د. محمود عباس
لا قيمة لدستور، تحت رحمة سلطة شمولية دكتاتورية كسلطة بشار الأسد، أو حكومة تشترك فيها شريحة من المرتزقة والتكفيريين، مهما كان حضارياً. الديمقراطية أعدمت، والحضارة دمرت بصراعهما على السلطة، والدستور لن يجلب القوة للوطني الصادق لحكم البلاد، وقد عزل أصلا من الساحة في الشهور الأولى من المسيرات السلمية.
ومن أحد أبشع المصائب السياسية في سوريا، المضافة إلى الدمار الإنساني، وكوارث البنية التحتية، والمؤامرات التي مررت على المجتمع، خلال السنوات الثمانية الماضية حصر قضية شعوبها في إشكالية الدستور! حقا أنها تراجيديا من صنع المجرمين.
فلو كان المتكالبون على اللجنة أو على صياغة بنودها اليوم، وطنية وتحتكم إلى الدستور لما بلغت سوريا إلى هذا الدرك من السقوط.
سوريا بشعوبها أصبحت تحت رحمة شرائح مارقة من الناس، تبحث عن مصالحها قبل مصلحة: المجتمع؛ أو الألاف من المهاجرين والمشردين؛ والملايين من الجرحى؛ وعائلات الشهداء، فأغلب الذين في لجنتي الطرفين اللذين سيشتركان في صياغتها ملوثة أياديهم بدماء الأمة، والأيادي ذاتها ستنسخ بنوداً على مقاس جرائمهم. وبالتالي الدستور الذي يجب أن يتم فيه صيانة حقوق القوميات والأقليات في الوطن؛ والمهاجرين وعائلات الشهداء، أصبح شبه مستحيل، خاصة تحت رحمة من كان سببا في قتل الألاف من المدنيين الأبرياء، فمع هذه اللجان، وبهذا الأسلوب، سيكون الوطن ثانية تحت رحمة المجرمين والطغاة والمارقين والمنافقين، حتى لو وضع دستور إلهي.
فالقضية ليست في الدستور بل من سيحكمون تحت خيمتها، ويسخرونها لمأربهم وطغيانهم. وبالتالي المجتمع السوري سيكون أمام كارثة سياسية أبشع من الماضي، فالطغاة سيواجهون العالم بدستورهم المعترف به دوليا!
فالوطنية ليست في بنود الدستور، بقدر ما هي في نوعية النظام، الذي من أجله خرج الألاف من المتظاهرين، كما وليس في مدى الادعاء بحقوق القوميات والأقليات، وذكرهم، كمنا وهي ليست في تقديم الكرد كمكون سوري، ولا الاعتراف بهم كمواطنين سوريين مع منة، ولا في تعيين حزبيا أو شخص مستقل من الكرد في اللجنة الدستورية، إن كانت ضمن قائمة المعارضة أو السلطة أو المستقلة، واعتباره-هم ممثل عن الشعب الكردي (في الواقع لا يوجد شيء أسمه مستقل في الصراع السوري) بل في نوعية النظام الذي سيطبق البنود التي تم أو سيتم صياغتها، وهل سيكون للكرد نصيب فيها، وهل سيتم صون حقوقهم كقومية ثانية في الوطن، واعتبارهم شعب يعيش على أرضه التاريخية، وله خصوصياته؟
أوهل ستكون هناك سلطة تمثل كل أطياف المجتمع السوري وبدستور تم الاعتراف فيه بالأقليات السورية الأخرى؟
وبالتالي هل سيتم صياغة البنود كما يمليه ضمير القوى العربية المتصارعة بين بعضها على السلطة، وهل بإمكانها أن تشكل سلطة وطنية، وتتجه لبناء نظام ديمقراطي وطني؟
أم أنها ستخرج من الجلسات، بمثل ما خرجت من مؤتمرات جنيف العديدة والأستانات الكثيرة، أكثر حقدا على البعض، وعلى القومية الكردية، وستنتهي المعارضة بخسارة أخرى في السياسة مثلما انتهت على الأرض؟
أم أنهم سيتفقون بضغوطات روسية، ويظهرونها للعالم على أنها صيغت بالمنطق الديمقراطي، وفي حال أعترض الكرد على غياب حقوقهم كثاني أكبر قومية في الوطن، سيطرحونها على التصويت، أو أنهم سيقولون إنه تمت الموافقة عليها بالتصويت الديمقراطي، وهنا يكون ممثلي الأمة الكردية تائهون في محيط شرائح متفقة بين بعضها بشكل غير مباشر ذات أغلبية مطلقة غارقة في العنصرية.
