ماجد ع محمد
تتفق جميع المدارس الصحفية في العالم على أن الوظيفة الأساسية لكل من الخبر والتقرير تتمثل بنقل المعلومات الأساسية أو التفصيلية عن الحدث، حيث ينقلان إلى المتلقي حدثاً سياسياً أو اقتصادياً أو رياضياً أو اجتماعياً أو علمياً أو فنياً أو عسكرياً، ولكن بدون إطلاق الأحكام، وبدون احتواء الخبر أو التقرير على التعليقات أو الآراء من قبل المحرر أو صاحب المنبر.
بينما من بعض أقبح ما يعاني منه الكثير من الصحفيين وحتى بعض الدكاكين ـ حسب تعبير الكاتب العراقي كفاح محمود ـ الإعلامية للسوريين في الداخل والخارج، هو إقحام الآراء في المواد الإعلامية (أخبار، تقارير، تحقيقات) وهوس بعض الإعلاميين بإضافة بهارات من لدنهم على أية مادة صحفية يكون عليهم تدوين المعلومات فيها أو تشذيبها أو تلخيصها أو تحريرها،
بهارات تناسب ربما عقيدتهم، وترضي مزاجهم، وتقربهم أمتاراً من المسؤولين عن المنبر الذي يطلون برأس موادهم منه، أو تماثل أهواء كل من يؤمنون بأيديولوجيتهم أينما كانوا في بقاع العالم التي بعدت وسائل التواصل الاجتماعي في الوقت الحاضر بينهم أكثر بكثير من تقريبهم من بعضهم البعض، وحيث ترى البعض لديهم الرغبة الجامحة بحشر مناخير أيديولوجيتهم بدءاً من أضخم تحقيقٍ عالمي إلى أقزمِ نبأٍ محلي.
ويتمثل ذلك بإصرار بعض هؤلاء النشطاء أو الإعلاميين في سورية على إضافة كلمة الإسلامية أو السنية إلى تنظيم داعش أو جبهة النصرة أينما جاءت، أو القيام بحذف الفاعل إن كان النصرة أو داعش ووضع كلمة الإسلاميين عوضاً عنهما، أو القول بأنها فصائل إسلامية، أو فصائل سنية بدلاً من تحديد الجهة كتنظيم داعش أو جبهة النصرة، أو حشر كلمة الكردية كلما ذُكرت عبارة وحدات الحماية الشعبية أو ذُكر حزب الاتحاد الديمقراطي، وتنسيب قوات سورية الديمقراطية “قسد” للأكراد بالرغم من أنه ما من كلمة تدل على الكرد في اسم ذلك الفصيل العسكري، إلاّ أن الهوس الأيديولوجي والمواقف الجاهزة من الآخر والصورة الذهنية المتراكمة في قاع المحقون تدفعه إلى إلصاق أي فعل قبيح بالجهة التي يناصبها العداء والكراهية.
فالذي يكره السنة يطيب له بسرعة البرق إلصاق كلمة السنة بأي تنظيم متطرف في سورية، والذين يكرهون الكرد بوجه عام فهم لاشعورياً يضيفون كلمة الكردي أو يلصقونها بوحدات الحماية الشعبية(YPG) أو بحزب الاتحاد الديمقراطي(PYD) أو بقوات سورية الديمقراطية (قسد) ، علماً أنه لا وجود لكلمة الكرد في أسماء كل تلك الجهات، ناسين ربما بأنهم يعبرون عن موقف ضمني من الكرد ككل وليس من حزب معين، ولكن تحت اسم معاداة قسد أو PYD أو YPG، إذ يعبر الناشط أو الاعلامي عن بغضه للكرد من خلال حشر كلمة الكردي في أي خبرٍ أو تقريرٍ فيه إجرام أو انتهاكات، وكذلك الأمر نفسه بالنسبة إلى كل من يبغض ضمنياً الإسلام، فهؤلاء من خلال حشر الكلمات المضافة من لدنهم يُؤكدون على كراهيتم لتلك الجهة، ولكن عن طريقة إضافة الصفة الدالة، بما أنهم لا يقدرون على التعبير صراحةً عما يضمرونه تجاه تلك الطائفة من أبناء المجتمع.
ويمكن لأي سوري رؤية هذه النماذج من الإعلاميين في مناطق انتشار الميليشيات وقوات النظام، وكذلك إعلاميي إدارة حزب الاتحاد الديمقراطي، وعلى نفس الشاكلة الإعلاميين العاملين في مناطق نفوذ الفصائل، فبعض هؤلاء تحولوا إلى مجرد أبواق وظيفتهم تلميع صورة الجهة التي يعملون بأمرتها إلى جانب تبشيع صورة الأطراف الأخرى، على كل حال لن نتحدث ههنا عن إعلام النظام لأنه فاق كل موبقات الإعلام في المعمورة، إنما سنتحدث عن الذين يعارضون النظام ويرون أنفسهم أفضل منه.
