إبراهيم اليوسف
ما إن يتم الحديث عن مغامرة أردوغان في الإقدام على أية حرب، أو تدخل في الشأن السوري، منذ عشية عفرين، وحتى لحظة إقدامه على قصف المناطق الكردية في- غرب كردستان- حتى تبدر إلى المخيلة سلسلة اتصالاته الكثيرة مع كل من أمريكا وروسيا، والحصول على الضوء الأخضر منهما، وهوما لا يأتي إلا لقاء جدول من التنازلات التي يمكن الإشارة إليها، من قبل مدونة مرحلة ما بعد-الثورة السورية- والتي لما تزل ماثلة في ذاكرة كل منا، وهي موثقة من قبل من هم مختصون في هذا المجال، وهو خارج مثل هذه الوقفة، باعتباري أتناول ما هو مدرك، مشخص أمام أعين العالم المتابع برمته، وهو نفسه ما أريد الوقوف عنده لرصد شخصية – صانع هذه الحروب- بحق السوريين، عامة، والكرد منهم بخاصة،
وحين أخصص الكردي-هنا- فإن حضور هذا الكردي كشف عن أنيابه المكشرة تجاه ما يجري، ليستثمر كل ذلك، ويسخره في سبيل استكمال ما تم التوقف عنده من قبل- كمال أتاتورك1881-1938- الذي يعد أحد مجرمي التاريخ بحق الكرد، وأعدم في عهده الشيخ سعيد بيران” 1865-“1925 والذي أسس لمرحلة تكريس تمزيق خريطة الكرد، أو الحلم الكردي، الأمر الذي يمكن استقراؤه من خلال متابعة تحولات المعاهدات التي تمت” مابين سيفر -1920 ولوزان1923 وتخلي تركيا عما تم تثبيته لهم من حق تقرير المصير، ليسعى إلى التغيير الديمغرافي بحق الكرد، ويمارس حملة التطهير، ويواصل إعدام آلاف الشخصيات القومية والدينية، لاسيما في 1939.
وإذا كان سلفه أتاتورك قد اعتمد على السير وفق الضوء الأخضر من خارج حدود بلده، لاسيما من الاتحاد السوفييتي، وهو ما سيستعيده أردوغان على نحو أشد بشاعة، وقبحاً، ليمارس التطهير العرقي بحق الكرد، بعد أن تم التطهير الديني بحق الأرمن والمسيحيين، في عهد السلطان عبدالحميد الثاني “1842-1918” ، وتم تهجيرهم خارج تركيا، ليبرز اسمه- أي اردوغان- كرمز قومي كما أتاتورك، من دون أن ينسى أن يكون في بعده الآخر السلطان عبدالحميد، مرتكب المجازر بحق الأرمن، ولربما هو في أعماقه أميل إلى هذا الأخير، وإن كان سيتقمص المدنية التي اتجهت إليها تركيا، منذ تأسيسها، في موازاة مع الدكتاتورية.
وبعيداً عن الغوص في سيرة حياة أردوغان الذي يروي زملاؤه أيام الدراسة، كيفية نشأته، بأنه كان ممالقاً لذوي السطوة في المجتمع التركي، وإن كان الكثيرون من هذا الأنموذج يظلون أوفياء، أو تابعين، لمن يحققون الأمجاد بوساطتهم، إلا أن أردوغان من ذلك النوع الذي ينقلب على كل من آزروه، ويزداد تنكره، بل لجوؤه إلى العنف بحق هؤلاء بقدر درجة أياديهم البيضاء إليه، كحالة رهاب، وهو شعور دوني يحمله منذ بدايات دراسته، ومن ثم التزامه الإسلاموي، والسياسي، وما معرفة استمراره في القبض على السلطة بيدين من حديد ونار، على امتداد ما يزيد عن عقد ونصف إلا ما يعكس طبيعة شخصيته التسلطية، لا سيما بعد ثرائه الفاحش، وهو صاحب المقولة الشهيرة” لا أملك غير خاتم ذهب زواجي في أصبعي ومتى ما رأيتموني أملك سواه فاعلموا أني سرقت”.!
