تسونامي مرتقب يعصف بالأسواق .. والأيادي على الجيوب قبل القلوب

مروان دراج

رفع غطاء الدعم عن المشتقات النفطية ..نفذ ثم اعترض ! 
بعد تأكيد السيد عبدالله الدردري بأن (قرار رفع أسعار المشتقات النفطية خيار لابد منه) لم يعد أمام الرأي العام من خيار سوى الاستعداد للإجراء الجديد والذي يتوقع إقراره رسمياً خلال الأيام المقبلة وكان من اللافت وقبل تأكيد الدردري بأن محطات الوقود الخاصة قد امتنعت عن بيع المستهلكين حاجاتهم من هذه المواد وذلك من باب الاستفادة من الفوارق السعرية التي تصل إلى نحو (40) بالمئة وأيضاً كان من اللافت بأن غالبية شرائح المجتمع كانت قد تعاطت مع الإجراء الجديد كما لو أنه أصبح نافذ المفعول منذ لحظة الترويج له في المنابر الإعلامية طيلة الأيام الماضية
وهذا الأمر إذا كان يدل على شيء فهو أول ما يدل بأن الحكومات المتعاقبة اعتادت على صوغ إجراءاتها وقوانينها دون العودة إلى الرأي العام أو إلى الاقتصاديين والمهتمين … وبغض النظر عن صوابية الإجراء الجديد أو عدم صوابيته فإن الإنصات إلى صوت الرأي العام ولو من باب (المجاملة) أو (سد الذرائع) كان ضرورياً إذ من غير المعقول أن تردد الحكومة وفي غير مناسبة عبارات مثل (الشفافية) أو ما يشابهها بينما تضرب بها عرض الحائط حين تستوجب الضرورة ..

ولأن مثل هذا التعاطي الحكومي ليس استثنائياً ويندرج في إطار المألوف فقد كان من اللافت أن غالبية شرائح المجتمع أخذها الاستلام وبدأت تعد العدة وتقوم بتحديد قوائم السلع والمنتجات التي سترتفع أسعارها نتيجة دخول المشتقات النفطية ضمن شروط وآليات إنتاجها وتصنيعها .


ولأن سريان مفعول الإجراء الجديد بات على الأبواب وبات أشبه بالقدر الذي لامهرب منه فإن مايثار اليوم في الشارع وفي أحاديث الرأي العام لم يتعلق برفض أو قبول الإجراء الجديد وإنما في الآليات التي ستحكم تطبيقه فالحكومة وعلى مدار أسبوع كامل قد أكدت وعلى لسان أكثر من مسؤول بأن (الدعم لن يلغى وإنما سيذهب إلى مستحقيه الفعليين وحقيقة أن مثل هذا الطرح لاغبار عليه أبداً وكان مقنعاً وإلى حد كبير ولكن الأمر غير المقنع هو أن تقوم الحكومة بدفع تعويضات تصل إلى حدود ألف ليرة شهرياً لكل عائلة فمثل هذا المبلغ ومقارنة مع الحاجة الفعلية لمادة المازوت فقط فهو لن يكون كافياً ولن يغطي الفوارق السعرية الجديدة …وأيضاً أين الحكمة من وضع كافة العائلات السورية في سلة واحدة فهل العائلة المكونة من(4) أشخاص على سبيل المثال بحاجة إلى استهلاك ذات الكمية لعائلة مكونة من (8) أشخاص أو أكثر فالأمر شبه الواضح أن الحكومة سوف تواجه مشكلات لأنها قد تأخذ بالتعريف الإحصائي الرسمي الذي يقول : بأن الأسرة هي فرد أو أكثر يعيشون معاً ..

ومثل هذا التعريف قد يكون سليماً في بعض الحالات ولكن ليس في مثل هذه الحالة بالذات .


