محمد مندلاوي
أيها الكوردي انتبه جيداً، أن اعتناق الأفكار والعقائد الدخيلة المصدرة إليك من خارج حدود وطنك كوردستان لا تتجسد بها هويتك القومية والوطنية، لأن هدفها الرئيسي هو أن يمسخك إلى إنسان ذميم فاقد لهوية قومية ووطنية؟، ربما تبقي على مظهرك الخارجي ككوردي، إلا أنها تشوه لغتك ومحتواك الداخلي وستكون شيء آخر لا يمت إلى كورد وكوردستان بأية صلة. للعلم، هناك أفكار وعقائد شريرة كثيرة اجتاحت كوردستان في تواريخ مظلمة وظروف غامضة كان هدفها الأول والأخير، أن لا تدع هذا المواطن الكوردي في وطنه الذي يحمل اسمه منذ زمن بعيد جداً أن يستقل بذاته الكوردية المتميزة حتى يواكب ركب الحضارة والتقدم في جميع ميادين الحياة جنباً إلى جنب مع الشعوب المتحضرة على الكوكب الأرضي.
قد يسأل القارئ الكريم، كيف يمسخ الإنسان الكوردي إلى قومية أخرى. بلا شك هناك نوعان من المسخ، الأولى تغيير هيئة الإنسان إلى حيوان، كما جاء في الكتب الدينية، حيث أن الإله مسخ بعض البشر إلى حيوانات عقوبة لهم على ارتكابهم ما حرمه الإله. لمن لا يعلم، هناك شواهد كثيرة على الكوكب الدوار أن بعض البعثات أو المبلغون أو.. قاموا بتغيير فكر ولسان المجتمعات على نطاق واسع تحت تسمية غسيل الدماغ الجماهيري – أمريكا اللاتينية مثالاً- ومن ثم ترسيخ منظومة فكرية أو عقائدية غريبة في داخل عقولها منها ما تعطى طابعاً غيبياً يجعلها أن تؤمن من خلاله بالميتافيزيقيا (ما وراء الطبيعة) أي تؤمن بما هو خارج إطار هذا العالم الواقعي، يعني، مسخ الانتماءات الفكرية والعقائدية للمجتمعات بطريقة علمية دقيقة، ومن ثم تحفر في أذهانها أفكاراً جاهزة، حتى أنها تقرأ لهم التاريخ المستقبلي!، أي قراءة التاريخ قبل أن يحدث! هنا أتذكر قولاً لعالم النفس الهولندي جوست ميرلو: تجعل الإنسان تحت سيطرة نظام لا تفكيري، أي قتل العقل. حتى يتحكموا به كيفما يشاؤون. سنأتي عليه بالتفصيل بعد قليل.
النوع الثاني، هو المسخ الذي يقوم به الإنسان ضد نظيره الإنسان في العصر الحديث، كما أسلفت، الهدف منه هو محو المنظومة الفكرية في داخله -غسيل دماغ- وذلك من خلال أساليب أكاديمية وتحت مسميات مختلفة، لكنها تحمل نفس المفهوم، والهدف منها تحويل الإنسان المستهدف عن قيمه الفكرية النابعة من وسط شعبه، التي لها جذور دينية وأدبية ممتدة في عمق الزمان، لقيم ومعتقدات أخرى دخيلة عليه وظنية الدلالة إلا أنها مزوقة ببعض الكلمات.. التي لم يفهم مدلولاتها الأصلية حتى من ابتدعها؟، وهكذا عزيزي المتابع يحشون رؤوس ضحاياهم بألفاظ الرياء التي تخفي ورائها نوايا مبيتة؟.
في العصر الحديث تحديداً عام 1950 نشر الصحفي الأمريكي (إدوارد هنتر) مقالاً بعنوان غسيل الدماغ، سماه إعادة تشكيل الأيديولوجي، تطرق فيه إلى التغيير الذي طرأ على تفكير الجنود الأمريكان الذين وقعوا في الأسر لدى الصين إبان الحرب الكوردية، وتطرق هنتر للأساليب السياسية المتبعة من قبل الشيوعيين، لإقناع غير الشيوعيين، بالإيمان والتسليم بمبادئهم وتعاليمهم. لأنه وفق الفكر الشيوعي أن الإنسان الذي لم يثقف في المجتمع الشيوعي لا بد أن يكون لديه اتجاهات ومعتقدات برجوازية، وعليه يجب إعادة تثقيفه قبل أن يحتل مكانة في المجتمع الشيوعي. هذا هو غسيل الدماغ، حيث جعل من الجندي الأمريكي عميلاً يخدم الدولة الصينية والمعتقد الشيوعي بتفاني وإخلاص وبالمجان حتى بعد أن وضعت الحرب أوزارها.
