ابراهيم محمود
10- امرأة كردية أكثر من ثوبها الكاكي !
أن أكتب عن المرأة الكردية، فلأنها جزء من كلّ ” المرأة عموماً ” وقضاياها الإنسانية في العمق، سوى أن لها خصوصية تتناسب ونَسَبها الكردي.وأن أركّز في ” حلقتي ” هذه على المرأة الكردية الروجآفاوية، وهي في ثوبها الكاكي فلأن في ذلك تخصيصاً، يرتبط بالواقع الجاري هناك، حيث التخصيص يشد إليه ما هو عام. ولقد كتبت مقالات عديدة عن جسارة هذه المرأة البطولية ” نارين عفريني – آرين ميركان،مثلاً “، لكنها من حيث المشهد أكثر من كونها مرتدية ” الكاكي ” ودلالته، وكيفية إبرازه في وضعية تحدّ في واقع لا يطوَّع بسهولة .
نعم، من المؤكد أنني لست ” ضد ” هذه المرأة: في لباسها الكاكي، أو كما لو أنها ترتديه، من جهة الدلالة، والنفوذ الذي يعطى لها في التعامل مع واقعها: بدءاً من نفسها. لست ضد حضورها بهذا اللباس، وفي ساحات القتال، وميادين المجتمع المختلفة، إنما ضد الطريقة التي تنظر هي فيها إلى نفسها، جرّاء الطريقة التي توجَّه بها، ومآل هذا المسلك على أعلى المستويات .
مما لا شك فيه أن هذه المرأة، وبوصفها كردية، قد نالت صيتاً عالمياً، وأضاءت رقعة جغرافية كانت معتمة حتى الأمس القريب، وشكّلت أكثر من عنوان لأكثر من خاصية تمايز يعتد بها .
سوى أن متابعاتي لما يجري، حيث لم أعتبر نفسي يوماً خارج نطاق الجاري في قامشلي ونطاقها الجغرافي وأبعد، واجهتني بحقيقة مرّة، لا أتمناها تصبح واقعة مسجلة في التاريخ والجغرافيا ذات يوم، حين يُنظر إلى هذه المرأة كما لو أنها مأخوذة بهذا الأخضر الترابي أحياناً، أو الكاكي الفضفاض، ودلالته، ليس من أجل أن تكون مرتاحة فيه فقط، وإنما لأن هذا اللباس بمقاسه هذا، يبقيها أبعد ما يمكن قوله عن جسدها الحيوي- الفيزيكي، وتنقاد بهذا اللباس.
إن منحها أكثر من حرّية لم ترتق إلى مستواها، وفي واقع يصدمها إن ليس بالفعل، فعلى الصعيد النفسي والتراكمي، ناحية التحدي للآخرين، وما يترتب على هذا التصرف من مشاكل مسجلة يومياً: سهولة اتهام أي كان بالتحرش أو الإزعاج، لينال ما لا يتمناه.
الحديث عن الحرية، شأن تاريخي، جغرافي، واجتماعي،ثقافي. فثمة إخلال بالتوازن الاجتماعي جرّاء هذا المعطى ” الحرياتي “، حين يعطى لها حق تقويم أي شيء، والدخول في أعقد القضايا، والنظر فيها، ليس لأنها تفتقر إلى المقوّمات اللازمة، وإنما لكي تمتلئ اعتقاداً وهي أنها ذات صلاحية في تقويم الكثير من الأمور، من الموقع الممنوح لها.
أليس علينا النظر فيما يجري، وعلى أعلى مستوى: ما يجري من اختلال توازن عائلي في وسط مجتمعي لا يقاس بالأيام، أو العروض المرئية، وإنما بمدى التأهيل وعمقه ووقته ؟
نعم، أشدد على أن في مجتمعنا ” الكردي ” نفوذاً للأبوية وتوابعها، أشدد على جانب القهر المجتمعي، والذي تتعرض المرأة الكردية هذه، وإنما هل يمكن، التعامل مع هذا العنف بعنف مضاد، يضع كل ما يمكن التفكير فيه في كف عفريت ؟
أمثلة يومية، أسمع بها، وأعلم بها، عن حالات الطلاق التي تتم. والسبب؟ كما هو معلَن، لأن الزوج أزع زوجته، وأن الزوجة، ونظراً لوجود هذه المحفزات، تبادر فوراً برفع شكوى ضده إلى جهة المحاسبة، ليكون هناك أكثر من توبيخ وحتى إذلال، والنتيجة: طلاق الزوج هذا لزوجته، وليس من جهة، أي جهة، قادرة على وقف هذا النزيف.
ربما تشاع أقاويل عن حجج واهية، لصالح سلطة الرجل، سوى أن الذي يُرى، ويُسمَع، ومن خلال العلاقات العامة، وكيفية الدفع بالمرأة، لأن تبدي رأيها في أعقد القضايا، وفي الواجهة التلفزيونية، لا بل وأن تشتم هذا الطرف أو ذاك، إن كل ذلك يبلبل الواقع، ويرتد سلباً عليها طبعاً. يعني ذلك، أن المتاح بالطريقة هذه، للمرأة، يزيد في تهميشها وليس تمتين موقعها.
أكثر من ذلك، وهو ما ينبغي النظر فيه: إن إقصاء هذه ” الخاكية ” بشكل لافت، عن الحياة اليومية، وبعيداً عن حقيقتها، نوع من تقييد مشاعرها الأنثوية، وكأنها منذورة للموت.
شباب يتشتت، وشباب يُستشهَد، وفتيات منذورات للشهادة أو الموت، بعيداً عن حدودهن ” الكردية “، ومساع متنفذة، لتفعيل علاقات أحادية البعد في هذا المسار. ألا يعني ذلك الدفع بالمجتمع الكردي الزوال أو الانقراض التدريجي ؟
الحياة لا تعبّر عن نفسها، وهي بمعناها العام من خلال اللباس الكاكي، وما يلف الرأس تعبيراً عن امتهان للحياة ذاتها، إنها أكثر من لون، أكثر من نفَس. أحب هذه المرأة / الفتاة، وهي في لباسها الموحد، إنما في حالة مستجدة، وأطرب لها حين تبرز في ملابس متعددة الألوان، وبما يتناسب وذوقها الشخصي، وحبها للحياة، بعيداً عن وصايات، تبقيها دون اسمها وحقيقتها .
…….. يتبع
11- الأسْود الذي يجتاح قامشلي