وجوه قامشلي التي لم تكنْها «في زيارتي السنوية إليها صيف 2019 » – 16/15

 ابراهيم محمود  
16- بورتريهات وجوه  
15″- وجه برهان محمود ” أبو شاكر ” الباحث عن وجهه
كثير من العمر مضى، ومازال ينتظر القادم من عمره، ليحسن الإقامة في حياة لم تُتَح كما يُريد، لعله مزاج خاص به، لعل انقسامه بين عمله اليدوي، وما فيه من تعب مضن ٍ، وعمله اليدوي الآخر، وهو يبث لواعجه، تداعيات روحه وخيالاتها تلوينات تتلقاها لوحاته، ويلقَّب بـ” أبو شاكر ” ويعرَف بلقبه أكثر من اسمه، رغم أنه لم يتزوج بعد. وهو ما يقلقني إزاءه. وملءُ داخلي شعور بما هو عليه من معايشة ذات مختلفة. وهو أخي الأصغر برهان محمود !
قد أعجز عن تسمية كل ما يقلق ” أبو شاكر ” أخي الصغير والكبير قدراً، ابن أمي وأبي، وهو يفترش وحدةً، أو تأخذه وحدة، كما لو أن ميثاقاً طويل الأمد بينهما في شقته التي تعنيه وحده، ويسكنها وحده، عجزٌ لا يرتد إلى عدم إدراك انشغاله بعالم يعنيه، وهو في وحدته، إنما هو الوقوف على مسافة، والنظر إلى ما يكون عليه هذا الـ” أبو شاكر ” وهو يحيل وحدته إلى كتابة بطريقته الخاصة، وميله إلى اقتناص الواقع، منكسراً، مهشماً، يسعى إلى ترميمه، وتقول لك لوحاته الكثير عن وحدته هذه، وكيفية تعامله مع نفسه، خياله، وعالمه المحيط به، وهو في مرسمه الغرفة المنتمية إلى شقته، والمطلة على شارع ” الكهاريز” التليد، وهي تسمح لكل من يمر في الجهتين، عندما يتواجد فيها، لأن ينظر إلى الداخل، وراء الواجهة البلورية، أي إلى سكّان مرسمه/ غرفته، وانغماره بكائناته اللونية المنجزة، وما يكون قيد الإنجاز، ومعاشرته إلى وقت متأخر من الليل أحياناً. ثمة ما هو كردي، حيث يعيش واقع آخر، عبر تشكيلات لونيه لوجوه وغيرها، لطبيعة داخلة وخلافها. لـ” أبو شاكر ” أخي علاقة قوية مع المنظر الطبيعي، إذ يتدبر جانباً من أمور معيشته من خلاله، دون نسيان دلالة هذا العمل: أن يبقى مع الطبيعة، وكأني به، وأنا في هذه اللحظة، أخرج اللوحة الخاصة من إطارها العادي، كأني به يخفّف ضغطاً نفسياً. فهو فيما يرسم، فيما يكتب، لا يخفي نزوعاً إلى الانسحاب من العالم، إلى رفض له، وهو في وحدته التي عمَّرت عقوداً، لا يخفي سخطاً، وأحكاماً صارمة، وما لها من حدود، نصبها لنفسه، أعني بها حدوداً تسمّي وحدته، وتحركه داخلها، ليكوّن عالمه الخاص، وارتيابه فيما حوله، أي ما يبقيه منفّراً من هذا العالم، وتكون رغبته في الحياة ذات معنى آخر، رغبة لا تجد مستقراً لها، على وقْع هذا المعيش الواقعي، وحالة ملموسة من اليأس، وانفلاقات الجاري.
في لوجه ” أبو شاكر ” هذه السمة الأسيانة، ما يدفع بالناظر إليه، وهو في صمته، إلى أن يصغي إلى ما وراء علامات الوجه، وائتناسه بوجه آخر، يخصه بصفته كاتباً وفناناً.
ثمة ألم صامت داخلي، وأنا إزاء هذا الـ” أبو شاكر ” أخي برهان محمود، الذي يصله ليله بنهاره، صحوه بنومه، مأهولاً بقلقه الخاص، وأمله الصعب في الحياة .
16″- وجه سيوان خليل مشروع روائية كردية تحتضن الحياة  

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين من المعلوم انتهى بي المطاف في العاصمة اللبنانية بيروت منذ عام ١٩٧١ ( وكنت قبل ذلك زرتها ( بطرق مختلفة قانونية وغير قانو نية ) لمرات عدة في مهام تنظيمية وسياسية ) وذلك كخيار اضطراري لسببين الأول ملاحقات وقمع نظام حافظ الأسد الدكتاتوري من جهة ، وإمكانية استمرار نضالنا في بلد مجاور لبلادنا وببيئة ديموقراطية مؤاتية ، واحتضان…

كفاح محمود مع اشتداد الاستقطاب في ملفات الأمن والهوية في الشرق الأوسط، بات إقليم كوردستان العراق لاعبًا محوريًا في تقريب وجهات النظر بين أطراف متخاصمة تاريخيًا، وعلى رأسهم تركيا وحزب العمال الكوردستاني، وسوريا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في هذا السياق، يتصدر الزعيم مسعود بارزاني المشهد كوسيط محنّك، مستفيدًا من شرعيته التاريخية وصلاته المعقدة بجميع الأطراف. ونتذكر جميعا منذ أن فشلت…

خوشناف سليمان في قراءتي لمقال الأستاذ ميخائيل عوض الموسوم بـ ( صاروخ يمني يكشف الأوهام الأكاذيب ) لا يمكنني تجاهل النبرة التي لا تزال مشبعة بثقافة المعسكر الاشتراكي القديم و تحديدًا تلك المدرسة التي خلطت الشعارات الحماسية بإهمال الواقع الموضوعي وتحوّلات العالم البنيوية. المقال رغم ما فيه من تعبير عن الغضب النبيل يُعيد إنتاج مفردات تجاوزها الزمن بل و يستحضر…

فرحان مرعي هل القضية الكردية قضية إنسانية عاطفية أم قضية سياسية؟ بعد أن (تنورز) العالم في نوروز هذا َالعام ٢٠٢٥م والذي كان بحقّ عاماً كردياً بامتياز. جميل أن نورد هنا أن نوروز قد أضيف إلى قائمة التراث الإنساني من قبل منظمة اليونسكو عام ٢٠١٠- مما يوحي تسويقه سياحياً – عالمياً فأصبح العالم يتكلم كوردي، كما أصبح الكرد ظاهرة عالمية وموضوع…