م . عماد الدين شيخ حسن
إن كان غداً لناظره قريب إلا أنني لم أجد بدّاً من استباق هذا الغد وطرح بعض قناعاتي عبر هذا المنبر بخصوص الإتفاق التركي الأمريكي الأخير بشأن العملية العسكرية التركية، عساها تصل الى ذي شأنٍ وقدرٍ من النفوذ أو حتى الى بسيط مثلي وتُفيده.
أكاد أجزم بأنّ المعلن من الإتفاق الأمريكي التركي ينافي تماماً حقيقة ما جرى خلف الكواليس من نقاشٍ وإتفاق وبالتالي لن يرى النور بالشكل الذي تم التصريح به والاعلان عنه. وإلا فإنّ الاوربيون والروس وسواهم وفي مقدمتهم الأمريكيون في غاية السذاجة والغباء وهذا مستبعدٌ تماماً،
وقد بنيت تلك القناعة على جملة ركائز ومعطيات، سأعرض بعضها وأبرزها:
فموضوع داعش أو الإرهاب عموماً الذي يؤرق العالم ويقضّ مضجعه، وحده كفيل بأن يجعل الوجود التركي في تلك المنطقة محالاً، إذ واهمٌ من يظن بأنّ الغرب غافلٌ عن الدور والدعم التركي اللامحدود للارهاب والارهابيين، وأنهم في الأصل والأساس صنيعةٌ تركيا، بل الجميع مطلعٌ على أدق تلك التفاصيل، وبالتالي فأيّ منطق هذا الذي يقبل بأن يساهموا في تفريخ الإرهاب ودعم صانعه في السيطرة على مناجمه.
ذلك و بإختصار شديد عن داعش ، أما الأمر الآخر فهو :
إن كانت تركيا بواقعها الحالي و بعنجهية أردوغانها وتهديداته باتت تشكّل كابوساً مفزعاً جداً للغرب أجمع، فأيّ منطقٍ هذا الذي يقبل بأن يساهموا في امتداد نفوذه وسلطانه وبالمقابل في تحجيم و تقزيم الكورد ودورهم وكسر شوكتهم وهم الوحيدون الذين اثبتوا بأنهم القادرون على أن يكونوا هم الكابوس و القاهر لأردوغان ومخططاته وارهابييه، أليس هذا كافٍ وحده لأن يدعموا الكورد أو على الأقل يُبقوا عليهم بعيدا عن كل اعتبارات تقدير تضحياتهم والاعتراف بحقوقهم وما الى ذلك، ولست بساهٍ في ذات الوقت في هذا الصدد عن شأن تركيا وعلاقاتها مع الآخرين وبأنه ليس من السهل تجاهل كل ذلك .
هناك جانبٌ وتساؤلٌ آخر يحوم حول الاتفاق ويجعل نتائجه المعلنة في غاية الغرابة واللامعقول وهو:
ما تم الاعلان عنه وما زعموا الاتفاق عليه يعتبر سقف المطالب التركية ومرادها قبل العملية، ورفضها حينها تماماً الامريكيون والكورد في أجواءٍ كانوا فيها ولا سيما ترامب وادارته في وسعٍ وأريحيةٍ تامة وعدم إدراك لحجم ردود الأفعال حينها، فكيف يقبلون بها وهم في هذه الشدة والضيق والحرج والوابل من الاعتراض والمعارضة ضد هذا التدخل وهذه العملية.
الأمر الذي يجعل من المحال ان يلجأ ترامب الى هذا الاتفاق وبهذه الصورة ليقنع الامريكيين و يعيد اعتباره امامهم وهو يعلم بأن الاتفاق لن يجدي نفعاً بل ستزيد نتائجه المستقبلية في اثبات فشله وفي القضاء على مستقبله السياسي ولا سيما بأن الاتفاق سيصبّ في تعاظم دور الروس ومصالحهم بصورة خاصة، وبالتالي لا أظنه إلا وقد جعل من الاتفاق خطوةً وطُعماً لتركيا واردوغان أوقف به عدوانه مبدئياً منتظراً الخطوة أو الخطوات التي تليها والتي من خلالها يعبّر عن نصره على اردوغان وتحسين صورته ودعايته الانتخابية أمام الامريكيين، فما زلت لا استبعد سيناريو صدام والكويت.
وبالنسبة للكورد والادارة، أرى بأن الاتفاق ناسبهم ايضاً لجهة التقاط الانفاس استعدادا للجولة الثانية واعادة الحسابات، ولا سيما أمام الحصار الخانق الذي تعرضوا له ومن كل الجهات، واستغلال الروس والنظام للاوضاع وتكالبهم عليهم، ناهيكم عن التدمير والمعاناة الانسانية واستنزاف القوة والمقاتلين وغيرها من الضغوطات والعوامل. أضف الى ذلك أنه من غير المعقول أن لا تعي قسد حجم التعاطف والدعم والتأييد الدولي والاقليمي والكوردي الكبير جدا معها ومع بطولاتها وانتصارها الساحق كقضية ومعنويات على تركيا واردوغانها، لتأتي نهاية و نتيجةً لتقبل بهكذا اتفاق لا يجلب لها الا الخزي والإفلاس والعار.
هي تعي هذا الأمر جيداً ولكن لديها حساباتها واعتباراتها التي لا أشكّ في حكمتها وصوابها بغض النظر عن بعض مآخذي المتواضعة على السياسة العامة للإدارة الذاتية.
أكتفي بهذا القدر معتذرا عن تطفّلي على كار السياسة و الساسة .