينفذها، ففي الواقع نقلهم إلى العراق، كما وأرسل في الوقت ذاته قرابة 3000 جندي إلى السعودية، إلى درجة قال أحد أعضاء الكونغرس في هذه التضاربات وتلقفها قناة الـ سي ن ن: أن 2000 جندي أمريكي في المنطقة الكردية كانوا في أمان ويحافظون على الأمان، وخروجهم عرضتهم للخطر، إلى درجة تم قصف محيط أحد معسكراتهم، وخلقت الفوضى والقتل والحروب بين أطراف عدة، وأن الرئيس يتناسى أمام المواطنين أن هناك الألاف من الجنود في المناطق الساخنة، كالقرن الأفريقي وعلى أطراف اليمن، وفي أفغانستان، وغيرها من المناطق، والتي هي أقل أماناً بكثير من المنطقة الكردية في شمال شرقي سوريا، وحياة الجنود في خطر دائم، ولا يتحدث عن إعادتهم، ذاكرا أنه يخدع الشعب الأمريكي بشكل فاضح.
  لم يكتف ترمب بتسخير عملية سحب الجنود، وقتل البغدادي، كدعايات انتخابيه، لإظهار الذات، بل عرض ماضيه الذي لم يتحدث فيه سابقا، ولا حتى في الدعاية الانتخابية السابقة، وقدم نفسه كمنظر سياسي، وحكيم عصره بل وأفضلهم! كما وقال في كلمته حول قتل البغدادي: أنه مؤلف لأثنا عشر كتاب؛ قبل دخوله عالم السياسة، وجميعها حصلت على شهرة واهتمام كبير من القراء، وأنه في أحداها حض الإدارة الأمريكية حتى قبل قضية البرجين العالميين على قتل أسامة بن لادن، أو القبض عليه، وأنه كان ضد حرب العراق، وقد نبه إدارة بوش بعدم التخلي عن نفط العراق، والأن الكل يتقاسمها ما عدى أمريكا، بل وخسرت أمريكا في الشرق الأوسط وحروبها العديد من أبناءها، وقرابة 8 تريليون دولار.
الولايات المتحدة الأمريكية
 mamokurda@gmail.com
28/10/2019م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…