ثمة خوف كبير من الكرد يعيشه أردوغان، بالرغم من أن كثيرين منهم كانوا زملاء دراسته، ممن آزروه، وانتفع بهم، بل منهم من لازمه إلى أن صعد درجات السلطة، وراح يغتصبها، وبات يمارس التضليل بحق أوساط واسعة من أبناء الأرياف والمدن الكرد، مطلقاً قبيل أية حملة انتخابية شعارات برَّاقة، على أنه الأقرب إلى الكرد، بينما انكشفت أضاليله على نحو واضح أثناء تدميره عدداً من المدن الكردية في العام ، من دون أن ينسى تجنيد بعض رجال الدين الأتراك المرتبطين مع دوائر المخابرات التركية الذين يبثون سمومهم، وتسول لهم أنفسهم الحديث عن تكفير الكرد الذين يطالبون بحقهم القومي، على أنهم كفار، وقد حققت هذه الدعايات الكثير من أهدافها، إذ إنه عشية احتلال عفرين فإن أئمة الجوامع الأتراك داخل تركيا وخارجها، باتوا يدعون للسفاح أردوغان، ويشوهون صورة الكردي.
لقد ظهرت شخصية أردوغان على حقيقتها، مع الثورة السورية، إذ قدم نفسه منقذاً للسوريين، مطلقاً خطه الأحمر الذي ينبغي على الأسد عدم تجاوزه، وهوما انطلى على قسم كبير من السوريين، لاسيما بعد إيواء تركيا المهاجرين، وتبين أنه قد لعب دوراً جد خطير، إذ غذى المسلحين الراديكاليين، لاسيما: جبهة النصرة- داعش إلخ، بعد أن استمال نسبة كبيرة من العسكريين المنشقين، وراح يعمد إلى تجويعهم، في أكثر من محطة، ليرتموا على حذائه، بعد أن قدم لهم ما يسدون به رمقهم، لينجح في ذلك، لاسيما إنه تم تصفية هؤلاء العسكريين منذ بدايات الثورة، حيث تم خطف المقدم حسين هرموش، وتم تسليمه للنظام السوري، من قبل أجهزة مخابراته، من دون أن تتم محاسبة أحد، وهوما نشر الرعب في نفوس من تم اصطيادهم من المسلحين، ليتم تدريبهم من قبل أجهزة أمنه، ويعتمد عليهم في حربه على الكرد، وهو ما بدا منذ محاولة غزو سري كانيي/ رأس العين2012، واستمر الخط البياني، في محاولات حصار عفرين، والإقدام على احتلالها بعد توطؤات دولية مشينة.
إن هؤلاء المسلحين الذين ارتبطوا بأجهزة أمن السفاح أردوغان، جعلوا من أسواق تركيا- معارض مفتوحة- لمسروقاتهم ، من معامل، وآلات، وحتى قضبان سكك حديدية إلخ، إذ كان يتم تفكيكها، وجلبها، وتركيب معامل كاملة في تركيا، ما ساعد في بث روح جديدة في الاقتصاد التركي، بشهادة أكثر من رئيس بلدية تركية، اعترف بارتفاع ميزانية مؤسسته بعد الثورة السورية، وهو ما تم من خلال روافد أخرى رئيسة: رؤوس أموال كبار التجار اللاجئين السوريين إلى تركيا، وأكثر من كل هذا وذاك أن تركيا راحت تتسول من أوربا والغرب بدعوى دعم اللاجئين السوريين، بينما كانت تسرقهم، كما راح أرباب العمل الذين عمل لديهم الأطفال والنساء من اللاجئين بسرقتهم، من دون الوقوف مع نسبة كبيرة من الحالات.
