اكرم حسين
من المعلوم للقاصي والداني بان الاوضاع في سورية قد وصلت الى حالة من الاستنقاع والتعقيد، بحيث بات مصير الشعب والجغرافيا بيد القوى الدولية امريكا وروسيا وكذلك الاقليمية تركيا وايران وقطر والسعودية، وباتت صراعات هذه الدول تتم من قبل القوى المسلحة الموالية لها ، واحيانا بشكل مباشر من قبل هذه الاطراف نفسها في ظل سيادة التطرف والارهاب، وغياب القوى الوطنية العلمانية منها والديمقراطية حيث بات الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة اسير بعض القوى الاقليمية مثل السعودية وتركيا،
والتي لعبت دورا خطيرا في تأزيم الوضع السوري بعد احتلالها لمناطق درع الفرات (الباب وجرابلس واعزاز) وغصن الزيتون (عفرين) في ظل غياب أي مشروع جدي للحل السياسي من قبل المجتمع الدولي، وتعثر مساري استانة وسوتشي ، والفشل في تشكيل اللجنة الدستورية ، وبما ان الوضع الكردي هو جزء من هذه الازمة يؤثر ويتأثر بها ويعيش المخاطر الناجمة عنها في ظل تنامي حالة العداء داخليا واقليميا وخاصة الجانب التركي وتهديدات رئيسه باجتياح شرق الفرات (روج افاي كردستان) وغياب ادنى مستويات التفاهم كرديا. فان الحاجة الى صياغة موقف كردي متوازن في اطار البحث عن حلول للازمة السورية والظفر بالحقوق القومية للشعب الكردي في سوريا يصبح اليوم ضرورة لا غنى عنها كي لا ينتحر الكرد على المتاريس ، ويستعيدوا دورهم المفقود، ويساهموا في بناء وطنهم وازدهاره هذا الوطن رغم انه غير نهائي ضمن المعطيات التاريخية لكنه حقيقي وواقعي ضمن راهنية الحدث السوري ووقائعه العنيدة .
ان نقطة الانطلاق يجب ان تبدأ من التأكيد على حق الشعب الكردي في تقرير مصيره بالشكل الذي يرتئيه بما في ذلك الانفصال التام تبعا للحالة العيانية الملموسة التي يعيشها وصولا الى اقامة دولة كردستان الكبرى ، ومساهمة في فتح باب النقاش والعمل على بلورة موقف وطني كردي وازن ينطلق من الاجابة على اسئلة الواقع السوري في تحدياته الراهنة على المستويين الوطني السوري والكردي ايضاً ، واخيرا القومي الكردستاني ، وانطلاقا من كل ذلك، وباختصار شديد يمكن القول ورغم الحديث عن وحدة سوريا والعمل في اطار الدولة السورية فان معظم الكرد يرغبون في قرارة انفسهم بتقسيم سوريا واقامة كيان كردي على الجزء الكردستاني الملحق بسوريا بموجب اتفاقية سايكس بيكو(كردستان سوريا او روجا فاي كردستان)، لكن الرغبة شيء والوقائع العنيدة على الارض شيء اخر، وهذا ما يدفع جميع الاطراف الكردية الى التأكيد على وحدة سوريا والعمل في اطارها ، وبالتالي فان خيارات الكرد العملية والواقعية في الوقت الراهن تكمن في العمل مع المعارضة السورية ومع الدول الاقليمية والدولية من اجل انهاء كافة اشكال الاستبداد وانجاز الحل السياسي الذي ينشده جميع السوريين واقامة دولتهم الديمقراطية التعددية والعلمانية والتي تقر بحقوق جميع مكوناتها القومية والدينية في اطار نوع من اللامركزية السياسية ، واستنادا على هذا الفهم ارى بانه يجب تكثيف جهود الكرد مع جميع السوريين الاخرين المقتنعين بهذه الفكرة لا بل يستطيع الكرد ان يلعبوا اليوم دورا رئيسا في الوصول الى هذا الهدف لان فكرة انشاء كيان منفصل في ظل موازيين القوى الحالية والرفض التركي والسوري معا لا يمكن له ان يرى النور رغم ان متطلبات بناء هذا الكيان قائمة واقعياً اليوم ، رغم كل ما يمكن ان يقال عن تجربة الادارة الذاتية الاحادية والتي استطاع حزب الاتحاد الديمقراطي تأسيسها بمفرده ورغم كل اللغط الذي رافقها وما اعتراها من قمع واستبداد وتفرد.
المشكلة الاخرى هي ان هناك حالة غريبة وغير مفهومة واستمرارية لخطابها الأيديولوجي الغيرقابل للنقاش من قبل المعارضة السورية تجاه ان يستعيد الكرد السوريون حقوقهم القومية ويكون لهم شكل من اشكال الادارة الذاتية او الحكم الذاتي او أي شكل اخر من اللامركزية في اطار جمهورية سورية الاتحادية .
