من هي قوات قسد ؟

جمال حمي
بادئ ذي بدء ، وقبل الحديث عن قوات قسد ، لا بد لنا من التوضيح ، بأننا عندما نتحدث عن هذه القوات ، فنحن نتحدث عن القادات الذين يديرون هذه القوات ، ولا نتحدث عن العناصر التي تقاتل في صفوف هذه القوات ، وذلك لسببين جوهريين ، الأول : لأنه جرت العادة لدى الشعوب والدول أنها تحاسب القادة عند خسارة أي حربٍ أو معركة وتضع اللوم عليهم وليس على الجنود ، ومايسري على الجيوش النظامية يسري على الميليشيات أيضًا ، فالقادة هم المسؤولون دومًا ، لأنهم هم من يصدرون الأوامر ويضعون الخطط ، أما العناصر فهي تنفذ الآوامر فقط .
والسبب الثاني : كلنا يعلم أن قوات قسد هي خليط من الكورد والعرب وغيرهم وفيهم المغرر بهم ، إنخدعوا بشعاراتهم فإنخرطوا بين صفوفهم ظنًّا منهم أنهم يدافعون عن أرضهم وعرضهم ، وفيهم أيضًا من كان يعلم بأن هذه القوات هي قوات مرتزقة لايوجد عندها هدف واضح أو مشروع وطني ، فإنخرط بين صفوفها للإرتزاق فقط وبسبب الفقر والعوز وضيق ذات اليد والحال معًا ، وفيهم أيضًا من تم تجنيدهم بالغصب والإكراه ، وبما أننا لا نعلم من الصالح فيهم ومن الطالح ، لذلك إستبعدناهم من النقد كرامةً للدماء والتضحيات التي قدموها .
عندما تشكّلت قوات قسد بدعم وإشراف أمريكي ، كان من الواضح تمامًا أن هذه القوات لاتملك هدفًا واضحًا أو مشروعًا نبيلًا تُقاتل من أجله ، لا على الصعيد الوطني السوري ولا حتى على الصعيد الكوردي وذلك أيضًا لسببين .
الأول : وفيما يخص الصعيد الوطني السوري ، فلايمكن لأي إنسان أن يكون وطنيًا ويريد أن يخدم وطنه بإخلاص ، وفي نفس الوقت يضع نفسه تحت إمرة جيش غريب عن الوطن ، كالجيش الأمريكي وغيره .
السبب الثاني : وفيما يخص الصعيد الكوردي ، أن قوات قسد هي خليط قومي غير متجانس تم تشكيلها من القومية العربية والكوردية وغيرهم ، ولذلك لا يمكن أن تحمل هذه القوات أي مشروع وطني وقومي على الصعيد الكوردي .
تشكّلت قوات قسد على يد أمريكا وذلك لهدف واحد وكان معلنًا آلا وهو محاربة الإرهاب الداعشي فقط ، وقد صرحت أمريكا مرارًا وتكرارًا أنه لايوجد بيننا وبين قوات قسد أي تحالف سياسي إستراتيجي بعيد المدى، بل هو تحالف عسكري مؤقت ومن أجل تحقيق هدف واحد ومعلن آلا وهو القضاء على داعش فقط ، وكانت أمريكا صريحة وواضحة للغاية ومنذ اليوم الأول ولم تخدع أحد .
ومادامت قوات قسد لا تملك أي مشروع وطني أو أهداف نبيلة وواضحة لتقاتل من أجلها ، فلا يمكن إعتبارها إلا قوات مرتزقة ، والمرتزقة لايمكنهم أن يقاتلوا من أجل أهداف وطنية أو إنسانية نبيلة أو من أجل بناء دولة ، وهذا مُثبت تاريخيًا على الصعيد الإنساني .
