إبراهيم محمود
البارحة مساء، أعني مساء يوم الأحد 13-10/ 2019 ” تجمعت حشود بشرية في ساحة ” السبع بحرات ” قامشلي، بشرون يتحدثون بالعربية، وأصوات تلعلع في محيط السبع بحرات، حيث يكون المربّع الأمني. دوّار السبع بحرات الذي يسبب الدَّوار لمن يمعن النظر في أساس هذه الحشود/ التجمهرات، بأصواتها العالية: تسقط ” هسد/ قسد العملية “. تلك هي خلاصة المرئي والمسموع، خلاصة كرد ضحوا بالآلاف من شبابهم وشاباتهم ، ليرسَموا في النهاية عملاءً !
البارحة مساء، ما كان يجري لم يكن لعبة، إنما حقيقة لا يُشك فيها، حقيقة ما يكون عليه الكرد، إذ يدافعون عمن يُسمونهم أعداءهم، وهم يصدّون أعداء أعدائهم، وفي المحصلة يلتقي الأعداء- الأعداء، ليبقى العدو التاريخي الوحيد الأوحد محط أنظار هؤلاء الأعداء بالجملة: الكرد.
يضاء مساء ” أعداء ” الكرد، ليستعد الكرد لأكثر من ليل طويل يجرف نهارهم القصير والمنغّص دائماً، ويفرح الكرد الذين لم يعد يطيقون كردهم، وهم في المعتبَرة حربهم ضد أعداء أعدائهم، يفرحون ليس لأنهم كغيرهم في تعابيرهم عن الفرح، وهتافاتهم في الطرف الأبعد من السبع بحرات ذات الصيت، يخرجون إلى الساحات، ويظهرون في الطرقات، ويُسمِعون ملأ الأرض من حولهم، أنهم سعداء لأن الحرب ستنتهي، وإنما لأنهم من تعبهم المضني تعِبوا، ومن مرارة ما كان يجري فيهم، عليهم، كردياً، ما عادوا قادرين على التنفس، على النوم لبعض الوقت دونما كوابيس، وعلى تناول طعامهم في هدوء، وقد فعت مرارتهم، وهم على دراية تامة، أن ما انتهوا إليه، إنما حكاية كردية شكَّلوا أساسها، جناتها، ضحاياها.
” تسقط هسد/ قسد العميلة “عبارة ترددت أصداؤها إلى ما وراء الحدود، سمعها أعداء الكرد في الطرف الآخر من الحدود، ارتاحوا لها، علِم بها أعداؤهم ممن هم أبعد من الحدود، تنفسوا الصعداء على وقعها. ألا ما أفظع مرارة العبارة وهي في المحتوى تسمي الكرد، وكيف يُدفَع بهم إلى ” دَوار ” لعبة، يفرحون بها، ويدفعون الغالي دائماً، وليس من رخيص: دماء آلاف مؤلفة من خيرة شبابهم شاباتهم على حدود لم تكن يوماً لهم، على حدود يضفون عليها تعابير ينسبونها إليهم، ممن يعرّفون بأنفسهم كرداً، ناسين أنهم، حتى لحظة كتابة هذه الكلمة، وبالطريقة التي يعرّفون فيها بأنفسهم، أنهم كما تصفهم العبارة السبع- بحراتية عملاء. أنهم على حدود ليست لهم، لأنهم ينسون حدودهم، وواجباتهم تجاه حدودهم، ينسون، أو يتناسون أنهم دونما حدود، أنهم ينتهون نهاية مريعة على حدود ليست لهم، أنهم غفل من الاسم على حدود تتكلم كرديتها وهي لا تعود لهم، أنهم ملقىً بهم على حدود الآخرين، على قارعة عبارة مدوية، وأنهم دون الآخرين فيما يفعلون، وفيما يقتَلون، وفيما يظهرون به، وفيما يفعَل بهم، وفيما يعلنونها لأنفسهم، ولكردهم أنهم أهلٌ لما يقولون في إدارة الحدود. أنهم خلاصة العبارة المفجعة وما سيأتي لاحقاً، ولم يعد من حاجة إلى المزيد من الكلام !