إبراهيم محمود
يصرخ الكرد كثيراً، وملؤهم غضب، قهر، احتقان، سَيَلان انفعالات عارم، يبكي الكرد أيضاً، وملؤهم شعور بالخيبات، بالانتكاسات، بمعاكسة القدَر وخالق القدر لهم. وبين الصراخ والبكاء أكثر من صلة قربى. فهل الكرد شعب مؤنث ؟
من المؤكد أن أول من يعترض على علاقة كهذه، هو أنا بالذات، بصفتي كردياً. فإطلاق القول دون تحديد وتشخيص، يترتب عليه ما لا يراد ذكره، ولا تحمد عقباه. إنما هو ما يبقي الكرد معرضين لويلات وانقسامات ومآس، وكأنهم اعتادوا ذلك.
ذلك يستدعي ما يشدد عليه أهل ثقافة منهم، كما في حال دلالة ” Xweda ,dayik, ji danê,” الله في السماء، والأم على الأرض، مع نبرة منافحة وتباه، بأن ذلك ميزة كردية خالصة، وهو ما يجعل من الكرد أهل سماحة ووفاء وتفان ؟!
هذا ما تلمستُه في أمكنة كثيرة، مع التشديد على ما تقدَّم، كما لو أنهم يؤكدون على أن الكرد إذا كانوا ينتقلون من هزيمة إلى أخرى، ويلقون ويلات ويتعرضون لكوارث، ويعيشون أصنافاً من القهر، وهم في حسرة تاريخية من كيان سياسي يعنيهم، وأنهم سريعاً يفتحون أحضانهم لأعدائهم مما نالوا منهم، ومكروا أو غدروا بهم،وباسم الأخوة دائماً، أن ما هم عليه في مقام المورثة الأبدية التي تميّزهم عن الآخرين بامتياز، وأنهم، بمقدار ما يشددون على علاقات كهذه، ومن داخل معان اللغة، دونما النظر في مزالقها، إنما يفوتون على أنفسهم أي فرصة تدفع بهم لأن يكونوا كغيرهم، أن يتدخل الحب والكراهية، الغيرة والحسد، المسامحة والحقد، المرونة والقسوة، الوفاء والمكر والخيانة، في ظروف تغيّر في معناها، فإن كل ذلك من السمات الفعلية لكل قيمة، أو عاطفة، أو تكوين نفسي لشخصية الإنسان .
أكثر من ذلك، حين يصادرون على شخصية المرأة، باعتبار المؤنث عطاء وتفانياً، وما من شأنه تعريضها لصنوف الأذى وتعنيفها، انطلاقاً من أنها لا تعرف الحقد، لا تعرف الكراهية، لا تعرف المراوغة، كما هم الكرد .
هل هناك مخرج آخر من هذه الصفة التي تفتن الكرد كثيراً: فيما بينهم، داخلهم، وأخص الأخص مع أعدائهم التاريخيين ؟