لكن ومع هذا وذاك ، دفعت أمريكا أموالًا ضخمة وعتادًا وأسلحة متطورة لهذه القوات ، وطالبت حزب الإتحاد الديموقراطي PYD مرارًا وتكرارًا فك كل إرتباطاته مع تنظيم PKK المصنف على لوائح الإرهاب الأمريكية والتركية والأوروبية والخروج من المحور الإيراني والروسي وعدم إمداد النظام السوري بالنفط والغاز لأنها كانت محرجة من حليفها التركي .
ثم قامت أمريكا بوضع ثلاثة قادة من قيادات تنظيم PKK على لائحة الإرهابيين المطلوبين لديها وهم جميل بايك ومراد قرايلان ودوران كالكان وخصصت مكافئة مالية وصلت قيمتها إلى 12 مليون دولار أمريكي لمن يدلي بمعلومات عن آماكن تواجدهم ، وأرسلت رسالة قوية إلى الإدارة الذاتية مفادها ، أن تركيا تتربص بكم وتتوعدكم بالهجوم ليل نهار بسبب تحالفكم مع تنظيم PKK الإرهابي ولا يمكنني الصمود طويلًا تحت الضغط التركي ، والخيار يعود إليكم ، نصحتكم فأنظروا ماذا أنتم فاعلون .
فقامت الإدارة الذاتية في الشمال السوري وبحسب التوصيف الذي أطلقته الإدارة بنفسها على نفسها ، فجمعت الناس وحشدتهم في الشوارع والساحات وهم يحملون صور أوجلان وصور القادة الثلاث المطلوبين على اللائحة التي أعلنت عنها أمريكا وهم جميل بايك ومراد قرايلان ودوران كالكان ، وراح الناس يهتفون بحياتهم أمام مرأى ومسمع من دوريات الجيش الأمريكي وفي تحدٍّ سافر لإرادة أمريكا ، وراحوا يستفزون تركيا أكثر فأكثر ، وراحوا يعقدون الإتفاقيات مع روسيا والنظام السوري في مطار حميميم وغيرها ، وهذا ما أغضب أمريكا ، فعلم الأمريكيون بعدها أنه لا فرق بين تنظيم PYD و تنظيم PKK وكلاهما واحد ولا يمكن الفصل بينهما ، وأنه لافائدة من الإستمرار في دعم قوات قسد التابعة للإدارة الذاتية وصرف الملايين عليها ، لاسيما وأنه تم القضاء على منظمة داعش ، فقررت الإنتقام من هذه القوات وذلك بتسليم رقابهم إلى العدو اللدود لهم تركيا .
فقالت أمريكا لقوات قسد أنها بصدد عقد إتفاق مع تركيا وذلك من أجل التخلص من التهديدات التركية بإجتياح مناطقكم ، والإتفاق يقضي بإقامة منطقة آمنة ، لكن عليكم أن تسلمونا أسلحتكم الثقيلة وأن تردموا الأنفاق وأن تبعدوا قواتكم مسافة خمسة كيلو مترات عند الحدود ، فوافقت قوات قسد ونفذت ما أرادت أمريكا ، وبعدها أعلنت أمريكا سحب قواتها من الحدود ومنحت تركيا الضوء الأخضر بإجتياح مناطقهم ، وراحت الدوريات الأمريكية ترسل الإحداثيات للجيش التركي ورفعت الغطاء الجوي عنهم فأصبحوا مكشوفين وبدون إسناد جوي ، وهذا الذي جرى وبقية القصة تعرفونها ، فقوات قسد هي قوات مرتزقة مكونة من العرب والكورد وغيرهم ، أدت ماعليها من مهام ، وهنالك الآن قرار أمريكي وأوروبي بالتخلص منها ، وبعدها سيأتي الدور على مرتزقة الإئتلاف الذين أنشأتهم تركيا وبالتعاون معها تمهيدًا لتسوية دولية تنهي الصراع في سوريا ، أو ربما سنشهد فصولًا داميةً أخرى ، لكن بلاعبين جدد

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…