لا يجوز الفصل الميكانيكي بين السياسي والمثقف

سردار بدرخان*
 
  مؤخراً، قرأت مقالة باللغة العربية للأخ الأستاذ برزو محمود بعنوان (ملاحظات أولية حول السياسي والمثقف)، منشوراً في عدد من المواقع الإلكترونية، تحمل في طياتها بعض النقاط التي تحتاج إلى مزيد من التوضيح، من خلال مناقشتها بهدوء وأعصاب باردة، بعيداً عن الانفعالية والارتجالية والقدح والتجريح.

أولاً:
ورد في بداية المقالة:
(في الحقيقة أن تناول موضوع العلاقة بين السياسي والمثقف ليس بالأمر الجديد، إلا أنه يأخذ أشكال مختلفة ومتعددة حسب التجربة الخاصة لكل مجتمع في جغرافية و سياسة معينة، وما أريد الكتابة فيه هو موضوع العلاقة بين السياسي الكردي والمثقف الكردي في سوريا على وجه التحديد)
   هنا، يبدو واضحاً وجلياً أن الأستاذ برزو محمود يقوم بفصل ميكانيكي بين مفردتي السياسي والمثقف، وكأنه لا يجوز أن يكون السياسي مثقفاً، أو أن يكون المثقف سياسياً، وهما حسب رأيه، كائنان منفصلان عن بعضهما، قائمان بذاتهما، لكل منهما خواصه ومواصفاته وساحته، وبالتالي، لا يمكن الجمع بينهما.
    إنني أعتقد بخطأ هذا الفرز، وأرى بأنه يمكن للسياسي، بل يجب أن يكون مثقفاً أيضاً، مطلعاً على تاريخ ولغة وتراث شعبه أولاً، وعلى تاريخ وآداب وثقافات وتجارب الشعوب ثانياً, ليستطيع الاستفادة منها في خضم نضاله السياسي.

وإلا، كيف لجاهل عديم المعرفة أن يقود نضال شعب نحو أهدافه في الحرية والمساواة؟!
   هذا من جهة، من جهة أخرى لا أعتقد من الخطأ أن ينخرط المثقف الكردي في صفوف حركته الوطنية كي يزيدها علماً ومعرفة وتنويراً، وليتحمل مسؤوليته التاريخية للمساهمة بإزاحة كابوس الظلم عن صدر شعبه، ترى، أين يكمن وجه الخطأ في هذا النضال الوطني المشرف؟!.

إنني أعلم بأن واقع الحال لحركتنا الوطنية الكردية في سوريا واقع مؤلم ومحزن، ويحزّ في النفس…هذا صحيح، وذلك لكثرة عدد الأحزاب الموجودة على الساحة الوطنية، وانشغالها بصراعات هامشية أحياناً لا تخدم مصلحتنا الوطنية البتة، إلى آخر ما هنالك من نقاط ضعف وسلبية تفضلتم أنتم بذكرها، ولكن، ألا تعتقد معي بأنه يجب أن تكون الحركة السياسية الكردية ملكاً لجميع أبناء الشعب وليس لفئة معينة دون أخرى لها الحق في احتكارها، وأنه ينبغي أن نساهم جميعاً في رسم سياساتها وتحديد أهدافها، وأن عدم رفد هذه الحركة بمزيد من العقول الناضجة ثقافياً وسياسياً يزيد من تراكم هذه الأخطاء والسلبيات ويمعن بازدياد واقعنا تأزماً وحركتنا انشطاراً و علاقاتها توتراً؟!!.

ثم, ألا نتذكر أن الذين قاموا بنشر الوعي والثقافة القومية بين أبناء شعبنا الكردي في عموم أرجاء كردستان، وتحمّلوا أعباء ومسؤولية تأسيس أحزاب سياسية وقادوا الانتفاضات والثورات الكردية، كانوا من مثقفي عصرهم.

