الاستفتاء.. يوم تَبَيَنَ الخيط الأبيض من الخيط الأسود

أكرم الملا
الاستفتاء وفق القوانين والشرائع الدولية، يُعد شكلاً من أشكال الممارسة الفعلية للديمقراطية، وهو من الحقوق البديهية للشعوب كي تعبر عن تقرير مصيرها وفق ارادتها الحرة، والاستفتاء حق متاح للشعوب وليس فقط للبرلمانات أو الاستفتاء على دستور معين أو لشريحة أو فئة من الشعب. وعند تصفح التاريخ السياسي للشعوب، سنرى أن الاستفتاء في كثير من الأحيان كان اللبنة الأساسية في قيام بعض الدول، وعلى سبيل المثال لا الحصر أول استفتاء جرى في أميركا في احدى ولاياتها عام 1898 وكذلك في روسيا وبعض الدول الأُوروبية ومنها ايطاليا عام 1970.
كوردستان العراق عانت الويلات والمظالم والتطهير العرقي والمذابح البشرية وتم حرق البشر والحجر والتهجير القسري من قبل السلطات المتوحشة التي كانت تحكم بغداد، إن كلمة كوردستان كانت عند مسامع بعض الشوفينيين العرب المجبولين بفكر البعث العفلقي تعني لهم مكان للحرق والتهجير والقتل، مكان محاطاً بالدبابات والجيش، وللأسف لازال البعض من حاملي فيروس الشوفينية الحاقدة السوداء يتربص على كرسي برمجة وصناعة القرار السياسي في بغداد ومازال يحاول أن يدمر مكتسبات شعب كوردستان ومشاريعها التنموية وتطورها الملحوظ، وذلك بحجة التهم المعلبة بالخيانة والعمالة بحق الشعب الكوردي وكوردستان، رغم أن كل هذه التهم قد فقدت صلاحيتها نتيجة نضال ومواقف الشعب الكوردي في عملية البناء الوطني العراقي العام . 
  وبخطوة بناءة وقرار جريء وفي الاتجاه والتوقيت الصحيحين قام رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني بتبليغ الكثير من أعضاء السلك الدبلوماسي العربي والأجنبي المعتمدين، عن الرغبة بإجراء استفتاء شعبي في اقليم كوردستان وذلك ليبينوا للعالم ، ماهي ارادة شعب كوردستان . 
كان قرار الاستفتاء ضرورة تاريخية سياسية لمصير شعب يتوق الى الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية كسائر شعوب العالم، كان القرار ضرورياً لتوجيه رسالة مع التحذير الشديد الى اولئك الموهومين بأنهم قضوا على رغبة الاستقلال والحرية لدى شعب كوردستان، كان القرار رسالة،بأن الكورد كانوا ومازالوا متمسكين بحقوقهم المشروعة ولن تحيدهم عن ذلك لا قوة ولا آلة عسكرية ولا فكر سوداوي مشبوه، الاستفتاء كان رسالة ديمقراطية في ظرف مفتوح كرحابة صدر الكورد مرسلة للشعب العربي أولاً ومن ثم الشعب الكوردي، ولم يكن الاستفتاء رسالة ملغومة كم سماها بعض أصحاب الهوسات السياسية في بغداد.
رسالة الاستفتاء كانت موجهة بالدرجة الأُولى الى خارج كوردستان من عرب وأجانب ودول العالم والمنظمات الدولية والهيئات العالمية التي تنادي بحرية الشعوب في تقرير مصيرها، حيث أثبت لهم شعب كوردستان أنه لامماطلة ولا انكار لحق كوردستان وشعبها في تقرير مصيرها، وعرف العالم وسمع العالم وفهم العالم الرسالة، رغم المواقف المضادة للاستفتاء والتي كان فحواها مفهوماً، والقصد منها واضح، والرئيس البارزاني باصراره على اجراء الاستفتاء كان أيضاً قصده واضحاً وأجبر الدول الغاصبة لكوردستان وخاصة العراق أن يروا ويسمعوا ما لا يريدون سماعه ورؤيته.
ان رسالة الاستفتاء كان لها جانب داخلي كوردستاني يخص الشعب الكوردي، فالكثير من الأحزاب الكوردستانية كانت تتاجر وتتباهى من خلال الحبر والورق المجاني ، بأنها مع حق الكورد حتى في اقامة دولته، ولكن القائد الحكيم كان علم بهم وبتطلعاتهم وبأجنداتهم، التي يجب أن تتعرى أمام الرأي العام الكوردستاني في مثل هكذا موقف أو بالأحرى هكذا امتحان جدي ليتبين الخيط الأبيض من الأسود،  وسيعرف الشعب كل شخصية أو حزب على حقيقته وحقيقة شعاراته المرفوعة لخداع العقل والبصر فقط . المدهش حقاً أن بعض الشخصيات الكوردية وبعض الأحزاب الكوردية أعلنت باعتماد كلمة ” لا ” للاستفتاء، ناسين أو متناسين أن القول ” لا ” لهذه العملية الديمقراطية يعني أنك ضد الديمقراطية وأحد مبادئها الأساسية وضد حق مشروع لك، كان يجب أن يعتمدوا ال ” نعم ” لانها لاتعني الانفصال الفوري كما شرحها لهم القائد البارزاني في أكثر من مكان، أما الوقوف ضده من الأساس فهذا كاف للتعرف على أجندة أُولئك الناس وكذلك الأحزاب و ” الحزيبات ” التي وقفت في وجه الاستفتاء.
ان الأصيل ( شعب كوردستان ) قد عبر ثقته بالوكيل ( الرئيس البارزاني ) ومنحه التخويل الحصري لمتابعة الوثائق المطلوبة لايصال ألآماني الى بر الآمان لقيام دولة كوردستان.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…