وجوه قامشلي التي لم تكنْها «في زيارتي السنوية إليها صيف 2019 » – 14

 ابراهيم محمود 
14- ميتات في الطريق 
واجهات تموت وهي واجمة ذاهلة عما يجري، مثقَلة بالفراغ الذي يموت الذي طال أمده. واجهات بيوت ملَّت الأشباح منها، حيث العتمة رابضة فيها. أبواب مخنوقة من الانتظار، تموت مصلوبة إلى جدرانها التي تموت مغروسة في صمت يموت مشبوه. ساحات تموت حيث التخوف من لغم مباغت، من هواء مكربن يموت هو الآخر. حدائق لصق الطريق هذا أو ذاك، منطوية على نفسها، آهلة بوجوه تموت مأخوذة بخيالات تموت، وهي تطل على حدود تموت على وقع القنص، الرصد المميت.
 أشجار انحنت تحت وطأة التراب الذي يموت معجوناً بالدخان الذي حاز الأمكنة. أمكنة تموت حيث الأطفال الذين يموتون جرّاء طفولة معلّقة على هاوية مميتة. أصوات تموت حيث المخاوف تتملكها، وترعشها مع كل بحة صوت . عصافير دوري تموت حيث البيوت بأسقفها، حيث الأشجار بفننها، لا تضمن لها سلامة التعشش ، أو سفادها الدوري. حمائم متضائلة بأحجامها، منزوعة الهديل الذي يموت جرّاء توترات منتعشة .
معطفات تغدق أوساخاً، أو زمناً ملجوماً، وقد افتقرت إلى وجوه تضفي عليها حيوية ما.
عيون تتناظر، ولا ترى بعضها بعضاً، تموت هي الأخرى، لأن ليس من حافز لتنظر كي تهِب أصحابها ما يديم نظراتها، فمتآكلات الأبنية، الساحات، الزوايا، كافية لتنظر بعسْر. 
مؤسسات تموت، لأن ليس فيها ما يشجّع على الحياة، وهي تضم من يعيشون أهاليهم، آمالهم.
رجال، ونساء طاعنون في السن يموتون على مدارالساعة، وهم في مواجهة أشباح خيالاتهم، وهم ينوحون على مكان متيتّم بذاكرات مضت، وهم مأخوذون بالمتبقي من صور أولادهم، أو أحفادهم، التي استهلكت ” تموت هي الأخرى ” على وقع الاستعمال المتكرر، في انتظار موتهم الأبدي. شباب يموت شبابهم، يموت فيهم موتهم الطبيعي، وهم منذورون لميتات لا يعلمون بأمرها، وهم مقهورون لأن يكونوا شباباً بمقاييس ليست لهم.
حيوانات تموت، وقد فقدت الاتصال ببيئة تسكن إليها، وتجتر لبعض الوقت دون خوف. نباتات تموت على حوافي البيوت، السطوح، عتبات المنازل، حافات الطرق، ذابلة، شاهدة على ويلات تتكاثر مع الزمن.
رياض أطفال، مدارس تموت وهي تضم إليها نفوساً لم تعد بريئة، وقد اُتخِمت بميتات، تلزمهم بأن يكونوا لا كما يريدون أن يكونوا، وهم يعيشون حِداد طفولتهم، وأترابهم، وحتى ظلالهم التي تعيش فزع اللحظات غير الآمنة، ممزقين بين مسالك تتقاسم براءتهم وتميتها باستمرار.
أرض تموت، مفجوعة، موجوعة، حيث تتصدع من الداخل، مسخرة للموت لا الحياة .
شعب يموت وليس من يرثي موته الفعلي، شعب مهدور على آخره، ليس شعباً .
شعارات تموت، وقد ضجِرت من تردادها، ولم تعد لها قائمة، لتصل أولي أمرها بالحياة !
بلداً يموت، وجل ما فيه وعليه،أنه معروض لميتات لا تحصى، وليس من بلد إلا بشكله المميت!
قامشلي التي، حتى الأمس القريب جداً، كانت تلقّن أهليها فنون التعاطي مع الحياة، هي الآن، أخرى، أصبحت، ومنذ سنوات، تعيش كيفية التعاطي مع ميتات، كما هو انخسافها التدريجي !
…….. يتبع
15- أمكنة مؤاساة وقتية
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…