السهل صديق الكرد

إبراهيم اليوسف

 
لطالما درجت مقولة مفادها: لا أصدقاء للكرد سوى الجبال، وهو ما ردده الكرد، وأصدقاؤهم، طويلاً، وتم اتخاذه عنواناً لأكثر من كتاب أو مقال وازن، أحد الكتب بهذا العنوان هو لمؤلفيه هارفي موريس وجون بلوج وترجمة الصديق راج آل محمد، وثانيها بعنوان مقارب لهذا العنوان هو: ليس لنا من أصدقاء غير الجبال، وبعنوان فرعي: ريبورتاج من كردستان (كتبوا  عن كوردستان) وهو لكاتب وصحفي سويدي راحل اسمه Wallström Tord كتبه ونشره في ١٩٧٥:، وقد ترجمه الصديق سلام نعمان عن السويدية، وطبع في كردستان في أواخر تسعينيات القرن الماضي، على ما أذكر، كما تم الحديث مطولاً عن العلاقة التاريخية بين الكردي وجبله، سلاح الكبير الذي يلوذ به، يسند ظهره كفيالق وألوية من عدة وعتاد وأعداد مقاتلين، يعرف الدروب الوعرة لهذه الجبال، وممراتها، بعكس عدوه الذي سرعان ما يُصطاد وتلحق به الهزيمة إثر الهزيمة، على يديه،
 ولقد سمعنا في طفولاتنا قصصاً وحكايات كثيرة عن الملاحم التي صنعها البيشمركة في جبال كردستان، بعد أن أعلنوا ثورتهم من أجل حقهم المقدس، لنتابع قصصاً  وحكايات أخرى عن المقاتلين الكرد – الغريللا- في جبال كردستان الشمالية، وهم يواجهون أعداءهم، وهكذا بالنسبة إلى كردستان إيران.
الجزء الكردستاني الملحق بسوريا، وحده، كان من دون جبال على امتداد وجوده- ما خلا جبال عفرين التي تبعد عن : كوباني والجزيرة- ما جعل كردي الأجزاء الأخرى ينظر بعين العطف إلى نظيره كرديِّ سوريا: لا جبال لكم لكي تثوروا ضد نظام بلدكم!، ولعل  خلو مناطق الكرد من الجبال كان مدعاة مرافعة كرديِّ سوريا: نحن لانحمل السلاح في وجه النظام الدكتاتوري الذي جردنا من حقوقنا، لأن جغرافيا مكاننا لا تسمح بذلك، ما جعل الحنين إلى الجبل من قبل الشباب الكردي، وإلى  سنوات طويلة، يتأجج، ويسهل إقناعه، وتحت حماس الروح النضالية لتحرير كردستان الكبرى، أن يلتحق آلاف الشباب الكردي، بهذا الجزء  الكردستاني، ويغدو الجبل ممر هؤلاء: إلى كردستان أو الخلود!
عندما أعد المجرم أردوغان جيشه ومرتزقته، وبما أمكن من الأسلحة ما بعد الحداثية، ليحتل عفرين، فقد جرب هو ومرتزقته كل أنواع الأسلحة المتطورة التي دمر وأحرق خلالها الزرع، والضرع، والكثير من معالم هذا الجبل، ومواقعه الأثرية، وقبل كل شيء: أشجار زيتونه. السبيل الأول  لحياة هؤلاء، والعلامة الفارقة لمكانهم، بالإضافة إلى طيبتهم، وبساطتهم، وبسالتهم، فاستغرقت حملة هولاكو تركيا حوالي الشهرين، ليقاوم أبطال عفرين، ومن تداعوا من الشباب الكردي للذود عنها، على نحو ملحمي، وكان الاحتلال سيندحر لولا لجوء تركيا إلى الطيران، والأسلحة المحرمة دولياً، وتواطؤ العالم، بل وقوف القوى العظمى ضد الكردي، في صفقة معروفة، كان أطرافها كثيرون!
 
