عاش العدد، طاش المدد


 إبراهيم محمود
كلامٌ قديم جديد، وفي كل مرة، يكون له معنى مختلف. أعني به مدى تفاخر الكرد بعدَدهم، بمساحتهم الكردستانية، بلوائح كبرى من ثرواتهم الطبيعية، وموقعهم الاستراتيجي، وهم في كل مرة، يفتنهم عددهم، ويخيّب آمالهم مددُهم. لمَا لا نقول أن العدد نفسه ينتقم، حين لا يعطى حقه في الاعتبار؟ قلنا عددُنا، فقلَّ مددُنا. وما كان لمددنا أن يقلَّ، لولا ضعف الوعي الهندسي. تُرى، هل تساءل كردنا، ولو مرة، ومن قبل أولي أمرهم: كيف هم، ليعرفوا كم هم قوة  ونفوذاً؟!
حتى اللحظة، يتكرر الخطأ القديم، لا بل الغابر، كما لو أن من ” بيان الخطأ لسحرا ” حين يلوح هذا المسئول الكردي بلسان حزبه أو جماعته التحزبية، أو في ساحة المعرفة، أن هناك ” كذا: عددياً ” بالنسبة إلى الكرد، وفي لحظات يتبخر العدد، لأنه يفتقر إلى الامتلاء بالوعي والقيمة الزمانية- المكانية. 
وربما يثير ذلك استغراب القريب والبعيد، وهو مدى تخوّف الكرد هنا من سؤال ” كيف “ومدى شغفهم بـ” كم “: نحن موجودون من قديم الزمان، لدينا ثروات لا تحصى، نحن أمة ” كذا مليون “…الخ، هكذا يتسلل بناة العدد، وليس في ساحة القول ما يجعله فعلاً .
كم مرة اعترف الكرد هؤلاء بالهزيمة ” وأنا أعرّف بالكم كيفياً/ نوعياً “؟ كم مرة أفصح الكرد ممن هم في الواجهة، أو هكذا يتصدرون ساحة الكم الكردي، أن هناك ما لا يحصى من ” الأمراض النفسية: في التفاخر والعجرفة والوجاهة الخاوية ؟ كم مرة، سمى الكرد هؤلاء ما هم عليه من أوجه خلل قاتلة، فيما بينهم، وداخلهم، بدءاً من النطاق العائلي إلى أعلى مستوى ؟
كم مرة أفصحوا عن كمهم المخجل في انشطاراتهم التحزبية، وقواطعهم العشائرية، وفي الوقت نفسه، يتهجّون اسم كردستان، والقومية الكردية، والشعب الكردي ؟
كم مرة اتَّعظوا من أعدائهم الذين يكونون محل استخفاف بهم من جهتهم، وهم ” أمة واحدة ” عليهم، رغم أنهم ممزَّقون فيما بينهم ” أي أعداؤهم “، بالنسبة للترك وغير الترك.
أليس الذي يلقونه من محن، من عذابات، من كوارث، حتى بالنسبة للأرضية أحياناً جرّاء الإساءة إلى ” أخلاقية بيئية “، ومن انكسارات، والبقاء في العربة الأخيرة من قطار التاريخ، ومنحدرات الجغرافيا ، حصيلة منطقية لمنطلقاتهم ” العصماء “؟
هل نظّروا بأم أعينهم” ومن الداخل ” إلى ما يعنونه بالجبل ” أمة الجبل/ شعب الجبل ” وليس من سؤال عما يكونه الجبل في منطوق التاريخ، وفي وضع ما بعد حداثي؟
هل فكَّر الكرد، كرد أولي الأمر، أنهم ربما تكون نهايتهم على أيديهم، بطريقتهم القاتلة في التعامل مع الأحداث، كما في الجاري إزاء العدوان التركي؟ لنصل إلى نتيجة مُرة، مرة ولا أمرَّ منها، وهي أن استمرار الكرد بعددهم هذا، وهم موزعون بين دول، وداخل أمم، وفي جهات العالم أجمع، إنما ليكونوا مدداً لهم، وهم ” قِطَع غيار بشرية ” لـ ” أعدائهم ” ؟
آمل ألا يُقرأ مقالي ” الساخن ” هذا، من منظور عددي، حباً بالنوعية، وإن قُرِىء هكذا، فلا غرابة أو استغراب، وفي العنوان ما يستشرف بنا مفارقات الزمان الكردي ومكانه ذهنياً؟!!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…