من..؟ متى..؟ كيف..؟ أين…..؟

د. ولات ح محمد 
   
    توقفت الحرب لمدة خمسة أيام، وهذا جيد ورائع. ماذا بعد؟ لا يعلم ذلك إلا من كان في قلب المفاوضات والمساومات والبازارات التي دارت خلال الأيام الماضية وتوجتها اليوم محادثات بنس ـ أردوغان التي جاءت بعد تسعة أيام من العدوان التركي وبضعة أيام من التنديدات العربية والعالمية و”العقوبات” الأمريكية التي لم تكن عقوبات بقدر ما كانت تلويحاً بعقوبات حقيقية قادمة لو أن أردوغان ظل راكباً رأسه ماضياً في عدوانه غارقاً في دماء الناس. خمسة أيام لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه. 
    من المنتصر؟ من المهزوم؟ ربما هذا ليس مهماً لكثيرين، خصوصاً في ظل الغموض الذي يلف كل شيء، كل القرارات كل الاتفاقات كل المساومات: من..؟ أين..؟ متى..؟ كيف..؟ لماذا..؟ ماذا..؟  كل هذه الأسئلة بلا أجوبة على الأقل حتى الآن. والمهم أن الحرب توقفت وعاد الأمان ولو مؤقتاً. لو سألت امرأة قطعت مئات الكيلومترات لتصل منهكة القوى إلى إقليم كوردستان لتؤمن على نفسها وأطفالها وتقيهم شر الرصاص ورعب أصوات الطائرات والمدافع وتوفر لهم فقط مكاناً آمناً للنوم لربما أجابت: هذا ليس مهماً. ولو سألت طفلاً فقد والده أو والديه أو إخوته من المنتصر؟ لربما امتنع عن الجواب واكتفى بالنظر في عينيك.  
    أن تفرح لأنك سترتاح ولو مؤقتاً من رعب القصف وهدير الطائرات واحتمال اقتحام عصابات لمنزلك والاعتداء عليك ونهب ما جمعته كل حياتك فهذا أمر طبيعي. أن تتفاءل بعد اليوم بغد أفضل وأكثر أماناً بعد نهاية هذه خمسة الأيام فهذا حقك، إذ لا حياة بلا أمل وتفاؤل. ولكن بالتأكيد سيكون تفاؤلاً حذراً مترقباً حتى يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود. أن تتفاءل بالخير وتتمنى من قادم الأيام ألا تجلب لك معها سوى الأمان والسلام وألا تطلب شيئاً آخر فهذا حقك أيضاً.
    ولكن أن تطلق الرصاص تعبيراً عن فرحٍ لا تعرفه بعد، وتحتفل بشمسٍ لم تشرق بعد..؟!، أن تفرح وأنت تعلم أكثر من غيرك ـ لأنك على الأرض ـ كم عائلة في لحظة ابتهاجك تبحث عن مكان تنام فيه، وعن جدران دافئة تحتمي بها؟!. أن تحتفل وأنت تعلم أكثر من غيرك ـ وأنت حامل للسلاح ـ كم بطلاً مقاتلاً استشهد في مواجهة العدوان مازالت دماؤه الزكية طرية على الأرض، كم طفلاً تيتم وكم امرأة ترملت ربما يسمعون أصوات طلقاتك المبتهجة؟!. أنت تعلم أكثر من غيرك كم يكون صوت الرصاص مؤلماً في مثل هذه الأيام، إذ لا يحمل سوى معنى الخوف والقتل، فهلّا تضامنت مع الهدنة وأرحت الناس من أصوات رشاشك لخمسة أيام فقط؟
    ألهذه الدرجة اختلطت لدينا الأشياء واللحظات ولم نعد نميز بين الأبيض والأسود والحزن والفرح والتفاؤل؟ ألهذه الدرجة باتت حياتنا تسير بهذه الارتجالية والتسطيحية؟ ألهذه الدرجة لم يعد أحدنا قادراً على أن يفرح في داخله لأي سبب كان ويقدّر في الوقت نفسه حزن جاره وصديقه ورفيقه لأي سبب كان؟ ألهذه الدرجة أصابنا عمى الألوان؟، هلّا فرحت في داخلك وأجلت الاحتفال بالرصاص قليلاً حتى يتبين لك الأمر فتعرف لماذا تحتفل؟!. 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس هل نستطيع أن نقول أن الفيدرالية لغرب كوردستان والنظام اللامركزي في سوريا باتا أقرب إلى السراب؟ ليس فقط بسبب رفض الدول الإقليمية لها خشية من تحولات كبرى قد تعيد تشكيل المنطقة، ولا لأن الفصائل الإسلامية المتطرفة مثل هيئة تحرير الشام وحلفائها لديهم من القوة ما يكفي لفرض مشروعهم الإقصائي، بل لأن الكورد أنفسهم، وهم القوة…

إبراهيم كابان لطالما شكّل الواقع الكردي في سوريا ملفًا معقدًا تتداخل فيه العوامل الداخلية والإقليمية والدولية، حيث تسعى الأحزاب الكردية إلى تحقيق مطالبها ضمن إطار وطني، لكنها تواجه تحديات داخلية مرتبطة بالخلافات السياسية، وخارجية متصلة بالمواقف الإقليمية والدولية تجاه القضية الكردية. فهل تستطيع الأحزاب الكردية في سوريا توحيد موقفها ضمن إطار تفاوضي واحد عند التوجه إلى دمشق؟ وما هي العوامل…

اكرم حسين لاشك أن استبعاد ممثلي الشعب الكردي من أي حوار أو مؤتمر وطني سوري ليس مجرد هفوة أو إهمال عابر، بل سياسة مقصودة تُجسّد رفضاً مُضمراً للاعتراف بحقوق شعبٍ عريقٍ ساهمَ في تشكيل تاريخ سوريا وثقافتها. فالكرد، الذين يُشكّلون أحد أقدم المكونات الاجتماعية في المنطقة ، عانوا لعقود من سياسة التهميش المنظم ، بدءاً من حرمان الالاف من الجنسية…

ملف «ولاتي مه» حول مستقبل الكورد في سوريا، يُعتبر أحد الملفات الهامة التي تُناقش مستقبل الكورد في سوريا في ظل التغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة عامة وسوريا بشكل خاص. يركز هذا الملف على تحليل الأوضاع الراهنة والتحديات التي يواجهها الكورد، بالإضافة إلى استعراض السيناريوهات المحتملة لمستقبلهم في ظل الصراعات الإقليمية والدولية. يسلط الملف الضوء على أهمية الوحدة والتعاون بين مختلف…