شخصية أردوغان، على ضوء هذا ليست إلا خليطاً مركباً من متناقضات كثيرة، إذ إنه يبدو كما الذئب المبتسم الذي لايوفرأية فريسة من حوله لينال منها، عند الحاجة، أو اللزوم، إذ إن أضاليله انكشفت لدى ملايين الشرفاء من السوريين الذين أدركوا أنه أول من غدر بالثورة السورية، وأغرقها بالاخوان المسلمين، وبعض حثالات المعارضة السورية الذين خصص لهم رواتب وامتيازات: الجنسية- إمكانات التحرك، ومكن أبعاضهم من السرقة، من المنظمات الدولية، أو من الأموال التي كانت تعطى من قبل بعض الدول الممولة، بل تم تهديد قسم من النافذين بفيديوهات تم تصويرها في غرف نومهم، في شقق مستاجرة، أو فنادق، ما جعلهم صماً بكماً عمياناً، دائرين في فلك أجهزته المخابراتية، كما روج عن عدد من المعارضين، وهو ليس في الحصلة إلا سلوك كبار المافيات الدوليين؟!
ما أرمي إليه، بعد كل هذه المقدمة، الطويلة، هو أن اردوغان شخصية عدوانية- متناقضة- بحق، يتارنب أمام القوي، ويستذئب أمام من يقع بين أنيابه من الخصوم، إذ إنه يلثم يدي مجنون أبله كترمب، يمالقه، ويقدم له التنازل إثر التنازل، بل فعل مثل ذلك بعيد اغتيال الدبلوماسي الروسي2017، وقبل ذلك بعيد إسقاط طائرة السوخوي الروسية 2015، ليمارس” سفاحيته” على من يدرك في أعماقه أن لاسند دولياً لهم، بعد أن عرف في قرارته أن الكرد استطاعوا أن يدخلوا التاريخ، بوساطة البطولات التي حققوها في مواجهة الإرهاب، وبات يعتد بهم، إذ راح يعمل عبر مسعيين: التخلص من قوتهم في المنطقة عبر مشروع التخلص من أية قوة كردية، مستفيداً من حالة الفرقة بين كرد سوريا، لأسباب ليس هنا مكان إيرادها، بالإضافة إلى الثأر من الكرد الذين حققوا المعجزة ضد من اشتغل على تدريبهم، ضمن تركيا وخارجها، أومن آزرهم من الأجانب ليدخلوا الأراضي السورية، ومن دون أن ننسى أن تركيا- في حقيقتها- قنبلة موقوتة، نتيجة حالة الاحتقان التي بات الأتراك يعيشونها، منذ مرحلة التصفيات والاعتقالات والتسريحات التي تمت بعيد فشل الانقلاب العسكري في 15 يوليو2016، وهكذا بالنسبة إلى حالة قضية ما يزيد عن خمسة وعشرين مليون كردي في تركيا، بل إن تركيا مقامة على الجزء الأكبر من أنقاض خريطة كردستان، منطلق العديد من الانتفاضات والثورات عبر التاريخ، وحتى يومنا هذا.
وبهذا فإن شخصية أردوغان، لا تختلف البتة عن شخصية المافيوي، عديم القديم، الذي يستسلم أمام رؤسائه، بينما ينصرف للفتك بمن يسمح له بالبطش بهم من قبل هؤلاء، إذ هو هنا، هو جلاد دولي، يؤدي أدواراً تأديبية، في محاولة إطالة أمد سلطته، وإن كان هو نفسه يدرك أن مصيره لن يكون على الشكل الذي أراده، لأنه سيغدو- إن عاجلاً- أو آجلاً، مطلوباً من قبل محاكمات بعيد أي تغيير في بلده، أو في العالم، لأنه لا يختلف البتة عن مجرمين تاريخيين، من بينهم: بشار الأسد- صدام حسين!
يتبع…..