مؤتمر لتوحيد الأسماء الجغرافية في العالم

        
سوز قاسملو

انطلاقاً من حق كل شعب في التصدّي للمساعي التي من شأنها العبث بتاريخها   المتمثّلة بمعالمها ومدنها وقراها وأحيائها التي فنى الأجداد أنفسهم في سبيل الحفاظ عليها لإيصالها إلى الأجيال المتعاقبة سليمة وحيّة على مدى العهود كي يقوموا بإيصالها ـ من بعدهم ـ إلى الأجيال التي تليهم مكللة بالتسميّات التي ارتبطت حينئذٍ بالأحداث التي جرت آنذاك وبالأبطال الذين ضحوا في الدفاع عن تلك المعالم؛ انطلاقاً من كل ذلك لابدّ لكل إنسان مؤمن بقضيّة شعبه وأمته بتاريخها الطويل وحضارتها العريقة، أن يستنكر كل محاولة لطمس تاريخ كل شعب تجذّرت شروشه في الأرض التي طالما أحيا عليها كل وجوده عبر سنواتٍ وعقود وقرون مريرة.
استهلُّ المقالة بهذه المقدمة، أخي القارئ،  كي تعي المخاطر التي تحويها الأسطر القليلة القادمة…
فقد جاء المؤتمر الدولي التاسع لتوحيد الأسماء الجغرافية في العالم الذي يُعقد منذ أيام في الأمم المتحدة ويستمر حتى الثلاثين من الشهر الجاري؛ جاء باستنكار مندوبي الدول العربية في الأمم المتحدة لمحاولة اسرائيل  للقيام بتغيير أسماء الأماكن والمعالم في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها الجولان والضفة الغربية وفرض أسماء عبرية عليها ( أي عَبرنتها )، وقد تصدّت لتلك المحاولات الدول الإسلامية والعربية ودول عدم الانحياز لا بل واتفقت على القيام بخطة عمل تستنهض الدعم الدولي لمواجهة تلك المساعي على حد تصريح “يحيى محمصاني”  مندوب جامعة الدول العربية لدى الأمم المتحدة لإحدى القنوات العربية …
ولكن المفارقة الحقيقية تبدو جليّة وواضحة في استنكار” بشار الجعفري” مندوب سورية لدى الأمم المتحدة في تصريحاته التي تناقلتها بعض القنوات الإخبارية بقوله:
“إن المسعى الإسرائيلي الجديد يهدف إلى كسر القاعدة التي أقرّتها الأمم المتحدة في عام 1977 والتي تطالب الدول باحترام المسميات الجغرافية لبلدانها ومناطقها” !!!
وكذلك قوله:
“إن الكيان الإسرائيلي يحاول حالياً وبشتى الطرق تمرير مقولة: إن كل دولة لها الحق والحرية في أن تصدر للآخرين في المجتمع الدولي مسمياتها الجغرافية لإقليمها الوطني” !!!!!
 قبل أن أعلّق على كلام مندوب سورية (بشار الجعفري) أودُّ التأكيد بأنّي استنكر ،وبشدّة، سعي إسرائيل لتغيير أسماء المناطق الفلسطينية واستبدالها بأسماء عبرية مهما كانت الأهداف والأسباب.


وتعليقي هو كالتالي:
إذا كانت إسرائيل تسعى لكسر قاعدة  الأمم المتحدة المنصوص عليها لعام 1977 فقد قامت بلاده [سورية] بتحطيم تلك القاعدة وخرقها منذ عقود في مناطقها لاسيما في منطقة الجزيرة السورية  [محافظة الحسكة] وذلك بطمس الأسماء الكردية للمدن والقرى والمعالم التاريخية الكردية لتلك المناطق واستعاضتها بأسماء أخرى عربية  بغية تعريبها، ومنها:
ـ استعاضت اسم منطقة ( تربي سبي ) بـ القحطانية حين لم تستطع أن تشفي غليلها باسم  (القبور البيض) الذي غيّرته للمرة الأولى قبل أكثر من ثلاثة عقود  كونه ترجمة حرفية لاسم المنطقة الحقيقي إلى العربية فقامت باستبداله بالقحطانية مرة ثانية لأنها تحمل دلالات عربية أكثر.
ـ  وكذلك منطقة (ديرك) بـ المالكية، ومنطقة ( سَري كاني) بـ رأس العين، وبلدة ( ﭽـل آغا: ﭽَلَغَه) بـ الجوادية، و غيرها من المئات..

