الحاوي في السلاح الكيماوي

إبراهيم محمود
لم يجر صنع السلاح الكيماوي إلا تلبية لرغبة الطرف الصانع في إرغام الآخر: المنتظَر عدواً، أو المعلَن عنه باسمه، على الاستسلام، أو إلحاق الهزيمة به. وضمناً، للتأكيد على مدى غلبة طابع العنف المدمر، وانزياح الأخلاق المزعومة جانباً. وما يشدّد عليه أردوغان في استعماله السلام الكيماوي ضد الناس العزَّل هو إرغام الكرد، ومن يسمّيهم ” بالإرهابيين ” على التركيع، ليثبت أنه جدير بنسبه العثمانلي الأرطغرلي، ونظير تيمورلنكي. لتكون اتفاقية الشؤم الترامبية- الأردوغانية، مثمرة كيماوياً.
في متابعة الجاري كيماوياً، في حربه التدميرية الإبادية ضد الكرد في سري كانيه وأبعد، ينبري الطغيان التركي ما بعد الحداثي في أوجه، ربما لأن ” الميثاق الملّي ” الأتاتوركي يعيش مخاضه المقيت في ذهن أردوغان المتوحم به، وكل من يليه أتاتوركياً- عثمانلياً، ويجد ساعته الآن أكثر من أي وقت مضى.
تركيع كل كردي، صغيراً وكبيراً، والتوقيع إلى الأبد على ورقة الاستسلام لأردوغان هذا !
في السلاح الكيماوي، يمكن قراءة ما لم يقرأ في السّفر العدواني لمن يجد في الكرد الصيد الثمين في رقعة جغرافية، يشكلون عائقاً أمام تحقيق مراميهم إلى الآخر، رغم أن ليس من حدود لهذه المطامع. وكون الكرد جائزة ذات رصيد كبير، لتحويل أنظار المحكومين بقبضات من حديد في ظل الأنظمة المستبدة بالكرد، على أن معركةالمصير هي ضد الكرد، ويعني ذلك دوام استمرار الحرب والعنف، وتبرير أي طريقة في التعنيف، والردع، واعتماد أي سلاح لهذا الغرض في معارك: إما- أو، وهي من حيث الجوهر صورة قائمة، ومركَّبة في نفوس المستهترين بشعوبهم بالذات ورؤوسهم.
حرب/ حروب على الكرد، ضد الكرد، وليس دون الكرد، أكثر من أي عدو آخر. فكل الأعداء الذين عرِفوا قبل الاستعمار وبعده، ينتمون إلى أصقاع أخرى، سوى أن الكرد المعروفين بجذورهم المتينة في تاريخ المنطقة، هم الذين يبقون أكثر من منبّه عصبي في لاشعور رموز هذه الأنظمة السياسي، وخطاباتهم، وخططهم السرّية.
وفي حال أردوغان، فإن الممكن قوله، هو أنه حلقة من حلقات استعمار المنطقة منذ أكثر من خمسمائة عام، وحديثاً، مع أتاتورك. فالذين جاؤوا بعد أتاتورك اقتفوا آثاره وطبّقوا تعاليمه في مساعي استئصال الكرد ” للمفكر التركي الكبير اسماعيل بيشكجي الذي ترجمت أكثر من كتاب له، صدر عن مركز بيشكجي ، جامعة دهوك، الكثير من الكتب التي تعرّي عنصرية ساسة الترك: من النظام في شرق الأناضول، إلى الدولة والكرد “، فتكون القاعدة: كيفية تهدئة الأوضاع، والقاعدة، البقاء على أشد ما يكون من العنف الدموي ضد الكرد ” حتى في حال علمانية أتاتورك، اُعتمدت سياسة إسلاموية لاستقطاب الكرد، كما تقول الأدبيات السياسية المؤرخة لهذه المرحلة، لدى بيشكجي وغيره، فلا يكون أردوغان نشازاً”.
وأن نتابع سريان فعل العنف التركي، بطبعته الأردوغانية، وميليشياته المؤازرة له، أو المناظرة له، في عملية الغزو هذه على روجآفا، ولسري كانيه المثال الأكثر تراجيدية، كما في السلاح الكيماوي أشد الأسلحة فتكاً وتأكيد إرهاب مستخدمه، وربما تعبّر سري كانيه فيما تتعرض له من صنوف العنف المدمر، وكيفية إهلاك أهلها وكل كائناتها، وربما ستشهد تسويتها بالأرض شهادة على مدى حنق ساسة الأتراك، وأردوغان في الواجهة، وهستيريتهم، على كيفية بقاء هذه المدينة ذات الأرواح السبعة مقاومة مداومة على استبسالها واستماتتها .
وفي السلاح عن السلاح الكيماوي، تحضر الدول الصانعة له، والمعبّرة عن مدى انحطاطها الأخلاقي فيما يجري. وفي الواجهة أميركا ترامب وسوى ترامب خارجاً.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…