مركز ليكولين للدراسات و الابحاث القانونية .
وجّهت جهات و منظمات مدنية غير حكومية عددها ( ١٠ ) رسالة الى لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا ممثلة برئيسها ، عبّرت من خلالها عن امتعاضها و خيبة أملها تجاه مضمون التقرير الذي صدر عنها مؤخراً بتاريخ ١١/٩/٢٠١٩ واصفةً اللجنة بالانحياز و بعدها عن المهنية و المصداقية و ما الى ذلك .
و قد رأينا كمركز قانوني أنّ الواجب يحتّم علينا كمعنيين بهذا الموضوع، سواءّ بتقرير اللجنة الدولية أو كمنظمة تمارس نشاطاً مماثلاً أو مشابهاً لنشاط تلك الجهات و المنظمات، رأينا في الرسالة مناسبةً للوقوف على بعض المسائل و النقاط و ضرورة طرحها و تبيانها .
في حقيقة الأمر و بكل شفافية نقولها …يؤسفنا أن نرى اليوم منظماتٍ مدنية تضم و لا سيما عدداً من رجال الحقّ و القانون و في مقدمتها المرصد السوري لحقوق الإنسان كمرصد نقتدي به صراحةً و نكنّ له كل الاحترام و التقدير على الدور العظيم الذي ينهض به في مجال حقوق الانسان عموما و في الوضع السوري بصورة خاصة، يؤسفنا أن يتبنى المرصد و تتبنى و تصيغ تلك الجهات رسالة بهذا المستوى الضعيف من الحجيّة و بهذا المحتوى من العيوب و الشوائب، فبالمطلق ما هكذا تورد الإبل .
يقيناً نحن متفقون مع مقصود الرسالة لجهة أن لجنة التحقيق الدولية جانبت الحق و الصواب و حادت عنه تماماً ، و أنها بالتالي ليست بمستوى المسؤولية المناطة بها و بعيدة كل البعد عن المهنية و المصداقية في مهامها و عملها ، و لكن و هنا مربط الفرس ، نود التوضيح بأن الجهات و المنظمات لم تكن موفّقة بالمطلق في تعليل حكمها و أحكامها على اللجنة بالتحيز و عدم المهنية و المصداقية و سواه ، أي بمعنى أن الكثير من القضايا يكون الحق بيّنٌ و ساطع فيها سطوع الشمس و لكن عندما لا يكون المدافع عنها متسلّحاً بما يكفي من الدراية و الخبرة فإن حقّه معرّض للهدر لا محالة . بل أن إدراك الخصم أو الضال عن الحق لضعف امكانياتك و ذخيرتك لهو محفّز له على الانغماس و التوغل في اللا حقّ و بأريحية .
و ربّما هذه ثغرةّ و عيبّ كبير فينا أحياناً كثيرة ، نحن الكورد تحديدا أصحاب أسطع الحقوق في عدم أو قلّة إحتساب الغير لنا ، و تماديهم في النيل من حقوقنا ، طالما بقينا نعتمد في انتقاء ممثلينا على تبعيته الحزبية مثالا و أي شيء آخر إلّا على كفاءته و خبرته .
و عذراً نقولها ..فإن هذه الرسالة أي رسالة المنظمات الى لجنة التحقيق وقعت في هذا المضمار الذي تحدثنا عنه .
بمعنى أن لجنة التحقيق إن كانت فعلا لا تمارس الحيادية و المهنية و المصداقية في عملها و أنها مسيّسة ، و هي فعلاً و حقيقة كذلك ، فإننا نرى في الرسالة و مضمونها مبعثاً للطمأنينة لها بأنّ من يسعى لكشف عوراتها و فضحها دون المستوى من القدرة و الدراية على فعل ذلك .
الآن… قد يتساءل سائل بأن كلامنا ما زال رمياً على عواهنه و دون تبيانٍ لوجه القصور و العيب في رسالة المنظمات . لذا نقول حسناً .. اليكم ذلك :
لجنة التحقيق المعنية بسوريا قرّاءنا الأعزاء و اختصارا هي لجنة مؤقتة تم تشكيلها من مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة في العام ٢٠١١ ، و لجان التحقيق أو تقصي الحقائق العديدة التي أنشأتها الامم المتحدة بخصوص مناطق الصراع و الحروب و الازمات في العالم هي كفكرة عامة تختلف فيما بينها لجهة المهام المناطة بها و حجم صلاحياتها و رقعة نشاطها و ما الى ذلك ، ففي سوريا مثالاً مُنحت الولاية و الصلاحية على كامل سوريا و التحقيق في الانتهاكات التي تحدث فيها ضمن اطار الانتهاكات المنصوص عنها في القانون الدولي لحقوق الانسان و القانون الدولي الانساني و القانون الجنائي الدولي .
و سندا لتلك الولاية و الصلاحيات التي ذكرناها كفكرة عامة يجب أن نعي بأنها لا تملك كما ورد في الرسالة كالمحاكم العادية و آلياتها المعروفة لدينا ( قاضي التحقيق ، قاضي الاحالة ، قضاء الحكم ) لا تملك اللجنة قرار الاتهام او الادانة و البراءة ، بل المطلوب منها هو رفع التوصيات الى مجلس حقوق الانسان على ضوء ما يردها او ما تحصل عليه بصورة مباشرة ( الزيارات الميدانية ، افادات المتضررين ،الخ) او غير مباشرة ( تقارير المنظمات ، وسائل الاعلام ) ، و تتضمن تلك التوصيات ما توصلت اليه من استنتاجات و تحليلات و التعبير عنها و ابداء رأيها بمدى قناعتها بها ، أي أن ورود عبارات مثل ( ما يدعو الى الاعتقاد ، وجود أسباب معقولة ، تشير التقارير، الخ ) هي عبارات قانونية سليمة استخدمتها و لا يمكن القول كما ورد في الرسالة بأنه لا يجوز ان يحتمل رأيها الشك أو التأويل أو الاعتقاد ، و إنما ما نستطيع اتهام اللجنة به و انتقادها عليه هو وضوح انحيازها من باب أن الجرائم و الانتهاكات واضحة جداً .أي نستغرب من استعمالها ألفاظ الشك و الاعتقاد في مسائل غاية في الوضوح ، و لكن لا يحق لنا ان نقول : لا يحق للجنة الاعتقاد قانوناً ..ارجو ان نكون قد استطعنا ايصال الفكرة .
الأمر الآخر أو العيب الآخر الواضح في مضمون الرسالة هو أنه ليس من مهمة أو شأن لجنة التحقيق الدولية البحث في الأفكار و المعتقدات و الايديولوجيات و الدوافع ، و إنما عملها مادي بحت و يتعلق بالماديات و الوقائع ، لذلك من الخطأ أن نعيب عليها من باب أنها لماذا لم تميز بين جماعة قامت بكذا من منطلق حقها في الدفاع المشروع أو جماعة اخرى بالمقابل قامت بكذا من منطلق فكرها المتطرف او الارهابي او ما شابه ذلك ، لكون تحليل و تفسير النوايا و الغايات لا يدخل في اختصاص اللجنة و إنما تبني رؤيتها و نتائجها على الوقائع على الارض و الماديات من الأمور ، فمثلاً من كامل حقنا ان نتهم اللجنة بالتحيز لجهة كيف انها إلى الآن لم تتثبت من ارتباط الفصائل بتركيا و خضوعها التام لها ، لأن الوقائع على الارض ( الاعلام التركية على ثيابهم و مقراتهم ، تلقيهم الاجور و الدعم من تركيا الخ) واضحة جدا ، بينما لا يمكن القول بأن فكر الفصائل و فكر اردوغان هو فكر واحد .
و بإمكاننا ايضا عبر هذه النافذة اي نافذة الوقائع المادية إنتقاد اللجنة و إغفالها عن ذكر مئات الآلاف من النازحين و المشردين و معاناتهم في المخيمات و العراء كواقع مادي ظاهر بينما أتت بالمقابل على ذكر أسر و عائلات داعش في المخيمات ، و لا نقصد هنا انكار ذكرهم بل الانسانية لا تتجزأ ، و انما نقصد كيف ترى اللجنة بضع مئات أو آلاف من افراد عائلات داعش و تغفل عن مئات الآلاف من نازحي عفرين .
نكتفي بهذا القدر مع الاشارة الى نقطة غاية في الأهمية و هي اننا لا نقع بهكذا رسالة و هكذا مضمون في مجرد عدم القدرة او النجاح في الطعن بمصداقية اللجنة و عدم مهنيتها و حيادها بل في ذات الوقت نقع في انقلاب ما نتهم به اللجنة و نعيبه عليها كإنقلاب السحر على الساحر.
لجنة التحقيق مدانة بكل المقاييس من اعلى رأسها الى أخمص قدميها و مسيّسة و تكيل بمكيالين و أكثر كما المنظمة الأممية ككل و لكن علينا أن نعي كيف ندينها و ننتقدها ، و مجرّد عدم سعيها الجاد و الامم المتحدة ككل الى دخول اللجنة الى سوريا و عفرين و الوصول الى الوقائع مباشرة و الوقوف عليها هو اكبر دليل على إدانتها ، علماً بأن الامم المتحدة و الياتها ذاتها تتبجح في ذات الوقت و تعتبر بأن تقارير المنظمات المدنية و معلوماتها و معلومات وسائل الاعلام هي مصادر ثانوية للجنة التحقيق ، فما الحل إذاً برأيكم إن كنتم كمنظمة عالمية بدولكم و نفوذكم تقولون بلا حياء بأنّكم عاجزون عن الدخول الى مناطق الأحداث و في ذات الوقت تعتبرون ما يردكم ثانوياً رغم المغامرة بالحياة في جلبها و بالصور و الفيديوهات و الحجة الدامغة .
و أخيرا …نحن كمركز لا ندعي الكمال و المثالية و نتقبّل برحابة صدر بالغة كل من ينتقدنا و يقدم لنا النصح و المشورة بل نتوسل و نرجو ذلك ، و ما الغاية إلا الإرتقاء الى حجم المسؤولية و آمال أهلنا و رجاءهم فينا .
المانيا ١٥/٩/٢٠١٩