المئات من البلدات والقرى والنواحي بالإضافة إلى مئات الآلاف من الأحياء والشوارع المُبدلة أسماءها والمستعاضة بأسماء عربية تحمل أسماء مناطق ومدن وقرى دولٍ عربية مثل ..القدس ويافا والنجف وكربلاء ..فحدّث ولا حرج!!!
كيف يمكن لبلدٍ يدافع عن المناطق التي قامت إسرائيل باقتطاعها منها مثل الجولان ويتصدّى لأية محاولة لتزييف الوقائع والحقائق التي تخدش عروبتها في المحافل الدولية والمؤتمرات العالمية مثلما فعلت في هذا المؤتمر الآنف الذكر؛ وتتغاضى في الوقت ذاته عمّا تفعله من طمس للمعالم التاريخية الكردية واستنكار للهوية الكردية وللوجود الكردي وإخفاء وتشويه للحقائق والوقائع في عقر دارها، كما تواظب أيضاً على ممارسة ازدواجية المعايير في كل ما يتعلق بالقضية الكردية والوجود الكردي داخلها وتتغاضى عن ذلك بمبررات غير سائغة ولا محل لها من الإعراب، فكيف يجتمع الضدان معاً؟؟!!
إذا كانت إسرائيل لا تُخفي قيامها بتمرير مقولة:(إن لكل دولة الحق والحرية في إصدار مسمياتها الجغرافية لإقليمها الوطني) فأين سورية من اعترافٍ كهذا فيما تفعله داخل بلادها من تشويهٍ لأسماء المناطق الكردية وعَربَنَتها؟؟!!
إذا كان هدف إسرائيل في هذا المشروع الاستيطاني مرتبط بتزمت  إيديولوجي ديني سياسي كما صرّح ” رياض منصور” مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة أمام إحدى القنوات الإخبارية؛ فما هو هدف سوريا من تلك الإجراءات التي تمارسها بحق الكرد في مناطقهم؟؟ ومن أي منطلقٍ تنطلق في تبجحها هذا بحق الكرد والقضية الكردية؟؟!!
إذا كانت سورية ترفض وتستنكر وتعارض كل المشاريع العنصرية الإسرائيلية الهادفة إلى تغيير الأسماء العربية للضفة والجولان، فلابدّ لها من أن تلتفت إلى الوراء لتعيد تصحيح ما ارتكبته هي من أخطاء بحق كُردها لإعادة الأسماء الحقيقية للمناطق والمعالم الكردية التي عمدت إلى تغيير أسماءها سابقاً، وإلا فإن مشاركتها في هذا المؤتمر مُخزٍ ومعيب لأنه لا يجتمع الباطل والحق معاً في تحقيق أمرٍ واحد.

