ماجد ع محمد
من بعض سجايا الإنسان المستحوِذ أنه إذا ما حاول إقناع طرف ما لكسبه من خلال العروض وإلاغراءات التي يقدمها له، نسيانه على الأغلب من فرط أنانيته ومبالغته في التفكير بمرابحه وحده كل الكوارث التي ستحل بالآخرين جراء ما يفكر بتحقيقه لذاته على حسابهم، وعلى نفس السوية وربما بشكلٍ أسوأ منه، فالكثير من الدول في هذا الإطار حالها حال الأفراد الجشعين تماماً، فمن فرط التفكير بمصالحها القومية دون مراعاة مصالح الغير، ومن تعاظم هوسها بتحقيق تلك المصالح مستعدة أن تدوس على مصالح دولٍ بأكملها أو قضايا شعوبٍ برمتها من دون أن يرف لها جفن.
ويبدو جلياً أن إيحاءات بعض ساسة تركيا للأوروبيين بخصوص مشروعها الاستيطاني، يجعلها تنسى بأنها في الأمس القريب كانت تنتقد وتهاجم إسرائيل التي تبني المستوطنات على أراضي الشعب الفلسطيني؟! ويا ترى ما هو الفارق الجوهري بين مشروعها الاستيطاني في شرق الفرات والمشروع الاستيطاني لدولة اسرائيل؟ والغريب في هذا الصدد هو ما صرّح به وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم، حيث أنه استغل المشروع الذي تطرحه تركيا لإغراء الغرب للسماح لها بغزو شرق الفرات، واتهم “المعلم” تركيا بالتطهير العرقي قائلاً: “إذا أراد أرودغان إعادة المهجرين السوريين فيجب التنسيق مع الدولة السورية لضمان عودتهم الآمنة إلى المناطق التي غادروا منها، وليس أن يقوم بتطهير عرقي في منطقة محددة، لأن هذا يخالف القانون الدولي”.
ومن كل بد أن القيام بإنشاء مخيمات مؤقتة للاجئين هو موقف إنساني جدير بالشكر والتقدير، أما إقامة مساكن دائمة لهم فهذا يعني حرمانهم من حقهم في الرجوع إلى ديارهم، كما أن التصرف قد يوحي لممتلك البصيرة بأن هناك اتفاق ما بين النظامين السوري والتركي على ضمان عدم عودة الناس لبيوتها وممتلكاتها وموطنها، وهذا حتى الشديد الغباء سيقول بأنها خدمة واضحة من تركيا لبشار الأسد، طالما أنها ستضمن لبشار عدم رجوع الذين ثاروا ضد نظامه حتى لا يزعجوا خاطره ويقلقوا راحته من جديد، بينما المخيمات المؤقتة فتؤكد بأن العودة ليست بعيدة وبالتالي تجبر النظام والمجتمع الدولي على إيجاد الحلول لهم، وتعمل الأطراف الدولية على عودتهم الآمنة لديارهم، أما إقامة 200 ألف وحدة سكنيه لمليون شخص شرقي الفرات في 10 مناطق تتسع 30 ألف شخص، وبناء 140 قرية تتسع 5000 شخص، ولكل عائله منزل ملحق به دونم أرض ومكان لتربية الحيونات مع إقامة مدارس مساجد مستشفيات ملاعب مناطق صناعية بكلفة 27 مليار دولار، فهو يعني حرمان عن سبق الإصرار لمليون سوري من حق العودة التي تطالبه تركيا للفلسطينيين!! ومتابع المجريات يذكر المظاهرات التي خرجت في تركيا وشارك بها آلاف الأتراك والعرب في الشهر الخامس من العام الماضي، دعماً لحق ملايين المهجرين من أبناء الشعب الفلسطيني في العودة إلى أرضهم.
