إبراهيم محمود
ما أعلم به هو أن عمري هو عمر زرع حدود روجآفا بالألغام من قبل تركيا، في خمسينيات القرن العشرين. فأنا كائن حدودي، ومقسَّم ككردي حدودياً، وأحمل كغيري من الحدوديين ذاكرة متخمة بفظائع حدودية. ما أعلم به وأعلمه جيداً هو أن الحكومات السورية وحتى اللحظة، لم تطلق رصاصة واحدة صوب الأراضي التركية، والأرض ” السورية ” تنتهَك، حتى عمقها من قبل الجيش التركي وعناصر استخباراته.
ويظهر أن تركيا كنظام عنصري، فاشي بغيض، مذهولة حين ترى بأم عينها أن هناك من يرد عليها، من لا يكتفي بتعرية أخلاقيتها الفاشية، إنما يرد عليها، وينال من عسكرها وآلتها، كما يجري اليوم عدوانياً. نعم. للمرة الأولى هناك من يرد على العدوان التركي، ويوقع فيه الخسائر المذلة لتركيا النظام.
عمري يحمل دمغات الحدود المزروعة بالألغام، إنها وشوم القهر التركي، والعنجهية التركية، والتعدي المستمر لرجل النظام التركي، وذاكرتي ملأى بصور كردنا ممن انتهوا حدودياً، وعُذّبو حدودياً، وماتوا قهراً حدودياً، وعاشوا آلاماً وأوجاعاً حدودية. نعم، أنا إنسان حدودي، وقامشلو تشهد بذلك، وبيني وبين نصيبين مسافة ذراع، وأرى في نصيبين ظلال أهلنا الكرد، أقاربي، كردنا، وأبعد منهم، أسمع أصواتهم الكردية، حيث لا تعود الحدود إلا شهادة دامغة على طغيان النظام التركي. ولدي من المستمسكات ما يبقي تاريخ هذا النظام في وحل آثامه وجرائمه ..
وهذه سابقة في تاريخ تركيا ” المعاصر ” هذه سابقة للنظام السوري نفسه، حين يترَك الكرد في مواجهة مصيرهم المروّع، ويغض الطرف عما يجري من عدوان على ” أراضيه ” وبحجج واهية، ليثبت منطقياً ألا صلة له بهذه الأرض التي تعيش عدواناً تركياً وشراذمة من العمق ” السوري ” .
هي المرة الأولى التي يقاوم الكرد آلة الحرب التركية الكبرى وعسكرها الفاشي، ونظام أردوغان الفاشي، سابقة لا أظن أنها ستمر مرور الكرام، وفي وضح النهار يسقط عسكرها، يتمرغ وجه تركيا في وحل الخزي والعار، حين تتهاوى الدولة: النظام التركي الفاشي من عليائها المزيفة، وهي تقاوَم. وللمقاومة الآن صفة واحدة في الغالب الأعم: الكردية .
ولأن غالب تركيا تخوض هذه الحرب العدوانية مع شراذمتها، فعلى الكرد، أن يعيشوا هذه اللحظة التاريخية، أن يثبتوا أنهم كرد، وليسوا أكراداً.
أن يثبتوا من خلال مقاومتهم الفعلية، حيث يتفرج النظام السوري، وحيث تتفرج القوى الكبرى القائمة على إنسانية مزيفة، أنهم لا يدافعون عن أي نظام، وقد تخلى عنهم، وإنما عن أرضهم، وعن وجودهم التاريخي. وبهذا يدخلون التاريخ من بوابته الكبرى .