هل يطالب الكرد في سوريا بدولة !

اكرم حسين 
تعكس مقولة وزير الزراعة والاصلاح الزراعي ” مصطفى حمدون” في عهد الوحدة حقيقة موقف القومية العربية من الحقوق الكردية. فعندما كان يراجعه الفلاحون الكرد بمناسبة توزيع الاراضي على الفلاحين اثناء زيارته لمنطقة الجزيرة كان يواجههم بالقول ” الكردي ما الو شي عندي” .
لقد تحركت وانتشرت موجة الشوفينية العنصرية في سوريا منذ اواخر الخمسينات وازدادت في عهدي الوحدة والانفصال، ووصلت الى حد الفاجعة في عهد حزب البعث، الذي طبق العديد من المشاريع التمييزية والاستيطانية بحق الكرد. فالبعض حاول ان يخلق اشكالية عربي- كردي ويضعها بقوة في جواراشكالية اكثري- اقلوي وتناقض رئيسي، مصدره، نبذ عالم ما بعد السلطنة وموقع الهيمنة السنية فيها .
فبعد انهيار الامبراطورية العثمانية، وتقسيم ممتلكاتها بين الدول الاوربية بموجب مقررات اتفاقية سايكس بيكو، الحق جزء من الشعب الكردي وارضه بالكيان السوري، ووردت المسألة الكردية عبر نصوص قانونية صريحة على المستوى الدولي –معاهدة سيفر 1920- معاهدة لوزان 1923 –  وتحولت الى مشكلة دولية واجهت عصبة الامم المتحدة خلال الاعوام 1922 وحتى 1925 ورغم ان تقسيمات سايكس بيكو قد رسمت الحدود بين سوريا وتركيا لمرات عديدة، الا ان الكرد بقوا في مناطقهم التاريخية  رغم تقطيع اوصالها، وذلك في الشريط الحدودي السوري التركي العراقي، والمسمى تاريخيا ببلاد ما بين النهرين ( ميزوبوتاميا) حيث كانت مهدا للحضارات القديمة منذ الاف السنين، ومنطقة حيوية في كل الاتجاهات .
بعد الانتداب الفرنسي اعلن المندوب السامي في تشرين الثاني 1920 تقسيم سوريا الى اربع دويلات، وهي حلب في الشمال ودمشق في الجنوب – جبال العلويين -وجبال الدروز – وابتداء من عام 1925 توحدت دولتا حلب ودمشق، وتكونت منهما دولة واحدة، سميت بالدولة السورية، تحت اشراف فرنسا.
 خاض الكرد في سوريا نضالا وطنيا ديمقراطيا من اجل رفع الغبن القومي عن كاهلهم، ونتيجة لذلك، زج العديد منهم في السجون والمعتقلات، وطردوا من الوظائف والدوائر الرسمية، وعملوا جنبا الى جنب مع المعارضة وفي اطارها – اعلان دمشق للتغيير الديمقراطي- الا ان النخب السياسية العربية كانت مهيأة لرفض الكرد كشعب وحقوق – وليس كأفراد- ولا زالت تختزن في ذاكرتها القومية موقفا سلبيا تجاه القضية الكردية – تصريحات الزعبي واحمد كامل وعطا الله وبعض جماعات المعارضة الاخرى  – ويعود ذلك الى ثورة البارزاني الخالد في العراق وما يجري الان في الاقليم الفدرالي الكردي وفي روج افاي كردستان، حيث يرون في كل ذلك تهديدا حقيقيا لوحدة العراق وسوريا . فقد كان زكي الارسوزي  يشبّه الكرد ” بالجرذان” في حين كان ميشيل عفلق يعتبر كل من سكن الوطن العربي هو “عربي” في الوقت الذي كان الكرد دائما مع استقلال سوريا وسيادتها ووحدتها، ووقفوا في وجه الانتداب الفرنسي وابان التحالفات ( ابراهيم هنانو – يوسف العظمة ) ورغم كل الممارسات الشوفينية والعنصرية تجاه الكرد، الا ان شعارهم كان دوما الاخوة العربية الكردية، وتامين الحقوق الثقافية والسياسية والاجتماعية في اطار وحدة البلاد، الا ان الذهنية العربية لم تستطع ان ترى ابعد من انفها، ولم تستفد من دعوات الكرد بالاعتراف والاندماج في الهوية الوطنية السورية، وكانت تتشدد تجاه الكرد، وتصدر بحقهم المزيد من القوانين والاجراءات، وتتهمهم باقتطاع جزء من الاراضي السورية والحاقها بدولة اجنبية (الانفصال ).
ومنذ اليوم الاول للثورة تموضع الكرد الى جانب الحركة السياسية التغييرية، لا بل كانوا جزءا اساسيا منها، ورفضوا دعوة راس النظام للقاء بهم، وكان شعارهم واحد واحد واحد الشعب السوري واحد، وامتلات بهم الساحات والشوارع كما شاركوا في مؤتمرات المعارضة ومكوناتها – المجلس الوطني السوري، الائتلاف الوطني لقوى الثورة و المعارضة – ولم يكن همهم سوى رحيل الاستبداد واقامة دولة ديمقراطية علمانية تعترف وتصون حقوق جميع مكوناتها، وخلت كل وثائق الاحزاب الكردية من اية اشارة الى الانفصال او أي شكل من اشكال الكيان القومي رغم تمايزهم عن العرب والاثنيات الاخرى تاريخيا وسياسيا وثقافيا وموضوعياً . كما ابلوا بلاء قل نظيره في مواجهة الارهاب الداعشي، وانتصروا بدماء عشرات الالاف من الشهداء والجرحى، وبالرغم من كل ما تم ذكره وهناك الكثير ايضا، لا زال البعض يشكك بنوايا الكرد، ويتهمهم بابشع الصفات والنعوت الى درجة نزع صفة الوطنية والانسانية والاتهام بالتطهير العرقي .
من حق الكرد ان يقرروا مصيرهم، ويكون لهم شكل من اشكال الادارة او الحكم الذاتي او ينفصلوا عن الدولة السورية . فالأوطان حين تنشأ كما يقول حازم صاغية تستدعي ما أُسمي ” اساطير مؤسسة ” والاساطير تطل على الخرافات وتشركها في الهبة التاسيسية، هكذا يخترع جدود واسلاف مشتركون كما تخترع انتصارات وشهداء ” لنا جميعا” حسب صاغية، وكما لاحظ المؤرخ وعالم السياسة البريطاني بنديكيت اندرسون، يحتل الموت موقفا مركزيا في هذا المشروع، فيناط بالجندي المجهول وباضرحة العظماء والابطال ان يكونوا الانصاب الدالة الى امة واحدة، هذه الامة حسب بنديكيت هي “جماعة متخيلة” جماعة يتغلب تخيلها على استحالة التعارف الشخصي بين ابنائها الكثيرين، ورغم توفر هذه العناصر، فان الكرد  يعرفون اليوم تمام المعرفة بان توازنات القوى الاقليمية والدولية لا تسمح لهم بقيام دولة كردية في المدى المنظور. اذاً التحدي الاكبر أمام الكرد اليوم هو في مدى إمكانية أن ينظر الكرد إلى قضيتهم، في اطار الوطنية السورية،  للوصول إلى أفضل تصور للمستقبل، و بناء “دولة وطنية ” قائمة على “عقد اجتماعي” جديد يفتح صيرورة التشكل، ويفسح المجال لقيام “شعب سوري” وهوية” وطنية جامعة”. بدءاً من الاعتراف بالحقوق المتساوية للمواطنين بغض النظر عن العرق اوالدين اوالجنس، ولا ينتهي عندها. فالحقوق يجب أن تشمل الحقوق القومية والثقافية واللغوية والعادات والتقاليد لجميع السوريين من مختلف الأعراق والقوميات بلا استثناء. يضاف إلى تلك الحقوق، الحقوق السياسية الخاصة بالكرد بما في ذلك حقهم في تقرير مصيرهم والى ان يتحقق ذلك، فانهم يرغبون بالعمل في اطار الدولة السورية بصفتهم كرد سوريون على ان تراعى خصوصيتهم وتحفظ حقوقهم عبر الدستور والتمثيل العادل في مختلف وزارات واجهزة الدولة وخاصة في المناطق التي يشكلون اكثرية عددية فيها . 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   مرت مئة يوم ويوم على سقوط الأسد، لكن الواقع الذي يعيشه السوريون اليوم يتجاوز بكثير الساعات التي مضت. هذه الأشهر الماضية التي تنوف عن الثلاثة كانت مليئة بالتحولات السياسية غير المنتظرة، إلا أن الواقع الأمني والمعيشي للمواطن السوري لم يتحسن بل ازداد تدهورًا. إذ من المفترض أن يكون تأمين الحياة للمواطن السوري هو أولى الأولويات بعد السقوط،…