وبمنأى عن مبلغ الألف ليرة شهرياً والذ ي يغطي لا بالتأكيد تبدلات الفوارق السورية المرتقبة على المشتقات النفطية فإن السؤال الذي يؤرق الناس ويجعلهم يحسبون ألف حساب وهم على مشارف شهر رمضان وافتتاح المدارس وموسم التحضير (للمونة ) الشتوية السؤال يقول :إذا كانت الجهات الرقابية قد أكدت عجزها واستلامها من إمكان السيطرة على الأسواق وضبط أسعارها ..فأين هي الضمانات التي ستمنع ارتفاع أسعار بعض السلع والمواد التي لايدخل أساساً ضمن شروط تصنيعها وإنتاجها المشتقات النفطية ؟
مثل هذا السؤال في مكانه تماماً وهو يتكئ على تجارب لاحصر لها من الفوضى ولعل خير مثال على ذلك أن الحكومة أقرت خلال عام 2004 مرسوم مايسمى بالإنفاق الاستهلاكي والذي يقضي برفع أسعار قائمة محددة من حاجات الناس الضرورية وغير الضرورية ..

ولكن الذي حصل منذ ذلك الحين وإلى اليوم أنه لم تبق ولامادة واحدة في الأسواق إلا وشهدت تبدلاً فلكياً في الأسعار واليوم مع ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وبنسبة غير مسبوقة تصل إلى حدود (40) بالمئة كخطوة أولى هناك ثمة حجة وذريعة قوية جداً لتشجيع الصناعيين والتجار للعبث بالأسعار ضمن حدود كل ماهو ممكن ومتوقع والبشائر الأولية ربما بدأت تطال أسعار بعض المواد مع أن الإجراء الحكومي لم يقر رسمياً بعد ..ولإدراك الحكومة أن فوضى الأسواق متوقعة فهي استبقت المحللين الاقتصاديين واعترفت على لسان أكثر من مسؤول بأن الإجراء الجديد سوف يسهم في رفع نسب التضخم إلى حدود (14) بالمئة بعد أن كان قد وصل خلال النصف الأول من العام الجاري إلى نحو (4.5) بالمئة وبالمناسبة لايستبعد بعض الاقتصاديين إمكان وصول نسب التضخم خلال العام المقبل إلى حدود (18) بالمئة وحينها قد تحدث توترات اقتصادية يصعب معالجة آثارها وتداعياتها دون تسديد فاتورة بعيدة عن الحسبان .


وأما المعضلة القديمة التي سيصعب على الحكومة مواجهتها ومعالجتها نتيجة فشل محاولاتها السابقة فهي تتمثل بتوقعات تفاقم ظاهرة تهريب المازوت ومايدفع باتجاه الحسم في إمكانية تفاقم هذه الظاهرة بدل انحسارها وتراجعها أن شبكات الفساد والتي كانت تلقى دعماً معلناً ومضمراً مازالت تصول وتجول ولاأحد يجرؤ على سؤالها ومحاسبتها وهذه الشبكات ولأنها تعلم علم اليقين بأن إجراءات وخطوات رفع غطاء الدعم عن المشتقات النفطية سوف تتواصل في السنوات المقبلة كي تصل إلى حدود الأسعار المعمول بها عالمياً فهي أي هذه الشبكات سوف تبذل كل مابوسعها من جهود كي تستمر بأنشطتها ومن غير المستبعد أن تكثف من عملياتها وأن تضاعف كميات التهريب انطلاقاً من قناعات وحسابات بأن ماتبقى من زمن هو بمثابة فرصة ذهبية ويتعين استثمارها حتى آخر ليرة دعم واحدة .


بموضوعية نقول : وضعت الحكومة نفسها في موقف لاتحسد عليه أبداً فهي إما أن تبقي الدعم على حاله ليذهب بأجزاء كبيرة منه إلى جيوب الأغنياء والمهربين وحتى للأشقاء العراقيين وإما أن تختار الإجراء الجديد والذي قد لايكون عادلاً لبعض الشرائح ويحمل معه مفاجآت وعواقب ليست بالحسبان ..

لكل هذا وذاك فإن ماهو مطلوب ليس التراجع عن الفكرة وهو أمر من الواضح غير وارد وإنما إعادة النظر بالتعويضات المالية غير المقنعة أولاً وثانياً : صوغ آليات وإجراءات حاسمة تضمن عدم حدوث فوضى في الأسواق ..

والسؤال : ولكن هل تجارب السنوات الماضية من شأنها أن تقود نحو التفاؤل ؟! لسان حال الغالبية يقول وبصوت عال حتماً لا !!

سيرياستيبس

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…