في الروتين الانتخابي السوري مجدداً: الانتخابات المحلية

  مصطفى إسماعيل

انتخابات الإدارة المحلية على الأبواب, وسطَ لامبالاة شعبية مُلفتة, فالمواطن السوري بات يعرف أكثر مما مضى أنها ستكون نسخة فوتوكوبي عن انتخابات مجلس الشعب, بمعنى أن نجاح المرشحين سيكون سابقا على الانتخابات وعلى النتائج الرسمية الحكومية ولن تخرج عن السياق المتعارف عليه سوريا.

ولن تخرج الانتخابات البلدية عن النسق المرسوم لانتخابات مجلس الشعب من حيث الصورية والنتائج الفانتازية, فحزب البعث الحاكم وأطيافه في الجبهة الوطنية التقدمية سيكتسحون الصناديق مجددا, كما جرى في انتخابات مجلس الشعب.

أيضا كما في حالة مجلس الشعب, فإن المجالس المحلية لا حول لها ولا قوة, ولا سلطة لها تخولها المبادرة والعمل, فالسلطة مركزة بقوة في العاصمة دمشق, ومن أجل خلق هامش ديمقراطي ينبغي مرحليا تعزيز الإدارة المحلية وتقوية سلطة المجالس المحلية البلدية.
تعود الأسباب الأخرى لإدارة المواطن السوري ظهره للحفلات الانتخابية في عام انتخابي بامتياز, إلى معرفته أن المجالس المحلية تلك غير مستقلة وغير فعالة وأن لا دور لأعضاء المجالس المحلية ولا سلطة ولا يتعدى دورهم مجرد الموافقة الآلية على القرارات التي تأتيهم من السلطة التنفيذية وأجهزتها, وهم مكبلون ولا يملكون ما يسمح لهم بإحداث أي تغيير في طريقة قيامهم بواجبهم الخدمي, فالمجالس السورية ( الشعب والمحليات ) مهمتها الوحيدة هي إيهام الخارج أن في سوريا مؤسسات ديمقراطية لصيقة بالشعب ومعبرة عن المجتمع عبر أعضاءه, بمعنى أنها مؤسسات صورية للتحايل ليس إلا.
النظام السياسي الرعائي المتجذر بعمق في البلاد يجهض أيما انتخابات وما سيبنى عليها, كون نظام الرعاية المتجذر والذي تكفله الدولة وتقوم بموجبه بالتوزيع الحصري للمناصب على طبقة المريدين والمرتزقين والحزبيين الملحقين بها يشكل العائق الأكبر بوجه أي إصلاح يتم الحديث عنه, فالديمقراطية تقوم على أساس سيادة القانون ومقدرة المواطنين على التأثير في الحكومة بطريقة منتظمة ومصانة وخالية من العنف, ولا تشكل الإجراءات المترافقة مع الديمقراطية الليبرالية كالانتخابات والمجالس النيابية مثلا نهاية المطاف بحد ذاتها, فهي لعبة ديمقراطية لأنها تحاول تنظيم آلية استرجاع ردود فعل الناس رسميا, بحيث تزيد من خضوع صناع القرارات إلى الإرادة السياسية المتأثرة بقراراتهم.

أما عملية نظام الرعاية فإنها تقويض من الحكومة والسلطة للإرادة الشعبية من خلال تجاوزها لإنشاء المؤسسات القوية كما لترسيخ القانون والنظام.

