د. محمود عباس
تتمة كردية الأحزاب:
من واجبات الحركات السياسية والثقافية عند جميع الشعوب الحفاظ على هويتها القومية بعيدا عن العنصرية، ولكن الأحزاب العربية لتشربها ثقافة السيادة والموالي من السلطات الإسلامية المتعاقبة، والتي كانت قومية عربية عنصرية منذ نشوئها، لم تستطع أن تتقبل المنطق والبعد الوطني والشراكة مع الشعوب الأخرى وخاصة مع الكرد، وعندما هيمنوا على السلطة وضعوا حراكنا تحت المراقبة المتواصلة والتهديد المستمر، وخلال السنوات الماضية بعدما ضعفت المربعات الأمنية ولم تتمكن المعارضة التكفيرية من السيطرة على المنطقة الكردية، تحولتا إلى استخدام أساليب ملتوية، ذكرناها في الحلقات الماضية، ومن بينها أتهام الحراك الكردي بالعنصرية.
وجميعنا يعلم أن من أبسط مهام الأحزاب (الكردية) مثلها مثل غيرها من حركات التحرر العالمية، الحفاظ على الهوية القومية بكل السبل، ومن بينها ترسيخ كلمة الكرد أو الكردية أو الكردستانية ضمن أسماءها، ضد طغيان التعريب أو الاستعراب بلغة الإسلام السياسي، وللحد من محاولات إذابة الهوية والقضية. وتجربة الأنظمة العروبية الإسلامية مع أغلبية الشعوب السورية واللبنانية وقسم واسع من الأمازيغ والقبط، وشريحة غير قليلة من الكرد، ماثلة أمامنا، والكل يعلم كيف حاولت السلطات الشمولية بكل الوسائل طمس هذه الحقيقة من جهة، وتفعيلها بدون توقف من جهة أخرى، فقد عملت على حظر تسمية أطفال الكرد بالأسماء الكردية، وعربت أسماء القرى والمدن والمناطق الكردية، وتم معاقبتنا في المدارس عندما كنا نتحدث الكردية تحت حجة تعلم اللغة العربية، وغيرها الكثير، فتهجمهم في هذه المرحلة على الأحزاب الكردية يأتي من هذا المنطلق.
ومؤامرات القضاء على هوية جنوب غربي كردستان لها تاريخ طويل، فرزت لها مؤسسات علمية وسياسية وأمنية متعددة التخصصات، وتم توظيف العديد من المثقفين والباحثين لتحريف التاريخ الكردي، ومنها تقديم دراسات وأبحاث ضحلة عن ديمغرافية جنوب غربي كردستان، والنسب السكانية فيها مقارنة بالمكون العربي القادم من شمال شبه الجزيرة العربية في بدايات القرن الماضي، وقد كتبنا عن هذا مطولا. ومجموعات مهمتها نقل الصراع ما بين السلطات والحراك الكردي إلى الصراع بين الحراك الثقافي العربي والكردي، واليوم يودون إثارة الصراع بين الشعبين.
كما وجندت في العقود الأخيرة شريحة مهمتها خلق الخلافات بين الشعوب السورية الأخرى كالسريان والأشوريين، وبين الكرد، أو إقناع بعض البسطاء أو المستعربين من هذه الشعوب العريقة إلى جانبهم لمعاداة الكرد، وفي الفترة الأخيرة تنشطت أقلام ضمن هذا الوسط، إعلاميا وسياسيا، فتمكنوا إلى حد ما من تغيير مفاهيم البعض، بينهم اليوم شخصيات ضمن الائتلاف الوطني السوري ومنهم في السلطة، فتناسى هؤلاء أو نسوا أن عدوهم القومي والديني والذين دمروا ويدمرون ثقافتهم، وأذابوا تقريبا لغاتهم ومنها لغة المسيح، هي نفس السلطات التي تغتصب اليوم أرض كردستان.
فلئلا ينجحوا في مشاريعهم هذه ضد الشعب الكردي كانت على الأحزاب الكردية استخدام عدة طرق، منها إرفاق كلمة الكرد، الكردي، الكردستاني، أي الصفة القومية أو الأمة بأسمائها، كتذكير ومواجهة لما يجري، وليس لمنهج عنصري، في بيئة غابت فيها الوطنية.
تتغاضى الشريحة العروبية المختفية تحت عباءة الوطن المشترك، جملة من الإشكاليات، منها:
- أنه لا يمكن المقارنة بين الأحزاب الكردية أو كلية الحراك الكردي أو الكردستاني، وهي بصفتها المعنونة، مع الأحزاب العربية، والتي رغم ما تملكه من المجالات، والتي جعلت السماء والأرض عربية كمحتل، تحت الغطاء الإسلامي، وعرضت تاريخا غارقا في التحريفات والتزوير، والأمثلة لا تعد ولا تحصى، وخير مثال، وصفهم لطارق بن زياد الأمازيغي بالبطل العربي، مع الخطبة العربية العصماء، التي درسونا إياها في كتب تاريخهم، في الوقت الذي لم يكن قد مر على إسلامه سنتين، فماذا بإمكان الفرد تعلمه من أية لغة ليس فقط لغة القرآن في سنتين! ونحن هنا لن نتحدث عن الشخصيات الكردية الذين ساهموا في الإمبراطورية الإسلامية ودرسونا على أنهم أبطال العرب وليتهم رسخوها كأبطال للأمة الإسلامية.
- يتناسون أنه ظهرت الحقائق مع عالم النت وصعود المعرفة، مع ذلك لا زالوا مستمرون في فرض ثقافتهم المشوهة. لا يعاتب فيما لو نشروها بإسلاميتها، وهو محل فخر لكل الشعوب الإسلامية. لكن أن تطغى العروبة على الإسلام، مثلما فعلها الملك فيصل بن حسين الهاشمي قبل قرن من الزمن من على شرفة فندق بارون بمدينة حلب، وفعلتها وتفعلها الأحزاب العروبية منذ خروجها من رحم الاستعمار إلى يومنا هذا، والتي لا تختلف عن الوطنية المطروحة الأن من خلال الأقنية العربية.
- رغم مسيرة الصراع المرير مع السلطات الشمولية الدكتاتورية لا نزال حتى اللحظة في حوار شاق وعقيم، مع المعارضة السورية العربية والسلطة، على أسم الدولة السورية، وكتابة بنود الدستور، مع أو بدون العربية، ولم يهتز في وجدانهم الحس الوطني الذي يلحونه اليوم في وجه الكرد.
كثرة الأحزاب الكردية في جنوب غربي كردستان:
السخرية من عددها، وتكاثرها غير المتناسب مع ديمغرافيتها، سلبياتها، ومن يقف ورائها، ينتقدها المجتمع الكردي قبل الأعداء أو الشريحة العروبية، وفي الواقع المثقفون والسياسيون العرب الذين لم يتهكموا منها في الماضي، لأنها كانت تسهل لأنظمتهم ومربعاتها الأمنية مهماتهم، في إضعاف الكرد وتقزيم قضيتهم، لكنهم اليوم يسخرون من هذه الأفة السياسية الكردية في كتاباتهم وتم ذلك في فيديو منشور على مواقع التواصل الاجتماعي وبتلميحات على بعض أقنية المعارضة لكونها تحتضن وتفرز في بعدها العام حالة إيجابية، ولها تأثير ما عليهم، لذلك بدأت تجلب انتباههم، فكانت هذه الموجة غير المتوقعة من السخرية والتهكم بالمجتمع الكردي من خلالهم، وأصبحوا يعرضونها كناقصة معرفية في العلاقات الحضارية السياسة، علما أنهم في الواقع يتمنون أن تجمعهم هيئة واحدة، ليس من حسن نية لمصلحة الكرد، وحبا بالأمة الكردستانية وحراكها السياسي، بل للسيطرة عليها بطرق ما كما كانوا يتحكمون بهم سابقا.
لا تعني هذا أننا ندعو إلى التشتت، أو الحفاظ على كثرة الأحزاب، أو أننا نرى أن الحالة الإيجابية فيها هذه الأفة أكثر من سلبياتها لمجتمع في طور التحرر، بل لا بد من الحد من هذه الظاهرة الكارثية، لكن بطرق وأساليب لا يتمكن فيها القوى المحتلة لكردستان التغلغل فيها والاستفادة منها وفرض إملاءاتها على القوة الجامعة، ويبقى تجميع القوى من ضروريات المواجهة والنتائج بدونها معروفة بكارثيتها.
لكن لكون معظم الأحزاب الكردية في جنوب غربي كردستان لا تحتضن أكثر من أشخاص لا يتعدون عدد أصابع اليد، وكل واحد منهم بإمكانه أن يقدم خدمة ما في مجال من مجالات التغذية القومية، كحس المواجهة، أو ربما البحث عن البديل النضالي الذي لم يجدِ كثيرا خلال العقود الماضية…
يتبع…
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@mail.com
25/8/2019م