وجوه قامشلي التي لم تكنْها «في زيارتي السنوية إليها صيف 2019 » – 16/11

ابراهيم محمود  
16- بورتريهات وجوه  
11-” وجه عبدالغني ليلي، يحضرك حين الطلب
للصديق عبدالغني ليلي الذي كنا هو وإياي نسكن في حي واحد: الكورنيش، ولبيته المطل على شارع السياحي في الطابق الرابع ألفته، وجمال النظر حيث تمتد فسحة تمكنّك من أن ترى الكثير مما يجري، وتقدّر هذا الجاري والدائر من خلال شارعه العريض، بوجهته الشمالية. لم يعد لهذا البيت وجود، لأنه كغيره لم يعد موجوداً، وقد أصبح مقيماً لندنياً وموظفاً انكليزياً ذا شأن. إنه اختلال آخر في بنية العلاقات القامشلاوية، قراءة أخرى في تصدع الجاري قامشلاوياً.
أن يكون أحدهم صديقك، يأتيك حين الطلب، يمد لك يد المساعدة عند اللزوم، فليس باليسير العثور عليه، دوام الإقامة في نطاق صحبته، الترويح عن النفس وقت الشدَّة. وأنا لا أتحدث هنا عن المساعدة المادية حصراً، إنما الإئتناس، وسماحة الروح ولطف المعشر، والحضور الاجتماعي الذي يسهل التنكر له، من زاوية ضيقة. سوى أن هذا الوجه ، وجه صديق آخر، في موقع آخر، وضمن اعتبار آخر، بتصور نفسي آخر، يشار إليه على صعيد آخر، وهو قدرته على تقديم مساعدة لمن يحتاجها على الصعيد المعلوماتي الالكتروني، فهو أول من افتتح مركزاً معلوماتياً في بلد، في مدينة، منذ أكثر من عقدين من الزمان، ليس من السهولة بمكان افتتاحه، لأكثر من سبب، أترك جانب معرفته لمن يهمه أمره. بطريقته التي تسهّل له مهام عمله ” مركز الباسل للمعلوماتية “، وهو اسم لا يترَك دون مساءلة عن بنيته، عن مغزاه، حيث الطابع الخدماتي لهذا المركز لمن يقصده ومن أهل الكتابة، ولتيسير أموره، كان يشير إليه.
لكم ” خدمني ” هذا المركز، واستجاب لطلباتي وما كان أكثرها، وأنا المحدود خبرة جهة استعمال الكومبيوتر واتصالاته، أو التواصل مع ” الخارج ” من الناحية الثقافية، وما كان في وسعي القيام بالكثير مما يعنيني دون الاعتماد على هذا المركز، وما كنت الوحيد في ميدانه .
لكم تلمست حضوراً لعالم آخر، بأكثر من لغة من خلاله، عبر مركزه،واغتنيت بذلك !
 
