ماجد ع محمد
من بين ما أتذكره في هذه الوقفة من الأنباء المتعلقة بمعشر الحمير، مجموعة قصصية للكاتب التركي عزيز نسين “آه منا نحن معشر الحمير” وكيف أن الخوف من الذئب كان وراء نسيان الحمير لألسنتها الحميرية قبل التحول إلى النهيق؛ إضافة إلى مواد إعلامية صدرت في الجزائر منذ أعوام تتحدث عن إمكانية إقدام الحكومة الجزائرية بإجراءات تتعلق بإخراج بطاقة وطنية للخيول والحمير!! وذلك حتى تتمكن السلطات من معرفة أماكن تواجدها، ومتابعة نشاطاتها في المناطق الحدودية للبلاد، بغرض الحد من تهريب البضائع بين الجزائر والمغرب، والتي عادة ما تتم العمليات اللاقانونية على متون الحمير التي لا قيود وطنية لديها!!.
وعلمنا كذلك عن سر ارتقاء الحمار في الولايات المتحدة الأمريكية، وكيف أن المرشح الديمقراطي، أندرو جاكسون، هو من اختار الحمار كرمز لخوض سباق الرئاسة آنذاك تحت شعار “لنترك الشعب يحكم” حيث اختار حماراً رمادي اللون وألصق على ظهره شعار حملته الانتخابية وقاده وسط القرى والمدن المجاورة لمسكنه من أجل الدعاية لبرنامجه الإنتخابي “الشعبوي” ضد منافسه الجمهوري الذي كان يظهر على أنه نخبوي وليس قريباً من هموم الناس؛ ومن ثم تحول الحمار منذ عام 1828 إلى أيقونة سياسية وعلامة تجارية تدر مئات الملايين من الدولارات، نعم، فالحمار الذي يتخذه الحزب الديمقراطي الأمريكي شعاراً له، تحول إلى رمز للثورة والتمرد منذ عقود طويلة.
كما قرأنا للكاتب عبد العزيز حسين الصويغ، مادة بصحيفة المدينة يتحدث فيها عن التهم المنسوبة للحمار، وحيث ذكر بأن المصدر الإعلامي نقلاً عن الناطق باسم الميليشيات، أكد بأن الحمار شارك مع المقاومة في التصدي للميليشيات طيلة الأشهر الماضية، حيث كان يحمل الماء والذخائر للمقاومين الذين كانوا متمركزين في عدد من المواقع في مناطق جبلية، وأوضحت المصادر أن الأهالي رفضوا تسليم الحمار ما جعل الميليشيات تهدد بشكل صريح بقتل صاحب الحمار وتفجير منزلة إن لم يسلمه لهم.
وسبق أن رأينا تقارير تلفزيونية عن حزب الحمير في كردستان العراق الذي ترأسه، عمر كلول، والذي حل حزبه من كثرة تعرضه للسخرية والانتقاد من قبل مواطني الاقليم، وسمعنا كذلك عن جمعية الحمير بمصر التي يرأسها المرسي عبد الهادي خفاجي، أما الحمير الحزبية في سوريا فلم نسمع بها إلا مؤخراً حيث تداول نشطاء من أبناء منطقة عفرين، على وسائل التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) قصة الحمار الحزبي، فقيل أن ثمة شخص يدعى (أنور فريكة) وهو أحد مزارعي قرية “جقلي وسطاني” التابعة لناحية شيخ الحديد (şiyê) والرجل لديه قطعة أرض جبلية وليس بمقدور الجرار(التركتور) فلاحتها، ولا حل لديه لفلاحة أرضه إلا عبر استعمال الدواب، علماً أن الرجل لديه حمار من قبل، وكان بحاجة ماسة لحمار آخر حتى يفلح بهما معاً أرضه، وبعد السؤال والبحث والتحري عن حمارٍ ثانٍ يقضي به حاجته، لقيَ حماراً مفلوتاً لم يُعرف له صاحب، وحيث أن بعض أهالي القرى إبان غزوة عفرين التي سمتها تركيا عملية غصن الزيتون، قد فتحوا أبواب الحظائر أمام الحيوانات لئلا تموت من الجوع والعطش في حظائرها أوان مغادرتهم منازلهم وتوجههم نحو منطقة الشهباء أو مدينة حلب، وذلك خوفاً من القصف أو انتقام عناصر الفصائل من المدنيين بذريعة الانتماء إلى حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وبعد أن عُلم قادة فصيل “العمشات” الفصيل العسكري الذي أطلقت تركيا يده ـ حسب شهادات أبناء المنطقة ـ في ناحية شيخ الحديد(şiyê) وقراها ليتصرف على هواه، ويغدو كحاكم مطلق على الناحية، يفرض الضرائب ويسجن أي شخص يريده، له صلاحية إهانة المواطنين، يستجوب الكبار والصغار بسبب وبدون سبب، من أجل فرض سلطته المطلقة التي منحته إياه الدولة التركية وفق الأهالي بُعيد غزوة عفرين، وعند معرفة قادة الفصيل بقصة “أنور فريكة” أتوا إليه ليبلغوه بأنه يتعامل مع حمير الحزب، حيثُ في عرف “العمشات” أن مَن يتعامل مع ماشية الحزب، أو زواحفه، أو طيوره، فهو كمن يتعامل مع عناصر وكوادر وقادة الحزب نفسه بالنسبة إلى جوقة العمشات، ولأن الغرض الأساس والغاية الحقيقية من وراء الاتهام بالتعامل مع الحمار الحزبي هو الابتزاز المالي ليس إلا، لذا بعد استجواب الرجل واستنطاقه عن الدوافع والأسباب التي دعته للتعامل مع حمير الحزب وماشيته، تم تغريم الرجل بمبلغ 1000$ بدلاً من اعتقاله أو تعذيبه إن تقاعس ولم يدفع ما طُلب منه!!!