رغم أن المادة ( 10 ) من الدستور السوري الصادر في عام 1973تشير إلى أن مجالس الشعب مؤسسات منتخبة انتخابا ديمقراطيا ويمارس المواطنون من خلالها حقوقهم في إدارة الدولة وقيادة المجتمع, بالمقارنة نستنتج أن المادة ( 8 ) والتي تعتبر حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع تجهض المادة ( 10 ) وتشلها, فليس كل السوريين أعضاء في حزب البعث.
تحتاج سوريا في المرحلة الحالية إلى تمكين المجالس المحلية وتقويتها وتعزيز دورها كما في بعض دول الجوار, حيث تلعب المجالس المحلية والبلديات دورا تنمويا ملفتا وبالغ الأهمية, وجارنا الشمالي تركيا خير مثال على ذلك, إذ يتعدى دور المجلس البلدي في مجرد تزفيت الطرقات وجباية رسوم النظافة إلى رعاية الفعاليات الثقافية والفكرية وتنظيم المهرجانات الكبرى, وإذا ما دققنا في تصرفات وآليات عمل أثنين من رؤساء البلديات في تركيا هما السيدان : أوصمان بايدمير ( رئيس بلدية ديار بكر الكبرى ) وعبد الله دميرباش ( رئيس بلدية سور – إحدى ضواحي ديار بكر ) وما فعلاه خلال مدة قصيرة من الجانب الخدمي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي وصولا إلى اعتماد بلدية ” سور ” نهج التعددية اللغوية في تصريف شؤون البلدية ما أدى إلى استبعاد رئيسها عن رئاسة البلدية وفاقا لقرار محكمة تركية للاحظنا أن رؤساء البلديات في جارنا الشمالي يملكون كما هائلا من السلطات وحرية في التحرك والأداء وتقديم المشاريع والقيام بتصريف الأعمال, أما رئيس البلدية في سوريا فلا يتعدى دوره دور أي مستخدم صغير في دائرة حكومية مهملة.
أسئلة كثيرة يمكننا طرحها فيما الانتخابات المحلية تطرق الأبواب السورية التي يبدو أنها لن تفتح يوم 26 آب وإن فتحت سيكون ذلك بعد إقفال المراكز الانتخابية.
هل حقا تدير مجالس المحافظات والمدن والبلدات المجتمع المحلي السوري؟.
وهل حقا تسهم انتخابات الإدارة المحلية في رسم السياسات المحلية في المحافظات والمدن والبلدات السورية هذا إذا كان هنالك أصلا ما يمكن تسميته بسياسات محلية في سوريا؟.
وهل هنالك همزة وصل بين تلكم المجالس على كثرتها والمواطن السوري الذي صار يكره كل شيء أسمه بلدية أو مجلس محلي, لأنها تذكره فقط بأيام الإقطاعيين وجباة الضرائب؟.
وهل حقا ترسخ مجالس الإدارة المحلية حرية المواطن وتؤكد دوره في تحمل مسؤولياته في بناء وطنه كما يشاع في الخطاب الرسمي؟.
ونحن إذ نطرح تلكم الأسئلة وغيرها نعلم علم اليقين أن الإجابة عليها رسميا ومن قبل مريدي الخطاب الرسمي ستكون بـ ” نعم ” , ونحن سنضطر إلى القول حينها : أنتم تجانبون الصواب والدليل على ما نذهب إليه هو أنكم ترجون المواطنين العاديين وتلتمسون منهم الترشح للانتخابات المحلية وتقابلون بالرفض وتسجلون أسماء البعثيين في القوائم الانتخابية من دون علمهم في أحيان كثيرة.
ولأن المواطن السوري يعلم أن انتخابات الإدارة المحلية هي مجرد تكرار للانتخابات في السنوات السابقة, وبأن قانون انتخاب المجالس المحلية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم / 91 / تاريخ 3 / 10 / 1971 المعدل مع تعليمات الانتخابات الصادرة عام 2003 هو الناظم لعملية الانتخابات المحلية مجرد حبر على ورق, فاللامركزية المطروحة غائبة, والمرشحون نسبة 60% منهم معينون سلفا بحسب مقتضى الفقرة / 3 / من المادة / 10 / من قانون الإدارة المحلية رقم / 15 / لعام 1971 والتي أوجبت ألا تقل نسبة تمثيل الفلاحين والعمال وصغار الكسبة والحرفيين في المجالس المحلية عن / 60 / بالمائة.

وذوي الخبرات والكفاءات يتجنبون الترشح لعضوية هذه المجالس كونها لا صلاحيات لها, وأعضاء المجالس البلدية لا دور لهم, حتى أن الكثير من المواطنين لا يعلمون ما إذا كان الشخص الفلاني قد شغل موقعا في مجلس محلي أم لا, ويتأتى ذلك من غياب دوره أو بعبارة أدق تغييب دوره, وكما لم تشهد الانتخابات المحلية قبل أربع سنوات مشاركة المواطنين السوريين ترشيحا وتصويتا فإن الوضع يوم 26 آب لن يكون أفضل بكثير, بل يتوقع ألا تشهد الصناديق إلا النزر اليسير من الأوراق قياسا على انتخابات مجلس الشعب.

كل تلكم الأمور لن تشجع المواطن السوري على التصويت في الانتخابات.
نحن نعلم أننا في سوريا نملك خطابا تنمويا أسوة بالدول الأخرى, ولكن المأزق في الخطاب أنه لا يترجم إلى واقع مادي ملموس, هذا الخطاب التنموي يحتاج إلى لامركزية إدارية لكي يحقق تنمية محلية, كون اللامركزية الإدارية هي إطار تخطيطي وتنفيذي للتنمية المحلية, هذه اللامركزية الإدارية يتم الحديث عنها بمثابتها موجودة ( على مستوى الخطاب الرسمي ) ولكن لا نجدها, ولا يعرف السوريون أين تقيم, يبدو أنها موجودة فقط على صفحات كتيبات القوانين وعلى صفحات الجريدة الرسمية.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…