ما المشكلة في ان يكون للكرد السوريين شكل من اشكال الكيان في المناطق الكردستانية – اقليم كردستاني- وفي اطار الدولة السورية وعبر حدودها . هل هذا غريب عن منطق الاشياء وحقوق الشعوب ؟ الا يدعم هؤلاء حقوق الشعب الفلسطيني في اقامة دولتهم ؟ الم يدعموا حق جنوب السودان في الانفصال ؟ اين تكمن مشكلة هؤلاء المعارضين الديمقراطين الذين يدعون الحرص على مناصرة وحقوق الشعوب والانسان ؟
الم تكن هذه المناطق يوما ما جزءا من كردستان التاريخية وابان العهد العثماني وطوال التاريخ الحديث على الاقل لكنها الحقت بالدولة السورية بعد قيامها بموجب سايكس بيكو
من واجب جميع السوريين ان يحترموا حق الكرد السوريين في تقرير مصيرهم فعندما تنظر الى الجغرافيا وطبيعة السكان فانك ستجد اختلافا بين هؤلاء وبين سكان ادلب ودمشق والساحل ودرعا ؟ ما الذي يجمع هؤلاء سواء على صعيد العادات والتقاليد والثقافة و اللغة وحتى الدين الاسلامي الذي ينتمي اليه البعض. فدين الكرد هو دين اعتدالي وغير راديكالي بعكس الاخرين الذين يتبنون الراديكالية الاسلامية وفكر جبهة النصرة وداعش ؟
ورغم كل ذلك نجد أن ارادة السكان الكرد في المناطق الكردستانية واضحة في البقاء كما اسلفنا في اطار الوطن السوري بعيدا عن العودة الى الوضع السابق الذي كانوا يعيشونه قبل عام 2011 والذي لم يجلب لسورية وشعبها سوى الويلات والدمار ولم يجلب لاحد لا المنفعة ولا الرفاه .
يعي الكرد جيدا بان السياسة الاقليمية والدولية لا تدعم خيار الانفصال لان من شأن هذ الامر ان يغير الكثير من المعادلات والخطط القائمة فضلا عن المصاعب القانونية التي قد تواجهها وايضا المصاعب الاقتصادية والادارية والتي تشمل توفير الموارد واعادة الاعمار وتكوين المؤسسات وتقديم الخدمات وتجهيز البنية التحتية لان المنطقة الكردستانية قدعانت من الاهمال والتهميش المتعمد بسبب الذهنية الشوفينية للحكم . هذه المصاعب يعيها الكرد السوريون تماما ً ولذلك لا يدعون الى الانفصال اليوم لكن كل هذه المصاعب يجب ان لا تكون مبررا لحرمان الكرد من حقهم في تقرير مصيرهم ان هم ارادوا الانفصال فهذا حق طبيعي مثلهم مثل أي شعب اخر
وبعيدا عن السردية التاريخية للوطنية الكردية وما حدث لها من تقسيمات واحداث استثنائية ادت الى المأل الذي هي فيه دون أي انتقاد لوقائعها فان واجبات كرد سوريا تجاه الاجزاء الاخرى لا بل تجاه الوجود الكردي الخارجي برمته هو دعم ومساندة هؤلاء واحترام خصوصياتهم في كل جزء او دولة دون الدخول في التفاصيل الخاصة بهم والاوضاع التي تحيط بهم وبالتالي هم يقررون ما يريدونه في هذه الاجزاء دون وصاية او املاءات من الاجزاء الاخرى او الصراع الايديولوجي المأزوم وهذا لا يعني ان لا نناقش مع هؤلاء وضع استراتيجية للأمن الوطني الكردستاني والعمل عليها مع اخذ خصوصية وظروف كل جزء بعين الاعتبار لا بل يمكن ان تنشأ مرجعية للعمل الوطني الكردستاني لإدارة الاختلافات واجراء التنسيق اللازم
يجب ان لا نختبئ خلف اصابعنا بالقول باننا لا نريد كردستان مستقلة وموحدة لان هذا الحلم هو الهاجس الذي يراود ذهن كل كردي رغم استحالة تحققه في الوقت الراهن والى ان يتحقق هذا الحلم على الكرد العمل في اطار الدول التي يعيشون في ظلها والمشاركة في النضالات الوطنية والديمقراطية للسير بهذه الدول الى الحداثة والديمقراطية وتحقيق دولة المواطنة المتساوية والتي تقر بحقوق جميع افرادها ومكوناتها على قدم المساواة وبعيدا على الهيمنة والانتقاص .
وضمن المعطيات القائمة وبعد كل هذه السنوات الثمان يمكن القول على الكرد والمعارضة الاخرى التلاقي معا على هدف محدد ان لم يكن على اسقاط النظام لأنه غير متاح بسبب الاوضاع القائمة والتدخلات الاقليمية والدولية . فان الخيار المناسب هو الاتفاق على خلق اوضاع جديدة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بحيث تكون امنة ومستقرة وتنعم بالحرية والديمقراطية وتعترف بحقوق جميع المكونات الى ان يتم انجاز الحل السياسي وفق القرار 2254.