انتخابات الإدارة المحلية بين الشكل والواقع

صوت الأكراد*

تعتبر انتخابات الإدارة المحلية من أرقى مظاهر التعبير والتطبيق الديمقراطي ، وهي تكتسب أهمية قصوى في البلدان الديمقراطية ، قد تتجاوز في أهميتها الانتخابات البرلمانية بكثير ، وذلك لأنها تمس بشكل مباشر حياة المواطنين من حيث تقديم الخدمات العامة للمدينة ، أو من حيث المساعدات الاجتماعية ، أو السعي لتأمين فرص أفضل لحياة المواطنين ، ومن هذا المنطلق يكون الإقبال على انتخابات الإدارة المحلية عالياً والمنافسة شديدة ، وفي العديد من البلدان نجح رؤساء بلديات العواصم في الوصول إلى سدة الحكم- كرسي الرئاسة – كما هو في حال جاك شيراك في فرنسا ، والذي كان رئيساً لبلدية باريس العاصمة ، وكذلك أردوغان الذي كان رئيساً لبلدية استانبول

 

الأمر الذي يؤكد اهتمام المواطنين بمجالس البلديات ومتابعتهم لأعمالهم وإنجازاتهم ، وبشكل أوضح فإن القرارات السياسية العليا التي تصدرها البرلمانات ، وكذلك التشريعات قد لا تلامس بشكل مباشر حياة المواطنين ، أو قد تأخذ ترجمتها على أرض الواقع بعد مدة طويلة .
أما المجالس البلدية فإن كل قراراتها ومشاريعها وتشريعاتها تترجم بشكل مباشر على أرض الواقع والتي يحس بها المواطن ويدركها ويتلمسها بشكل مباشر .
وفي بلدنا سوريا ، جاء قرار تشكيل الإدارة المحلية من خلال وزارة الإدارة المحلية وتفرعاتها من مجالس المحافظات والمدن والبلدات وحتى بعض القرى الكبيرة خطوة متطورة من حيث الشكل على صعيد التحول الديمقراطي ، إلا أنها كغيرها من المؤسسات ذات الطابع الديمقراطي ( كالبرلمان ) قد أفرغت من محتواها تماماً ، ففي بلدان العالم يتمتع رؤساء البلديات بسلطات واسعة في نطاق بلدياتهم ويستمدون شرعيتهم وكذلك وجودهم وديمومتهم من أصوات الناخبين ، لذلك يبذلون جهوداً مضنية لتقديم أفضل الخدمات لبلداتهم ، وذلك لإيمانهم بضرورة تقديم أفضل الخدمات ، وكذلك بغية كسب رضا المواطنين وبالتالي كسب أصواتهم أما التطبيق الفعلي للإدارة المحلية في بلدنا سوريا ومجالس المحافظات والبلديات هي مجرد مؤسسات شكلية وخاصة البلديات وتستمد صلاحياتها وسلطاتها من رضا السلطة المحلية والأمنية وموافقتها ، حيث تأتي القوائم الانتخابية جاهزة ، وهذه كان فيها نوع من القبول لو تم تشكيل القوائم بإرادة حرة بين المرشحين وأحزابهم ، ولكن الذي يجري فإن تشكيل تلك القوائم يتم بموافقة الأجهزة الأمنية وإرادتها ، ويتم التدخل بشكل فظ في سير العمليات الانتخابية لإنجاح تلك القوائم ، الأمر الذي يؤكد إبعاد إرادة الشعب وصوته واختياره في التأثير على العملية الانتخابية ، وبالتالي فإن المجالس المشكلة بعيداً عن إرادة الشعب وإرادة الناخبين ، ولابد أن تخدم الجهات التي منحتها التزكية ووفرت لها سبل النجاح ( السلطات المحلية ) ولا ندري حجم الصلاحيات التي يتمتع بها رؤساء البلديات ، ولكن الذي يمارس على أرض الواقع أن قدرة رؤساء البلديات على تنفيذ تلك الصلاحيات لا يستند على نظامه الداخلي وشكله المؤسساتي ، بل على مدى ارتباطه بمختلف الأجهزة الأمنية ورضاها عنه ، وانطلاقاً من هذه المعطيات ( آلية تشكيل مجالس البلديات وآليات نجاحها وصلاحياتها ) فإن الاهتمام الأساسي لرؤساء البلديات ينصب بشكل أساسي على الاستمرار في كسب رضا أولياء نعمتهم ، ومن هنا فإن الاهتمام بقضايا الشعب وتقديم الخدمات ، والسهر على مصالحهم ورعايتها تعتبر من القضايا الثانوية والشكلية لدى رؤساء البلديات ، بل وتأخذ في معظم الأحيان طابعاً استعراضياً وشعاراتياً كغيره من الحياة العامة السورية ، وإن كل المشاريع والخدمات العامة وطرق وآليات تنفيذها مرهونة بموافقة الجهات المعنية ( البعيدة كل البعد عن اختصاص الإدارة المحلية الأمر الذي يؤكد على مدى شكلية هذه المؤسسات وإفراغها التام من محتواها الديمقراطي وتحويلها إلى مجرد مؤسسة دعائية تابعة للسلطة ، ويتحول رئيس هذه المؤسسة ( البلدية ) إلى مجرد منفذ لأوامر وتعليمات الجهات الأمنية والسلطات المحلية والتي يفترض أن يكون لرؤساء البلديات صلاحيات أوسع من صلاحياتهم .
ومن هنا كان قرار حزبنا ومعه الجبهة الوطنية الديمقراطية الكردية بمقاطعة انتخابات الإدارة المحلية ترشيحاً وتصويتاً لفقدانها مشروعيتها في ظل الآليات التي تتشكل بموجبها تلك البلديات ، وطريقة وأسلوب ممارسة عملها ومهامها.
—-
* الجريدة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ( البارتي )  – العدد 393 /آب 2007


ولقراءة كامل صفحات جريدة (صوت الأكراد) العدد (393) انقرهنا  dengekurd_393

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…