يخسر الكرد، يربح الكرد

إبراهيم محمود
كعادتهم، كعادتهم حتى الآن ، وربما بعد الآن، في ضوء ما كان حتى الآن” وبئس هذه العادة “: يخسر الكرد ما يربحونه لأعدائهم. كعادتهم، يربح الكرد ما يخسرونه لأنفسهم. وخسارتهم لأعدائهم، هي أنهم ينسون أنهم كرد، وأن أعداءهم أعداء. وربحهم هو أنهم يدركون دائماً – أنهم ليسوا كرداً في الواقع العملي. فينزاح الأعداء جانباً، وهم بين بياض عينهم وسوادهم، فيصبحون أعداء بعضهم بعضاً. ليصبحوا رصيداً ائتمانياً محوَّلأ لمن تقاسموهم، لمن يمضون قُدماً في تقسيمهم وتقاسمهم.
يخسر الكرد في معاركهم العملية الكبرى، حيث تُراق دماؤهم حارة ساخنة، دماء كردية، معلَنة هنا وهناك، على جبهات ليست لهم، وعلى جبهات تعنيهم، شهداءً يُسمّون، وهم فرجة العالم. ويستعيدون وعيهم الشقي، لحظة الانتصار في هذه المعارك، لحظة دحر الأعداء الذين يتكلمون إجمالاً بلغة أعدائهم، أو من هم في صفهم، وقد عادوا، أو أصبحوا مهلهلين، مضعضعين، وإن كانوا متباهين بانتصاراتهم. يعودون إلى عتمة الجغرافيا المحروسة من قبل أعدائهم. يكتشفون، وهم يلعقون جراحهم النازفة، كرامتهم النازفة، عمرهم النازف، كيانهم الجغرافي النازف، حواسهم، مشاعرهم، آمالهم، كل ما يمس حضورهم في نزف لا يتوقف. ويكابرون، يتعالون على هزيمتهم، وهم يلوّحون براياتهم، ببطولاتهم، معاتبين العالم، معاتبين أعداءهم: أخوة الدين الواحد، هؤلاء الذين يسمّونهم حتى اللحظة ما دون ” الكفرة “، وهم يحلّلون قتلهم .
يخسر الكرد في حياتهم اليومية، ما يمضي بهم إلى الأمام ” الغد ” لأن ماضيهم يكون قد تحوَّل سلباً، غير مستفيدين من نوائبه، من مفارقاته. فيعطون من أنفسهم ما يمنعهم من التحول كرداً فعليين، لأنهم حتى اللحظة مأخوذون بما كان، غير قادرين على التحرر من وصايا موتاهم الثقيلة، في كيفية فصل المقال فيما بين دين الكرد والآخرين من اتصال، فيما بين كون الكردي كردياً، وما تعنيه الكردية من عميق معنى، والآخر: من تقاسمه، ولايزال ماضياً في تقاسمه، وفي الحيلولة دون بلوغ سن الرشد القومي، والوعي القومي المطلوب، ليتمكن من تحديد اتجاهه الصحيح.
يخسر الكرد أرضهم التي كانت لهم مراراً، وقد ربحوا جرّاءها ميتاتهم، تقسيماتهم، تهجيراتهم، ويلاتهم. يخسر الكرد واقعاً أرضهم التي يقيمون عليها، وهي محرَّرة بأسماء أعدائهم، يخسرونها لأنهم يربحون جهلهم بما هم فيه وما هم عليه، يربحون ما هو حاضر ومتوقع: خيباتهم، انهزامهم أمام أنفسهم .
يخسر الكرد حيواتهم عملياً، لأنهم لم يبلغوا فيها نصاب جمعهم النوعي ليعترَف بهم، ويربح الكرد ما تتمخض عنه حيواتهم من نتائج وخيمة على طول الخط.
يخسر الكرد حياتهم اليومية التي يوجهونها عكس عقارب ساعة الزمن، ساعة الآخرين إذ يتقدمونهم، حتى أكثر المحيطين بهم تخلفاً، لأنهم يراهنون على ربح يبقيهم دون كرديتهم. إذ يمضون لملاقاة الأعداء، وهم دائماً في ملاقاة أعدائهم، بينهم وبين خبزهم اليومي، بينهم وبين صحوهم ونومهم.
يخسر الكرد دماءهم الزكية، إذ يحلفون بدم الشهيد، كما لو أنهم يعدّون أنفسهم لموت تلو موت كي يحيا أعداؤهم على ضحاياهم، على شاهدات قبورهم أو دونها، على إيمانهم المغلظة بدماء الشهيد، والشهيد يأتي عند اللزوم، والكرد حتى اللحظة في وضعية لزوم تبقيهم ربح غيرهم، وخسارتهم في أنفسهم. ألا ما أبعدهم عن أنفسهم!!!!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…