وكمثال صغير عن تحريفات بعض وسائل الإعلام والإضافات التي يخترعونها من فيض خيال الجهة الإعلامية التي يعملون معها، هو اختلاق ودس ما لم يكن موجوداً في أصل النبأ أو الواقعة التي تحولت إلى نبأ، وحيث جاء في خبر نشر في 9/8/2019 على موقع دار نيوز Dar News تحت عنوان: اجتماع المجلس الوطني والمخابرات التركية والائتلاف السوري” وذكر في الخبر أنه “شارك وفد من الائتلاف الوطني وممثلين عن مدينة عفرين وهم كلٌ من مجموعة محمود نوح، مجموعة وجيه عرب، وسكرتير وجيه عرب المعروفة باسم حنان، سيف أبو بكر، انس الشيخ ويس، ومتزعم مجموعات المرتزقة احمد بري، النقيب مصطفى الزير، مجموعة السلطان مراد وائل السيدي، مجلس الباب أبو إبراهيم الطويل” علماً أنه ما من شخص من بين كل هؤلاء المذكورين في الخبر كان موجوداً أو حاضراً في ذلك الاجتماع وهذه المعلومات الواردة في النبأ كانت برمتها من اختراعات المحرر إن لم نقل الموقع الذي نشر الخبر.
وحيث أن الكذب بدأ من عنوان الخبر وحتى خاتمته، علماً أن اجتماع الائتلاف هو في حقيقة الأمر كان قد جرى مع مثقفين ونشطاء من منطقة عفرين في تاريخ 27 تموز 2019 وكان بدعوة من عبدالحكيم بشار وبحث معهم آخر التطورات الميدانية إضافة إلى الواقع الأمني التعيس لمنطقة “عفرين” وكيفية معالجتها والتخفيف من تدخل الفصائل في حياة المدنيين والسعي لإلغاء أمنيات الفصائل وحصر أمر الاعتقال بالشرطة؛ ومقابل ناشطي عفرين حضر الاجتماع الذي نظمه المجلس الوطني الكردي، كلاً من نائب الرئيس عبدالحكيم بشار، والأمين العام للائتلاف الوطني عبد الباسط عبد اللطيف، وأعضاء الهيئة السياسية نذير حكيم وعبدالله كدو؛ بينما كل الأسماء التي أوردها خبر “دار نيوز” كانت إضافة من بنات خيال محرري الموقع، كما أن الجهة التركية لم تكن حاضرة في ذلك الاجتماع لا من قريب ولا من بعيد.
ونذكر نموذج آخر تجاوز حدود الأدلجة ودخل منطقة التدليس والتحوير، وذلك في الخبر الذي نشر في تاريخ 19 كانون الثاني 2019 على موقع “تركيا بالعربي” وقد اكتفينا باقتطاف فقرة واحدة من الخبر حيث جاء فيه “يقدم مخيم (سوروج) للاجئين بولاية شانلي أوروفة التركية خدمات متعددة، إلى 17 ألفا من أكراد سوريا الذين هربوا جراء الحرب واضطهاد تنظيم (ي ب ك / بي كا كا) الإرهابي” وعدا عن إغفال اسم المسبب الرئيسي لفرار الناس من كوباني واضح أن الغاية من ذلك الخبر، هو القول بأن تركيا لا تعادي الأكراد السوريين وأنها تأوي الآلاف منهم في مخيمات داخل تركيا، ولكن كاتب الخبر لا يستطيع إخفاء ميوله ودس آرائه في الخبر، إذ معلوم للقاصي والداني أنه حتى الأعمى يعرف بأن أهالي منطقة كوباني نزحوا من منطقتهم باتجاه تركيا بسبب هجوم الدواعش على المنطقة، إلاّ أن محرر هذا الخبر لا يقدر أن يكون نزيهاً وموضوعياً قط في كتابته وتحريره للخبر، لذا حذف المسبب الرئيسي للنزوح ووضع اسم جهة أخرى في الخبر، ناسفاً حتى الجانب الإيجابي في النبأ.
كما سنورد شيء مماثل عما ورد في تقرير بخصوص ما يجري في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام وتحديداً منطقة “عفرين” وكان التقرير قد نشر بتاريخ 26 آب 2018 في موقع العربي الجديد تحت عنوان “خلايا المليشيات الانفصالية تخيف أهالي عفرين السورية والمهجرين فيها”وجاء في مقدمة التقرير “يعيش أهالي منطقة عفرين في أقصى الشمال الغربي من سورية، والمحاذية لمدينة إعزاز من جهة الشرق ومدينة حلب جنوباً، والمحاذية للحدود التركية من الغرب والشمال، حالة من الخوف والقلق من هجمات عناصر المليشيات الانفصالية الكردية التي سيطرت على المنطقة منذ عام 2014، ثم طردت منها بعد العملية العسكرية المشتركة المسماة “غصن الزيتون” التي قام بها الجيشان التركي والسوري الحرّ ضدها”، علماً أن مجمل سكان المنطقة يشيرون إلى أنهم لم يعيشوا في أجواء ومناخ الإرهاب كما عاشوه ويعيشونه منذ أن سيطرت الفصائل على عفرين، ومئات المدنيين من جميع الأطراف السياسية المعارضة أو الموالية يؤكدون بأن المنطقة لم تعش ظروف الإرهاب لا في زمن سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي PYD ولا في زمن حكم نظام الأسد، ولا حتى في الزمن الاحتلال الفرنسي، كما يعيشونها الآن في زمن الفصائل التي أطلقت الاستخبارات تركيا يدها في عموم قرى وبلدات منطقة عفرين؛ ولكن الإعلامي لم يكتفِ باختلاق ما هو غير موجود بالأصل، بل وفوقها قام بقلب الحقائق رأساً على عقب، وقد تحول صاحب التقرير كما الذين ذكرناهم أعلاه من إعلامي وظيفته نقل الحقيقة إلى طرف مختص بتزييف الوقائع ومشارك في قتل الحقيقة من خلال قلمه كما هو حال الكثير من حملة السلاح.