وبالمناسبة، الدستور بخطوطه العريضة مكتوب منذ سنة وأكثر، من قبل الروس، ولم يوافق عليه الأمريكيون، لأنه لم يحمل بند اللامركزية والفيدرالية، فبدونهما سوف لن يجد الأمريكيون ممسكا قانونيا للبقاء في سوريا، وهذا هو التكتيك الروسي في رفضها اللامركزية والفيدرالية، والتي كانت من المحتمل ألا يعترض عليها في حال غياب الأمريكيين، أو ضمنت سوريا لذاتها كمحمية بكل جغرافيتها. ومن جهة أخرى روسيا تدفع بالدول الضامنة الأخرى تركيا وإيران، إثارة إشكالية الدستور وتعيين لجانها، بين فينة وأخرى لتمييع القضية السورية، وحلها حسب مصالحهم، والقضاء على البقية الباقية من المعارضة الوطنية عن طريق أدوات تركيا من المعارضة، وإثارة القلاقل للكرد وبالتالي لأمريكا في شرقي الفرات، وإقصاء الكرد تندرج ضمن هذه الجدلية.
فحتى في احتمالية صياغة الدستور، مع ذكر أسم الكرد أو الأقليات أو الأديان غير الإسلام، أو المذاهب غير السنة، وحقوق المواطنة بشكل عرضي، تحت عباءة الوطن للجميع، مع الاحتفاظ بالمركزية العربية والإسلامية، كسلطة ولغة وثقافة، وسياسية ودين إسلامي، وإقناع الهيئات الدولية وعلى رأسهم ممثل هيئة الأمم المتحدة غير بدرسون بها، يجب أن يرفض من المجتمع السوري المؤمن بالوطنية والديمقراطية، والذين يعملون من أجل سوريا المستقبل، الوطن الذي يجب أن يتم فيه حفظ كرامة الإنسان بغض النظر عن الدين أو المذهب أو القومية أو اللغة.
بعد التوقف على ما يجري من غبن بحق الأمة الكردية، بتقزيم تمثيلهم في نسبة شبه معدومة، نطلب من جميع أطراف الحراك الكردي، وبشكل خاص الذين لديهم الإمكانيات، وفي مقدمتهم الإدارة الذاتية وحزب الـ ب ي د، والأنكسي وحزب البارتي الديمقراطي الكردستاني واليكيتي، والتقدمي والوحدة، ومن ثم أطراف الحراك الثقافي، باتحاداته، في حال تم عزل الكرد بنسبته، بالطلب من الممثلين الكرد إما الاستقالة أو الاعتراض على نسبة التمثيل، فوجودهم مثل عدمه مع الأغلبية العربية المطلقة. ومن ثم الاجتماع وفي أقرب فترة ممكنة، والاتفاق على انتخاب لجنة تمثل الشعب الكردي، وفرضها على لجنة الدستور المذكورة، أو تقوم بمعزل عنهم في صياغة مسودة دستور يتم تقديمه إلى الهيئات المعنية، مع التنديد بما تم بحق الكرد في عملية التمثيل في اللجان ولاحقا سيكون في صياغة البنود. أو تشكيل اللجنة الدستورية المنافسة من مختصين بكل المجالات الدستورية، وصياغة البنود للوطن السوري بحيث يكون للكل حقوق متساوية فيها.
ومع كل ما ذكر، وبغض النظر عن القائمين على رأس اللجان، نطالب أن يتضمن الدستور ثلاث نقاط رئيسة:
1 أن تكون أسم سوريا (الجمهورية السورية) ليكون وطنا حضاريا لجميع مكوناتها.
2 أن يكون نظام الحكم في الدستور، فيدرالي لا مركزي، والمنطقة الكردية (عفرين والجزيرة) إقليم فيدرالي موحد.
3 ألا يشترط على رئيس الجمهورية أن يكون عربي مسلما، بل يحق لكل مواطن سوري من مواليدها ويعيش على أرضها حسب المدة الزمنية المتفق عليها، الترشح للرئاسة.
نرفض بنية الدستور، فيما إذا ظلت محصورة على عروبة الوطن، ومركزية السلطة، حتى ولو لم يشرك فيها الكرد كما يجب.
نطلب من الدول المعنية بالأمر، وعلى رأسهم روسيا، وممثل هيئة الأمم المتحدة غير بدرسون إعادة النظر في هذه القضايا المهمة، لبناء سوريا كوطن ديمقراطي للجميع، ويؤمل من خلاله بناء نظام حضاري لسوريا المستقبل.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
23/9/2019م