في السنوات الماضية، اخترع العقل الغربي طائرة من دون طيار، بعد أن فشلت الطائرة المقاتلة التقليدية في مواجهة المناطق الوعرة، الجبلية، وسرعان ما قدم بعض هذه الدول، وسواها، طائرات من هذا النوع لتركيا. أجل لتركيا، ذات الخريطة الخلائطية من جغرافيات الآخرين، وأجناسهم، ومللهم، للبطش بالمقاتل الكردي. للإجهاز عليه، من دون قتاله، لاسيما بعد أن تطورت هذه الطائرات وصارت تلتقط ذبذبات حركة دماء المقاتلين في عروقهم، أو دبيب خطواتهم، أو نبضات قلوبهم، وهم في الكهوف، أو الأمكنة المموهة التي ماكانت تنكشف، وقد استخدم ذلك ضمن إطار الحرب اللامتكافئة في مواجهة الكردي، ما جعل الجبل، يفقد بعض هيبته، وإن كان المقاتل الكردي سيحتال على التكنولوجيا، و مخترعها، ومستخدمها، من خلال إرادته. جلده، وهوما عرف به، ويعرف به، الآن، وهو يواجه أعداءه المتعددين: دولاً متواطئة. أنظمة متواطئة، بعض مواطني بلده المتواطئين، عدواً وطيئاً، قائد حملة احتلالية وطيئاً!
قبل بدء حرب المجرم أردوغان الجديدة على كرد سوريا، بدعوى العداء لطرف كردي، فحسب،  ظن المراقبون أنه لا يمكن للمناطق الكردية، أو للقوة المدافعة عنها أن تصمد أكثر من يوم واحد، قبل أن يتم استسلام  هذه المناطق مدينة مدينة، إلا أن العالم كله تفاجأ، بأن هناك مقاومة باسلة تتم في أحد هذه العناوين، وهو: سري كانيي/ رأس  العين- على سبيل المثال- كما سواه، وإن كان السفاح أردوغان سيأمر باستخدام الطائرات لقصف المكان، وهكذا بالنسبة للأسلحة المحرَّمة”دولياً”، كما تردد ذلك، مستعيناً بفلول المرتزقة الذين يسميهم أحد تلفزيونات تركيا” ضحايا”، بعكس التسمية الكاذبة: الشهداء التي يطلقها، أو يطلقونها على من يهاجم أرض سواه، ويدمر بيته، ويعتدي حتى على كرامته، ويقتل أطفاله، وشيوخه، ونساءه، كما شبابه!
 
السهل امتحان البطولة الأعظم. السهل مرآة الشجاعة. السهل معيار البطولة. السهل صديق الكردي، لأنه الباسل في مواجهة عدوه، قال لي صديق له أقرباء أبطال يقاتلون على خطوط النار الأولى: لو أن العالم فرض الحظر الجوي- وحده- فكان بمقدور قواتنا أن تقول للعالم كله: لن نهابكم، لكن المراقب الدولي. رعاة العالم. قادة العالم ليسوا سوى مجرد مهرجين، عهرة، ما داموا يتابعون هذه الحرب اللامتكافئة، من دون أن يقفوا مع الضحية ضد المعتدي، المتجبر، المنافق، الكذاب، مكافأة، لأبطال هزموا أقذر حثالات إجرامية في العالم، ولصالح أشباههم، من الحثالات، سواء من كانوا أتراكاً، مأمورين، أو متطوعين، أو حفنة سوريين- عديمي قيم ومبادئ ووطنية وكرامة، لأنهم قبلوا أن يكونوا مجرد أدوات في يدي محتل لأرض بلدهم. محتل يريد احتلال أرض أخرى، ويتدخل في شأن بلد مجاور بدعوى : حماية الامن القومي التركي، وكأن هذا الشعار كاف لأن يطبق على حساب ليس أمن قومي لبشر، بل على  حساب وجود بشر، ومكان..!
السهل- أيضاً- صديق الكردي، أليس، كذلك، أيها المقاتل السوري/ الكردي البطل، في مواجهة قوى الاحتلال البغيض، المجرم، كما راسمه، والداعي إليه..!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين تمر سوريا بظروف سياسية واقتصادية واجتماعية مُعقّدة ، يجد الإنسان السوري نفسه في ظلِّها أمام تحدّي التوفيق بين هوياته المتعدّدة. فهو من جهة ينتمي إلى الوطن السوري، وهو الانتماء الجامع الذي يحمل الهوية وجواز السفر والشهادة ، ومن جهة أخرى، يرتبط بانتماءات فرعية عميقة الجذور، كالقومية أو العرق أو الدين أو الطائفة. ويخلق هذا التنوّع حالة من…

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…