آنت الحقيقة و الصراحة مع قراءة ليكولين لتقرير لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا و الصادر بتاريخ 11/9/2019 .

بدايةً أود التوضيح أنا عماد شيخ حسن عضو مركز ليكولين للدراسات القانونية بأنه تردني حقيقةً الكثير من الانتقادات أو دعنا نسميها بالملاحظات من الاخوة و الأصدقاء بأنّ مواضيعي أو منشوراتي هي في أحيانٍ كثيرة تكون طويلة و ليست لدينا القدرة على قراءتها ، فعذرا منك .
 لهؤلاء أقول …أنا من يجب عليه الاعتذار و الوقوف عند رغبتكم و أتفق معكم تماماً إزاء هذا الأمر ، لا بل و أضيف بأنّ ما أكتبه هو جامد و مملّ أيضاً كونها مواضيع قانونية غير جديرة بالأهمية في زمنٍ استرخص القانون و همّشه ، و لكن كونوا على يقين بأنه ما باليد حيلة و هذه هي طبيعة اختصاصي تاركاً الممتع و المختصر و الملفت و بديع الصور و المغريات  لأصحابه .
فتحملوني و اكسبوا الثواب و الأجر بإرضاء خاطري و قراءة ما أكتب .
نأتي الى موضوعنا المملّ …حيث أصدرت لجنة التحقيق الدولية تقريرها الدوري الذي ستتقدم به بعد أيام  الى مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة في دورة انعقاده الثانية و الأربعين .
و قبل أن أخوض في التقرير و على ما ورد فيه و تحديداً بخصوص الأوضاع في عفرين ، أود التنويه الى نقطة أراها غاية في الأهمية في هذا الصدد .
و هي أننا حقيقةً نتحمّل جزءاً كبيرا من المسؤولية عن المضمون الضعيف و المخزي و السلبي الضار و الناكر لحقوقنا و معاناتنا في التقرير ، و أقصد هنا نحن الذين نزعم و ندعي بأننا نمارس نشاط حقوق الانسان و نجري التوثيقات و نرفعها الى الجهات المعنية بها .
نحن الذين ندعي المهنية و المصداقية زورا و بهتانا ، دون أن ندرك بأننا غارقون إلى آذاننا في أمرض الأنا الشخصية و الحزبية و الحقد تجاه المختلف معي حتى في أحلك الظروف و أشدها . 
نقول هذا لأن ليكولين على دراية تامة بهذا الواقع و عانت الأمرّين منه ، و أبت أن تقع في شرك و مصيدة المصابين بذاك الوباء .
هل تتصورون بأنّ بعض الحقد وصل لأن يتقدم البعض بتقارير تتضمن انتهاكات المختلف معه ايديولوجيا بنسبة هي اكثر بكثير من انتهاكات الفصائل و المحتل ذاته ؟ و هل تتصورون في المقابل بأن ذاك المختلف الآخر يمارس الفعل ذاته و كلاهما ينسف أدنى اعتبار أو مصداقية له أمام اللجنة و غيرها بتاج الحزبية البارز ذاك دون ان يدري .
الى متى ستبقى عفرين تدفع ثمن داء تناطحكم و خلافاتكم و أحقادكم ، ألا يكفيها ما دفعت و ما جرى لها و يجري ؟  
نكتفي بهذا دون أن ننفي أو نقلل بالطبع من شأن عدم مهنية اللجنة ذاتها و استسلامها و تبعيتها للسياسة و مصالح القوى الدولية و أجنداتها .
حقيقةً لا يستحق تقرير لجنة التحقيق هذا ، إضاعة الكثير من الوقت في مناقشته كونه صدر كالعادة و ربما أسوأ من سابقاته من التقارير بعيدا كل البعد عن تناول حقيقة الوقائع و الانتهاكات و خطورتها على الارض ، و خاصة حقيقة ما يجري في عفرين .
التقرير اختصاراً و قبل أن نأتي الى ما ورد فيه بشأن عفرين ،  أشار الى أن العمليات و الهجمات العشوائية دون اتخاذ الاحتياطات الممكنة و التدابير اللازمة في التخطيط لتلك العمليات و تنفيذها من قبل قوات التحالف الدولي و قوات سوريا الديمقراطية اسفر عن حالات قتل و إصابات في صفوف المدنيين بالشكل الذي يمكن اعتباره سندا للقانون الدولي الانساني ارتكاباً منها لجرائم الحرب ( الفقرات  ٣١ ، ٣٨ من التقرير ) .
