الاعتراف بالخطأ رذيلة

إبراهيم محمود
لدى كثيرين، يكون الاعتراف فضيلة، لأنه تبصرة للخطأ، ومحاولة تصحيحه وتجاوزه. سوى أن في أوساطنا في المنطقة، وللكرد القدح المعلّى، من يعتبر الاعتراف بالخطأ نقيصة، وعلى أعلى مستوى . رغم أن عبارة ” أنا، وأعوذ بالله من قولة أنا “، ولهذا، يتجنبون أي تسمية للخطأ من خلال أولي الأمر، في حالات شديدة الخصوصية، إذ يشركون الجميع بالاعتراف، كما لو أن اتخاذ أي قرار حاسم، يُبتُّ فيه ” شعبياً “. والكرد من خلال ممثليهم، لا موقع للخطأ في قاموسهم اليومي: السياسي، الاجتماعي، الثقافي. طبعاً لأن داء المظلومية يتقدمهم، ويتلبس عليهم وفيهم وعيهم ” النسبي “. وهو الذي ينفتح على كل ” العقد ” التي ترينا حقيقة الجاري.
وأن يكون الاعتراف بالخطأ رذيلة، فلأن المسئول السياسي، أو من يعتبَر هكذا، يسعى جاهداً، وفي مواجهة خصمه السياسي، أن يوجّه رفاقه الحزبيين، في المسار الذي يبقيهم فوق كل محاسبة، كل مساءلة للذات، كل مكاشفة لخطأ حاصل، حتى لا يشمت بهم مكايدوهم في أحزاب أخرى. ليجري التنويه إلى الخطأ خارجاً، وهكذا تتناسل الأخطاء وتتفاقم المشاكل .
ولكم تمنيت، ولعلها حسرة مزمنة، أن أسمع من أحد هؤلاء المعنيين الكرد، وهو يواجه الآخرين، أو من على شاشة التلفزيون، أنه أخطأ، وليس أنهم أخطأوا. لأن الذي يوجه دفة ” القيادة ” ويقرّر مصير الشعب، هو أو سواه.
تصوروا، ما يمكن أن تكون عليه فداحة هذه الأخطاء، لحظة النظر فيما كان عليه هذا المسئول الحزبي، ضمن دائرة جغرافية ضيقة، ليجد نفسه، كما هو الحال إبان تفجر الأوضاع في سوريامنذ سنوات ثمان، وقد بات المتحدث باسم شعب كامل، ويجالس هذا المسئول الدولتي أو ذاك، وربما كان المرجع الأهم في ذهنه ” نظامه الحزبي الداخلي “. يا للفضيحة .
الكرد لا يخطئون، طالما أنهم يعتبرون أنفسهم في موقع الصواب دائماً، حتى وإن دُكَّ بالجميع في السجون، حتى وإن أريقت مئات الألوف منهم، بما أنهم يوجهون الأنظار دائماً وأبداً، حتى اللحظة إلى الخارج: إلى خيانة الأعداء، إلى نكثهم بوعودهم، إلى شماتتهم بهم..حسن. أليس في هؤلاء لحظة صحو لينظر في أمر نفسه، ويلمح خطأ واحداً فقط، لعل غيره يتصرف مثله ؟
لا يخطىء الكرد هؤلاء، لأنهم في موقع المظلومية دائماً، حتى وإن لم يبق على صغيرهم وكبيرهم. ولهذا لا يتعلمون لا من التاريخ ولا من الجغرافيا، فتلفظهم الجغرافيا، وينبذهم التاريخ لأنهم لا يستحقون انتساباً إلى الجغرافيا.
وفي سياق الخطأ وأخلاقية الخطأ، وتيمناً بقولة أحدهم: إن تاريخ العلم هو تاريخ أخطائه، أي ما يكتشف من أخطاء، ويسميها ويتجاوزها، هكذا يكون تاريخ الشعوب والأمم. وكون الكرد على خلاف حدّي مع الخطأ جرّاء مظلوميتهم، فهو لا يتقدمون قيد أنملة، لا من أنفسهم، ولا من ركاب الآخرين، حتى أشرّ أعدائهم.
ولو كان للخطأ رصيد اعتباري، وبعد قيمي مضيء، وفي هذا الوقت بالذات، لأبصرت واحداً، واحداً فقط، ممن يعتبر نفسه مسئولياً سياسياًوحزبياً، أن يعترف بخطأ ما، ويتنحى جانباً.
تُرى في رقبة كل مسئول سياسي كردي، كم جناية أخلاقية، قومية، واجتماعية، قائمة ؟!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…