فأية إزدواجية هذه إذن فهي من جهة مع حق الفلسطينيين بالعودة لديارهم، بينما ولأهدافها السياسية البعيدة تنوي حرمان اللاجئين السوريين من حق العودة!! وبالنسبة للسوري الذي يمتلك العقل وشيء طفيف من الكرامة، ألا يفهم من هذا المخطط بأنه ينوي أولاً ضرب المكونات السورية ببعضها وخاصةً المكون الكردي والعربي، ثانياً ألا يهدف إلى زرع الضغائن وحقن المنطقة بكل أسباب الانفجار اللاحق، وثالثاً ألا يُفهم من المشروع بأنه خدمة علنية لنظام بشار الأسد الذي تقول تركيا بأنها تعادية بسبب جرائمه بحق الشعب السوري، كما أنه قد لا يُفهم من المشروع التركي المطروح إلاّ كاتفاق بين تركيا ونظام الأسد لإبعاد معارضي النظام للأبد تلبيةً لأهداف ورغبات فرعون دمشق.
وبما أنه بات معلوماً للمجتمع الدولي أن تركيا ربما كانت من أكثر الدول الإقليمية التي استخدمت اللاجئين لأغراض سياسية، بدءاً بتهديدها كل فترة للدول الأوروبية بإفلات اللاجئين السوريين عليها إذا لم تفي بوعودها المالية لتركيا مقابل الاحتفاظ باللاجئين على أراضيها، إنما تستهدف إستخدامهم لأهدافها الاستراتيجية التي تتوافق كاملة حيال الكرد مع أهداف حزب البعث العربي الحاكم في سورية، بما أن ما لم يقدر على تنفيذه نظام البعث في الماضي كاملاً ستقوم تركيا باتمام المشروع العنصري المسمى “الحزام العربي” الذي كان الهدف منه هو الفصل الكامل لكرد سورية عن كرد تركيا.
عموماً يبدو إلى الآن أن الوجود الأمريكي على الأرض في شمال شرقي سورية يحول دون استطاعة تركيا لتحقيق مآربها باجتياح تلك المنطقة بذريعة محاربة PKK كما حصل في منطقة عفرين، لذا فهي من أجل تفتيت المجتمع الكردي وضرب بنيته، لديها العديد من السيناريوهات التي تهدف بمجملها إلى إلحاق الأذى قدر المستطاع بالشعب الكردي ومناطقه بحجة محاربة PYD وإن فشلت في غزوها عسكرياً ربما ستحاول غزوها باللاجئين، وبذلك تحقق أهدافها وأهداف النظام السوري على حدٍ سواء، باعتبار أن مشروع الحزام العربي بالأصل هو فكرة النظام البعثي وقد تم تنفيذ شيء منه وليس كله، بينما وبعد عشرات السنين وعبر ملف اللاجئين تنوي تركيا القيام بالذي لم يقدر على تنفيذه نظام الأسدين لأكثر من أربعين سنة!!
وبتصورنا أنه لإفشال مخطط “محمد طلب هلال” الذي ترغب تركيا بتنفيذه عوضاً عن نظام البعث، ما على المجتمع الكردي ومنظمات المجتمع المدني ومجمل الأحزاب الكردية إلاّ التواصل مع كل أطراف المجتمع الدولي والاتفاق معهم لإنشاء مخيمات مؤقتة تحت إشراف الأمم المتحدة حصراً، أولاً لافشال المشروع الاستيطاني الذي يحقق المآرب الاستراتيجية لكلٍ من دمشق وأنقرة، وثانياً لإنقاذ اللاجئين السوريين من مشروع إنقطاعهم عن مساقط رؤوسهم للأبد، وثالثاً لإراحة اللاجئين من قصة استخدامهم كل فترة كأدوات ضغط على الغرب، وبالتالي سحب تلك الورقة مِن يد مَن يستثمرها في الطالعة والنازلة لأهداف وغايات سياسية صرفة، وهذا الرأي الأخير لا شك هو ليس من اختراعنا نحن إنما تقول ذلك صراحة مجمل أحزاب المعارضة التركية.