التقرير جاء على أن القوات الحكومية السورية و الموالية لها استهدفت المنشآت الطبية بشكل ممنهج ، مما يضعها في مسؤولية ارتكابها لجرائم الحرب المتمثلة في الهجوم المتعمد على الاعيان المحمية و مهاجمة العاملين الطبيين عن قصد ( الفقرة ٥٢ ) .
بالنسبة لعفرين ….
اختصت الفقرات (١٦) و ( الفقرة من ٥٥ و حتى ٦٦ من التقرير ) بالإشارة الى الأوضاع في عفرين .
حيث اتت الفقرة ( ١٦) بداية لتنفي عبر استخدام مصطلح ( الحرب الغير متماثلة ) الى استبعاد و نفي الوجود التركي و صفته في عفرين  ، كما اكدت في المقابل و دعما لنفي صفة الوجود و الاحتلال عن تركيا ، على ستمرار اعمال قتالية من قبل غرفة عمليات غصن الزيتون و ما تسمى بقوات تحرير عفرين المرتبطتين بوحدات حماية الشعب من جهة و بين الفصائل المرتبطة بالجيش الحر .
بالنسبة للفقرات الأخرى الخاصة بعفرين فقد كانت جميعها حريصة على عدم إظهار أي دور لتركيا في عفرين و الاوضاع فيها . حيث سعت لترسيخ فكرة أن الفصائل هي المسيطرة و تتنازع فيما بينها على مناطق النفوذ جغرافياً و حتى أن اسلوب تناولها لتلك الفصائل و ممارساتها كان صادما ، حيث تجاهلت تماما ارتباطها بتركيا و الإئتلاف المعارض ، كما اكتفت بذكر الجزء اليسير جداً من نوعية و أوصاف ممارساتها ، فالتقرير و إن جاء على ذكر حالات الخطف و التوقيف و الاحتجاز و التعذيب و منع النازحين من العودة و فرض الضرائب و النسب المئوية على المحاصيل و حالات التحرش و فرض القيود على النساء ، إلا أن اللجنة تصوروا أنها ختمت جميع تلك الحالات بأن التقارير التي تردها تشير الى وقوع ذلك و لم تتثبت بعد من وقوع الكثير منها حقيقة .
فما بالنا في إغفالها التام لحقيقة جرائم التهجير القسري و التطهير العرقي و الفصل العنصري و بناء الجدار و الابادة  التي تسعى من خلالها جميعها إحداث التغيير الديموغرافي للمنطقة و تجريدها من خصوصيتها الكوردية .
حرص التقرير على ابعاد تركيا من المشهد و المسؤولية ظهر فاضحاً و جلياً أكثر في ( الفقرة ٦٤ من التقرير ) بالتأكيد على أن اللجنة لم تتلقى أي تقرير يؤكد بأن السلطات التركية قادرة على السيطرة على التصرفات المسيئة للماعات المسلحة أو انها ترغب في ذلك . و هذا على الأقل بالنسبة لليكولين عار عن الصحة تماماً ، فليكولين وحدها قدمت لها مئات الادلة و الوثائق التي تثبت الدور التركي في عفرين .
اللجنة لا تسعى بتلك العبارات آلا لإخراج تركيا من نطاق المادة (٤٢) من اتفاقية لاهاي لعام ١٩٠٧ و شرطي ثبوت الاحتلال المتمثلين اختصارا في شرط السيطرة على الاقليم و القدرة على ادارته .
اضف الى ذلك نقطة اخرى تجاهلها التقرير تماما و هي غاية في الغرابة ايضاً و التي هي الأوضاع الانسانية و المأساوية لمئات الالاف من النازحين قسرا من عفرين و المشردون على تخومها و في المخيمات و غيرها ، علما أنها لم تسهو في المقابل عن ذكر المخيمات الاخرى و المخيمات التي يتواجد فيها الدواعش و اسرهم .
نكتفي بهذا القدر و لا يسعنا الا ان نختم القول بأن التقرير هو وصمة عار و قذارة عل جبين المؤسسة الأممية و لجتنتها و مختلف آلياتها ، و مدعاة إحباط و اسف لنا كقانونيين عل هذا الواقع .
مركز ليكولين للدراسات القانونية 
ألمانيا ١٢/٩/٢٠١٩ . 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…