ألم يكن المرحوم قاضي محمد، شيخ سعيد بيران، مصطفى البارزاني، الدكتور نورالدين زازا، الدكتور نوري ديرسمي، الدكتور فؤاد، الدكتور قاسملو، الدكتور شرفكندي… وغيرهم من الذين دفعوا حياتهم ثمناً لهذه القضية النبيلة من كبار مثقفي تلك المرحلة من الزمن؟!!.
ثانياً:
   صنف الأستاذ برزو محمود المثقفين في نموذجين اثنين، أولهما، تهمه مصلحة قضية شعبه، أما الصنف الثاني، فهو يلهث وراء إظهار وتلميع اسمه ومكاسبه الشخصية، حيث جاء:
(النموذج الأول: المثقف الذي يهمه مصلحة قضيته، المثقف الذي يقدم نفسه كإنسان يحمل رسالة، يسخر معظم أوقاته في سبيل تطوير جانب من جوانب المجتمع الكردي سواء في المستوى العلمي أو المعرفي أو الأدبي أو اللغوي أو أي جانب إبداعي في الحياة الكردية، ويقف على بعد واحد من كل الأحزاب الكردية، بصرف النظر عن بعض العلاقات الشخصية والعائلية بينه وبين أفراد من هذا الحزب أو ذاك، لذا، فإن موقف المثقف من هذه المسألة أو تلك ينبغي أن ينبع من زاوية واحدة هي زاوية المصلحة الكردية، سواء اتفق ذلك مع موقف هذا الحزب أو لم يتفق، فالمسألة لا تحتمل المسايرة أوالمجاملة.)
   إنني أرى أن هذه الحركة تعنيني-تماماً كما تعني قادتها- ، لأن مصير شعبي مرهون بصحة أو خطأ قراراتها، ألا يحقّ لي أن أبدي ملاحظاتي وتحفظاتي حيال موقف هذا الحزب أو ذاك؟ أم أنني سأساوي بين الخطأ والصواب وأكتفي بالوقوف على نفس المسافة بين جميع الأحزاب، ألا يحق لي أن أصرخ بملء صوتي وأقول لحزب من الأحزاب: يا إخوتي، مع تقديري واحترامي لنضالاتكم، إلا أن موقفكم الفلاني لا يتفق مع مصلحة شعبنا، ينبغي تصحيحه؟ فإن لم ترتفع مثل هذه الأصوات من هنا وهناك، فكيف لتلك القيادات أن تعرف بأنها مخطئة أو مصيبة في قراراتها ومواقفها؟!.

أما أن نقف على مسافة واحدة من جميع الأحزاب، وبنفس الوقت نبتعد عن المسايرة والمجاملة، فأعتقد بأن هذا الأمر يحمل في طياته تناقضاً واضحاً.


   يجب أن نختلف في الرؤى والمواقف، يجب أن نمارس النقد الهادف إلى التصحيح، يجب ألا يشطب أحدنا على الآخر في إطار الاحترام والنقاش البناء المهذب الذي يفضي إلى نتيجة نستفيد منها جميعاً، وعلينا ممارسته دون خشية أو خجل من أحد، فهذا حق طبيعي للجميع.
ثالثاً
   يمضي الأستاذ برزو في مقالته قائلاً:
( ومن الملاحظ أن الكثير من قيادات الحركة الكردية في سوريا بكل فصائلها تعاني من الترهل الذهني الذي بات سمة لا تنفصل عنه، بل تلازمه في كل مكان.

وكل صوت معارض أو صوت ناقد يظهر في الهيئات الحزبية يتم إسكاته إما بالتلويح بعصا التجميد أو الفصل أو الطرد، وذلك عن طريق “عملاء” القيادة الموجودين في كل الهيئات الحزبية).
   هنا، لا أود التعليق كثيراً على كلام الأستاذ سوى أن أقول، بأنه يبالغ في رسم صورة سوداوية سلبية متشائمة عن قيادة هذه الحركة، رغم موافقتي على وجود أخطاء في تركيبتها، وملاحظات على مواقفها وتحليلاتها، هذه الملاحظات التي قد تكون صحيحة أو قد تكون مخطئة، ولكن، إذا كان حال ذهن القيادة الكردية على هذا المستوى من الترهل والعدم، فكيف كان لها طيلة أكثر من خمسة عقود أن تقوم بإصدار صحف ومجلات  واتخاذ مواقف سياسية من هذا الحدث أو ذاك، تحظى بعضها بإعجاب واحترام شعبنا وأطراف في الحركة الوطنية السورية؟!.


   أعتقد بوجود أخطاء، وهذه الأخطاء تستوجب التوقف عندها لتصحيحها، أما النظر إليها بهذه النظرة السلبية واتهامها بالعدوانية تجاه رفاق الدرب، فأعتقد بأنه أمر مبالغٌ فيه إلى حد ما.
   بالختام، وليس دفاعاً عن أخطاء وسلبيات الحركة الكردية، بل لتكريس الإيجابيات في مسيرتها ومواقفها، هذه الحركة بما لها وما عليها، فهي اليوم وفي ظل عدم وجود مناخ ديمقراطي لانتخاب ممثلين حقيقيين لشعبنا الكردي بحرية تمثل إرادته الحقيقة، الممثلَ الشرعي لشعبنا، كما نعلم أن مسيرتها حافلة بالأخطاء والعثرات التي علينا جميعاً أن نتعاون في إزالتها لتسير في الطريق الصحيح، ولا أعتقد بأن ذلك سيحصل ما لم تتضافر كل الجهود المخلصة للمثقفين وغيرهم وتتحد في سبيل تقديم المصلحة الوطنية والقومية على المصالح الآنية، ولجم الأنانية الحزبية الفتاكة التي يدفع شعبنا اليوم ضريبتها غالياً.

وكلي أمل ألا يعتبر هذا رداً شخصياً على الأستاذ برزو محمود بقدر ما تعتبر وجهة نظر قد تحمل بعضاً من الحقيقة والفائدة.

مع الشكر والتقدير.
———————–
* كاتب كردي من سوريا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…