شيروان شاهين تحوّل الصراع في سوريا، الذي بدأ منذ 14 سنة كحركة احتجاجات شعبية، من حالة صراع بين ميليشيات مسلحة وسلطة منهكة على مستوى أطراف المدن والأرياف إلى صراع طال شكل الدولة ككل. حيث أفرزت الحرب الأهلية واقعًا وعنوانًا جديدًا في 8 ديسمبر 2024: انهيار دولة البعث وإعلان دولة القاعدة. تميّز حكم البعث، الذي بدأه أمين الحافظ “السني”…

اكرم حسين   طرح الأستاذ عاكف حسن في مقاله هل ما زلنا بحاجة إلى الأحزاب السياسية؟ إشكالية عميقة حول جدوى الأحزاب السياسية اليوم، متسائلاً عمّا إذا كانت لا تزال ضرورة أم أنها تحولت إلى عبء ، ولا شك أن هذا التساؤل يعكس قلقاً مشروعًا حيال واقع حزبي مأزوم، خاصة في سياقنا الكردي السوري، حيث تتكاثر الأحزاب دون أن تنعكس…

صلاح عمر   ثمة وجوه تراها حولك لا تشبه نفسها، تبتسم بقدر ما تقترب من الضوء، وتتجهم حين تبتعد عنه. وجوهٌ لا تعرف لها ملامح ثابتة، تتشكل وفقًا لدرجة النفوذ الذي تقترب منه، وتتلون بلون الكرسي الذي تطمح أن تجلس بقربه. هؤلاء هم “المتسلقون”… لا يزرعون وردًا في القلوب، بل ينثرون شوك الطمع على دروب المصالح. لا تعرفهم في البدايات،…