 
وأخيراً وليس آخراً ينبغي علينا طرح بعضاً من الأسئلة الهامة التالية على كل من تهمه أمر القضية الكردية في سورية:
 ـ ما موقف دول عدم الانحياز والدول الإسلامية ومندوبي وسفراء الدول العربية من ممارسات سورية تجاه تغيير ديموغرافية الكرد من خلال تغيير أسماء المناطق الكردية وتعريبها بما أنّها مازالت تناقش وتضع الخطط للتصدّي لإسرائيل لردعها من ممارسات كهذه؟؟!!
ـ أين يكمن موقع الكرد السوريين من الخطط الجادة لتلك الدول للوقوف في وجه كل المخططات والمشاريع الشوفينية التي تستمر في طمس هويتها التاريخية وتزييف حضارتها التي بلغت من العمر قروناً كغيرها من الأمم المُعمّرة ؟؟!!
ـ ألا يُعتبر الكُرد شعبٌ مورست بحقه الكثير من المظالم التاريخية ومنها هذه القضية التي تعقد الاجتماعات والمؤتمرات بشأنها للوصول إلى حلول ناجعة لها لتخليصها من سياسات التعريب والتتريك والتفريس في ظل الحكومات العربية والتركية والفارسية التي تحكمها.
وفي ظل هذه الأجواء الداكنة الضبابية لابدّ للحركة الكردية في سورية من التحرك لإيصال رسالةً لهذا المؤتمر تتضمن المطالبة بحق الكرد في استعادة الأسماء المُغيّبة لمناطقهم قبل عقود واعتبارها كواحدة من الشعوب التي لها الحق في الحفاظ على تاريخها وحضارتها، ولابدّ للحركة أيضاً من أن تستنهض الدعم الدولي كافةً بما فيها دول عدم الانحياز والدول الإسلامية العربية بغية حل قضية إعادة الأسماء الكردية للمناطق الكردية المُعرّبة في منطقة الجزيرة السوريّة، والوقوف في وجه كل من يسعى إلى تغيير وتزييف الحقائق وتشويه تاريخ وحضارة أي شعب من شعوب العالم إيماناً بضرورة احترام تاريخ الشعوب وحضاراتها.

 
      

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

أزاد فتحي خليل*   لم تكن الثورة السورية مجرّد احتجاج شعبي ضد استبداد عمره عقود، بل كانت انفجاراً سياسياً واجتماعياً لأمة ظلت مقموعة تحت قبضة حكم الفرد الواحد منذ ولادة الدولة الحديثة. فمنذ تأسيس الجمهورية السورية بعد الاستقلال عام 1946، سُلب القرار من يد الشعب وتحوّلت الدولة إلى حلبة صراع بين الانقلابات والنخب العسكرية، قبل أن يستقر الحكم بيد…

بوتان زيباري   في خضم هذا العصر المضطرب، حيث تتداخل الخطوط بين السيادة والخضوع، وبين الاستقلال والتبعية، تطفو على السطح أسئلة وجودية تُقلب موازين السياسة وتكشف عن تناقضاتها. فهل يمكن لدولة أن تحافظ على قرارها السيادي بين فكي كماشة القوى العظمى؟ وهل تُصنع القرارات في العواصم الصاعدة أم تُفرض من مراكز النفوذ العالمية؟ هذه التساؤلات ليست مجرد تنظير فلسفي،…

د. محمود عباس   لا يزال بعض الكتّاب العنصريين، ولا سيما أولئك الذين يختبئون خلف أسماء مستعارة، يتسكّعون في فضاءات بعض المواقع العربية، لا ليُغنوا النقاش ولا ليُثروا الحوار، بل ليُفسدوه بسموم مأجورة، تعيد إنتاج خطابٍ مريض يستهدف الكورد، هويتهم، وقضيتهم، بلهجةٍ مشبعة بروح بعثية أو طورانية حينًا، وبخطابٍ ديني شوفيني متكلّس حينًا آخر. هؤلاء لا يهاجمون فكرًا ولا يناقشون…

علي شمدين مع سماعنا للتصريحات الإيجابية التي أدلت بها، بعد انتظار طويل، رئاسة المجلس الوطني الكردي في سوريا، بات الطريق مفتوحاً أمام انعقاد المؤتمر الكردي في سوريا، الذي سوف تشارك فيه أوسع قاعدة جماهيرية، وينبثق عنه موقف كردي موحد ووفد مشترك يمثل مختلف أطراف الحركة الكردية في سوريا. لا نريد العودة إلى أسباب هذا التأخير والتي كادت أن تفوت هذه…