وحقيقة كنت قد سمعت كثيراً من كبار السن في منطقتنا عن استفادة البيشمركة في إقليم كردستان من الحمير أثناء معاركهم مع النظام العراقي البائد، ولكن بما أني لم ألم بالقصة إلماماً كافياً، لذا سأتجاوز ذكر الخدمات الجليلة التي قدمها الحمير للبيشمركة في كردستان، وبما أننا في زمن تعويل تركيا على بعض السوريين ليحاربوا الأعداء المفترضون لتركيا داخل سورية بالنيابة عنها، سأختم هذه المادة بموضوع توظيف من كانوا بمقام العلوج واستخدامهم أوان الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا، حيث يقال بأنه في زمن الحرب بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، كان هناك العديد من الجواسيس والعملاء، وكلا البلدين يعملان على قدم وساق لجمع المعلومات عن الطرف الآخر وعن ترسانته العسكرية، وفي تلك الحقبة السابقة لانهيار الاتحاد السوفييتي يقال بأنه كان هناك مسؤولاَ يعمل لصالح أمريكا في الاتحاد السوفييتي، وكان أحد مسؤولي التجسس يشك فيه، ويقول له صراحة: إنني أشك فيك بأنك عميل لواشنطن، ولكني لا استطيع إثبات ذلك ولا أملك الدليل على ذلك! ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والنظام الشيوعي، ذهب نفس الشخص إلى المسؤول وقال له: أنا مازلت أشك فيك بأنك عميل، وما دام الاتحاد السوفييتي انهار وتفكك، لماذا لا تخبرني بالحقيقة؟ فأجاب المسؤول: أنا بالفعل عميل لأمريكا ولكن لا أحد يستطيع ولا استطاع أن يثبت ذلك لأني أعمل بخطة توظيف الحمير! فسأله المتشكك بأمره وكيف ذلك؟ أجابه المسؤول: كنت دائماً أختار الأشخاص الحمير في كل اختصاص وأوظفهم، وعلى سبيل المثال فإذا تخرج 10 مهندسين أختار اتعسهم وأوظفه ولا أوظف الممتازين وكذلك أعمل مع الأطباء وكذلك في كل اختصاص وقطاع من قطاعات الدولة! ومن خلال اتباعي لهذه الخطة والسياسة منذ 30 سنة، دمرت القطاع الاقتصادي والقطاع الطبي والقطاع الزراعي والقطاع الصناعي وباقي القطاعات في الدولة حتى انهار الاتحاد السوفييتي! لذا لم تستطع أن تثبت بأني عميل لأمريكا ولا قدرت على أن تجد أي دليل على ذلك!!.
ويبدو أن وضعنا في سورية حيال من عوّلت عليهم الثورة السورية بناءً على تدخلات الدول لا يختلف البتة عمن عوّلت عليهم أمريكا في روسيا!، كما أن الجهات الدولية التي زعمت بأنها تدعم الثورة السورية بالمال والسلاح أغلبها طبقت بالحرف الواحد آلية تغذية الفساد وتمويل الفاسدين وتوظيف بقايا المجتمع كما كان الحال بالنسبة للجاسوس الأمريكي، وعملوا بإحدى استراتيجيات التحكم بالشعوب التي تعمل واقعياً على إفشال الثورات وضربها من الداخل، وذلك من خلال “تشجيع الرداءة ودعم الرديئين، وتشجيع الشعب على أن يكون غبياً وهمجياً وجاهلاً” كما يقول المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي.