إبراهيم اليوسف
لا يمكن فهم ما يقدم عليه الرئيس التركي أردوغان، إلا باعتباره حماقة كبرى، ومحاولة لإعادة تركيا إلى عهد إمبراطوريتها التاريخية، في حالة حلم هستيري، مرضي، وهوما لا يمكن أن يكون، في يوم ما، وقد يؤدي إلى انفجار كبير داخل تركيا نفسها، لاسيما إن خريطتها تتشكل من ابتلاع خرائط بلدان عديدة، مجاورة منها ما هو كردستاني، أو سوري، أو يوناني، وهو عبارة عن تحد كبير حاولت تركيا، ومنذ تأسيسها، إلى ممارسة سياسة التتريك، والسبيل الذي نجحت فيه إلى حد بعيد، لكنه يظل نجاحاً غير نهائي، موقوتاً، احتيالياً، لصوصياً، استعمارياً، أمام عدم إمكانها طمس التاريخ، و مكامن الشعور القومي الباطني” المدنمت” لدى أوساط هائلة، تنتظر لحظة تاريخية كبرى، لتعود إلى أرومتها، وإن كان الغرق من قبل أوساط هائلة من هؤلاء في وضع الأمر الواقع هو أمر بدهي، ومعروف.
سايكولوجيا أردوغان، كما بشار الأسد، بحاجة إلى قراءات عميقة من قبل المعنيين، إذ إنه يبدو ممثلاً بارعاً في تأدية أدواره، قبل أن يكشفه على حقيقته انقلابه على نفسه بتدمير مدن كردية تعدها تركية من ضمن إطار خريطتها، بل وبعد الانقلاب العسكري عليه، وهو الذي يريد بعضهم وسمه ب” أنه لعبة” منه، أو من بطانته، إلا أنه كان حقيقياً، وجاء نتيجة تذمر من سياساته المتناقضة، وبأسف فإن كرد تركيا، وعلى ألسنة قيادات معروفة أعلنوا أنهم ضد الانقلاب، بالرغم من أن أحياء كاملة من مدن كردية كانت قد سويت بالأرض، وثمة أعداد كبيرة من الضحايا الكرد إما من استشهدوا على أيدي قواته، أو أنهم في سجونه، متذرعين بوهمية أنه: أفضل من سواه، باعتباره كسر بعض حالات الحصار على الكرد في تركيا، ليدفع بابتلاع الكرد في اتجاه آخر، ومن أجل ذوبان آخر، أوتيت ثماره في وقفة الكرد معه في استنبول وأنقرة باعتبار أن في كليهما ملايين الكرد الذين لم يشاركوا في الانقلاب، بل وقفوا مع أردوغان، كما سيقفون معه في كل محطة انتخابية، لاحقة، حتى يحظى بكل هذا الصعود، باعتباره لا يستطيع الفوز في الانتخابات من دون الرصيد الدائمي من الكرد، وهم في أكثرهم من ضحايا قناعاتهم الدينية، بعد أن روج في أوساطهم أنهم ولي الله على الأرض!
حقيقة، إن سياسات أردغان فاشلة، ومن حق من حوله تقديمه للمحاكمات، فهو من كان وراء إعادة آلاف الشباب الكردي في سوريا إلى مهادهم، من قنديل، بل إن هؤلاء وسواهم من أمثالهم- ومنذ تأسيس القوة العسكرية للاتحاد الديمقراطي2012- وحتى لحظة احتلال عفرين، لم يقدموا على القيام بأي اعتداء على ما وراء الحدود التركية/ السورية، وفق الخريطة الموضوعة بين البلدين، وكانت تركيا محطة لمسؤولين رفيعي المستوى من قيادات الاتحاد الديمقراطي الذي أعلن غير مرة عن إمكان تعاونه مع تركيا، وهو هنا، أمام أسئلة مواطنيه، بصدد تخبط مواقفه السياسية، تجاه هؤلاء، بل إنه لتتوافر لدى المعنيين من بين هؤلاء أسئلة أكثر إحراجاً، بهذا الصدد، ليس مكان التكهن بها، في هذا المقام..!
كان في مقدور أردوغان أن يواصل تقديم نفسه كسياسي تركي، قادر على أن يضع حلولاً مرضية للأطراف كلها، بعد أن قدم نفسه في عباءة الحرص، والترفع عن جراحات التاريخ، لاسيما بعد تدخلات الرئيس مسعود بارزاني، من أجل أكثر من ملف يتعلق بكردستان تركيا، ومن بينها ما يتعلق بحالة قائد حزب العمال الكردستاني السيد عبدالله أوجلان، وتم الإعلان عن الكثير من التفاهمات، إلا أن العقل الكارثي، الباطني، الذي واربه، أبى إلا و أن يترجم رؤاه، وذلك بعيد استفتاء إقليم كردستان، إذ ارتفعت وحام ثقافة الكراهية لديه إلى أعلى مستوياته، و راح يعرض مكنوناته المكبوتة، ما أدى إلى ظهوره في حالة سعارية، منفلتة، حولته من حالته الوعلية، إلى ما بعد الذئبية، لأنه راح يتدخل في أمر بلد مجاور، لا شأن له به، وهو سلوك أزعر، لا يليق بمن هو موصوف ب” رئيس دولة” البتة!!!!؟
ولم تبق الأمور في حدود حشر انفه في ملف الاستقلال، والحض على الحرب على الإقليم، وهو تدخل سافر في شؤون الجوار، وإنما راح يواصل ذلك في أكثر من ساحة سورية، لاسيما في عفرين، إذ أعد حملة عسكرية بخبرة ولؤم الجيش الرابع في العالم، معتمداً على مرتزقة سوريين، مأجورين، ليدفع خسارات باهظة، قبل أن يستخدم الأسلحة المحرمة، والطيران، في وجه قوة عسكرية ناشئة، أعظم أسلحتها: إيمان مقاتليها، وراح يضع أمر هذا المكان في أيدي هؤلاء المرتزقة الذين يعيثون بطشاً وفساداً في عفرين، من خلال عمليات: خطف الرهائن، واغتيالهم، والاعتداء على كرامات الناس، وسرقة أرزاقهم، وحرق وقطع أشجارهم، مصدر معيشتهم الوحيد، بعد أن كان قد أوعد بزعمه: مهمتنا في عفرين هي” تحريرها” من أيدي” ال” ب ي د”، وقد بدت كذبته الكبرى أمام العالم، بعد سنة ونصف من احتلال عفرين، إذ لم تتم إعادتها إلى ذويها، ما جعل أبناء هذا المكان يدركون مدى شساعة الفرق بين: استبداد مكاني، واحتلال مجرم!
لا بد لمن يتابع تفاصيل سير الحرب على كردستان سوريا، في محطة مابعد عفرين، أن يتذكر أن أردوغان بات يعلن عن الاجتياح، منذ أن كان مجرد أحلام يقظة في ذاته، من جهة، وراح يحث الخطى للإسراع في الإقدام عليه، من جهة أخرى، وذلك بتقديم الأوراق المطلوبة للموافقة الدولية، من قبل روسيا-أمريكا-إيران، وهو نفسه ما كان قد قام به، على امتداد سنوات، قبيل الحرب على عفرين، واحتلالها، إذ إنه كان يطلق- بالونات اختباره- يجس نبض العالم، وهو من عداد سايكولوجية الجبان، كما كان يشير هتلر إلى ذلك، من خلال حديثه عن القائد الناجح الذي يترك أمر إعلان معركته، أو حربه، سراً خاصاً لديه، وهذا ما يتضح كثيراً من خلال معرفة الخسائر التي ألحقت بجيشه، ومرتزق ته، في كل مرة، بما لا يدع مجالاً للشك بأن أي انتصار يسجله جيشه، فهو ليس نتاج قدراته، بل إن الكردي ليجابه تواطؤاً أممياً، في كل مرة، ناهيك عن أن استخدام الطيران المتطور بأنواعه، والأسلحة ما بعد الحداثية، في حربه، تقزم من شأن أي انتصار قد يسجله.
إن أردوغان الذي راح يقلد الطاغية صدام حسين، في الالتقاء بالناس، بعد تمشيط الأمكنة، وهوما دأب عليه بشار الأسد، مرات كثيرة، في ظروف الحراسة، بالغة التشديد، إنما كل ذلك هو تعويض عن حقيقة حالة الجبن التي يعيشها، هو، بل الثلاثة، وأمثالهم. هذه الحالة التي ما عادت تتوافر للطاغية أردوغان- في تصوري- بشروطها السابقة، بعد أن دمر بعض مدن خريطة تركيا، وبعد أن أقدم على حروب خاسرة، في عمقها، وإن كانت تظهره كمنتصر، لأن الأمكنة السورية التي يحتلها، لابد من أن تعود إلى خريطة أصحاب المكان، وأن إجراءاته على صعيد محاولات التغيير الديمغرافي لم تعد تصمد، لأنها تتم أمام أعين العالم برمته، إن عاجلاً أو آجلاً، ناهيك عن أمر جد مهم، ألا وهو أن حالة الرهاب من البشر، ستتفاقم معه، لاسيما بعد أن غدا مجرماً، حتى لدى مواطنيه: الأتراك، بعد المجازر والتصفيات التي ارتكبها، من أجل مجرد كرسي، كما حالة الطاغية الأسد.