 ” صورة تذكارية مع الصديق ليلي، حين زارني في دهوك شتاء 2018، قادماً من لندن. الصورة الملتقطة أمام واجهة المبني الذي أعمل فيه في جامعة دهوك “
لوجه الصديق الاجتماعي الثقافي المعلوماتي بجلاء، ما يليق به لأن يؤتى على ذكره، ما يستحق النظر فيه، وأي فراغ تركه وراءه، حيث كان المركز أبعد من كونه مجرد مركز وظيفي محدد، أو خدمي بالمقابل، إنما محل لقاءات، وفي موقع يغري بالتوجه نحوه والصعود إليه، وهو في جمال ديكوره، وقابليته لأن يريج الداخل فيه، وهنا أتحدث عن الفاعل النفسي، وكرم الضيافة، والترحيب بابتسامة، ولباقة الكلام، إنما ما هو أكثر من ذلك، وهو في تقديمه لعروض سينمائية، بشكل دوري، حيث يتم اختيار فلم أجنبي إجمالاً، فيلم غير مترجم، وعلى الذين يحضرونه الاستعداد لمتطلبات الفيلم، وهم تنوع، وهذه لفتة اجتماعية مقدَّرة، ومشاهدة الفيلم، ويكون هناك تقديم له، ومن ثم مناقشته، لتكون هذه المناقشة جامعة وجوه، فاعلة تعميق ألفة اجتماعية بالصوت والصورة، دون نسيان ضيافة تزيد في حماس النقاش والتهيؤ للمشاركة. ليأتي ما سبب خللاً في كل شيء، ليأتي ما كان عليه ألا يأتي بالطريقة التي عرِف بها، وقد تشتت ” القوم ” القامشلاوي، وما أكثر الوجوه التي لم تعد قادرة على معايشة هذا المستجد وسط طفح وجوه، ليس لها صلة وصل بما أشرتُ إليه، وليكون الصديق عبدالغني ليلي بدوره هذا الداء الذي حمَّل بكثيرين على مغادرة البيت، والشعور بأنه ضيَّق عليه الخناق، مكان العمل، ولمة الأصدقاء الذين كانوا يلتقونه أو يجتمع بهم دورياً في مكان حميم، بيت أحدنا في كل مرة، وما كان في ذلك من شعور بدفق الزمن والتكيف معه، ونسيان وطأة القائم هنا وهناك.
أعيش شعوراً يتملكني ويحفّزني على تسميته في هذا المقام الموتّر، أن كورنيش الحي لم يعد كورنيش الحي، حيث الطريق المار بجوار بيته، لم يعد سالكاً، حيث وجه عبدالغني ليلي الذي كان يطل عالياً لم يعد موجوداً، وكذلك مركزه الذي كان انطوى على نفسه وأي انطواء؟!
……….. يتبع
12″- وجه د. أنطوان أبرط، الإشراقة الودّية 
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين من المعلوم انتهى بي المطاف في العاصمة اللبنانية بيروت منذ عام ١٩٧١ ( وكنت قبل ذلك زرتها ( بطرق مختلفة قانونية وغير قانو نية ) لمرات عدة في مهام تنظيمية وسياسية ) وذلك كخيار اضطراري لسببين الأول ملاحقات وقمع نظام حافظ الأسد الدكتاتوري من جهة ، وإمكانية استمرار نضالنا في بلد مجاور لبلادنا وببيئة ديموقراطية مؤاتية ، واحتضان…

كفاح محمود مع اشتداد الاستقطاب في ملفات الأمن والهوية في الشرق الأوسط، بات إقليم كوردستان العراق لاعبًا محوريًا في تقريب وجهات النظر بين أطراف متخاصمة تاريخيًا، وعلى رأسهم تركيا وحزب العمال الكوردستاني، وسوريا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في هذا السياق، يتصدر الزعيم مسعود بارزاني المشهد كوسيط محنّك، مستفيدًا من شرعيته التاريخية وصلاته المعقدة بجميع الأطراف. ونتذكر جميعا منذ أن فشلت…

خوشناف سليمان في قراءتي لمقال الأستاذ ميخائيل عوض الموسوم بـ ( صاروخ يمني يكشف الأوهام الأكاذيب ) لا يمكنني تجاهل النبرة التي لا تزال مشبعة بثقافة المعسكر الاشتراكي القديم و تحديدًا تلك المدرسة التي خلطت الشعارات الحماسية بإهمال الواقع الموضوعي وتحوّلات العالم البنيوية. المقال رغم ما فيه من تعبير عن الغضب النبيل يُعيد إنتاج مفردات تجاوزها الزمن بل و يستحضر…

فرحان مرعي هل القضية الكردية قضية إنسانية عاطفية أم قضية سياسية؟ بعد أن (تنورز) العالم في نوروز هذا َالعام ٢٠٢٥م والذي كان بحقّ عاماً كردياً بامتياز. جميل أن نورد هنا أن نوروز قد أضيف إلى قائمة التراث الإنساني من قبل منظمة اليونسكو عام ٢٠١٠- مما يوحي تسويقه سياحياً – عالمياً فأصبح العالم يتكلم كوردي، كما أصبح الكرد ظاهرة عالمية وموضوع…