في كوردستاننا، هناك من اعتنق الفكر الشيوعي الماركسي، وانتمى إلى الحزب الشيوعي العراقي وتبوأ فيه مراكز قيادية، لكنه كما الجندي الأمريكي فقد هويته القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية والذاكرة الحضارية والتاريخية لهذا الشعب العريق، دعني عزيزي القارئ أن أذكر هنا أسماء بعض قياداته، بهاء الدين نوري الذي أصبح سكرتير الحزب المذكور وهو لا يجيد اللغة العربية، لكنه حين اختار اسماً حزبياً لنفسه لم يختر اسماً كوردياً! بل اختار اسماً عربياَ أعتقد أنه انتقى اسم “باسم!” وسمى ابنه “سلام!” حقاً يؤخذ الأبناء بجرائر الآباء. وفي أيام النضال السري استأجر بيتاً في منطقة باب الشيخ من الكورد الفيلية وهناك أيضاً سمى نفسه باسم عربي “علي!” قد يقول البعض هذا لا يهم، لا عزيزي يهم ويهم كثيراً، إن الاسم يعرف هوية الإنسان القومية إذا تخليت عنه يعني أنك تخليت عن انتمائك القومي والوطني. وبعد بهاء جاء عزيز محمد سكرتير الحزب الشيوعي هو الآخر كان لا يجيد العربية لكنه تعلمها بسرعة فائقة وسمي في الحزب بـ”أبي سعود” وله اسم آخر في الحزب وهو “مخلص!”. بل الأمَّر من هذا كله أن الأميرة الكوردية (سينم بدرخان) حفيدة الأمير بدرخان باشا، قالت في لقاء تلفزيوني في قناة “رووداو” في برنامج “پەنجە مۆر= البصمة”: كنا في مؤتمر ما في قاعة الخلد ببغداد ألقى زوجي (صلاح سعد الله) كلمة تطرق فيها للشعب الكوردي نهض عزيز محمد سكرتير الحزب الشيوعي العراقي من مكانه غاضباً وصرخ في وجه زوجي قائلاً: اشخبصتونا بالأكراد. حقيقة لا أدري كيف أفسر هذا التصرف الأخرق وأفهمه!، شخص كوردي مثقف وسياسي كبير بوزن عزيز محمد ينهض من مكانه ويهتف ضد بني قومه!! أن لم يكن هذا الشخص مغسول الدماغ ماذا نسميه إذاً؟؟. وهكذا كان كريم أحمد الداوود “أبو سليم!” ذلك الكوردي الذي صار في بداية خمسينات القرن الماضي سكرتيراً للحزب الشيوعي العراقي، هو الآخر بفضل النظرية العلمية فقد حسه القومي والوطني وصار إنساناً كوردي المظهر عربي المحتوى!!. حقيقة لا أستطيع هضمه، كيف بشخص كوردي ينتمي لحزب يذيل اسمه باسم بلد غريب عليه!، بلد يحتل جزءاً من وطنه كوردستان إلا وهو العراق!!. يجب على المواطن الكوردي أن يعي جيداً أن اعتناقه لأي فكر جاء من خارج حدود وطنه كوردستان لا يخدمه قط، بل هو يصبح مطية لمؤسسي ومروجي ذلك الفكر أو العقيدة وينفذ ما يطلب منه خدمة لأجندات خارجية لا تريد الخير له ولا لوطنه. تصور عزيزي القارئ في النصف الثاني من أربعينات القرن الماضي والخمسينات والستينات دخل الحزب الشيوعي العراقي من خلال هؤلاء الكورد المشار إليهم أعلاه بمناقشات محتدمة مع الحزب الديمقراطي الكوردستان (الپارتي) هل أن الأكراد أمة أم لا؟؟!! طبعاً كانت كتابات ابن ذلك الاسكافي الجورجي “فيساريو” المسمى “جوزيف” قد مسخت عقولهم، فلذا ناقشوا وجود أمة كبيرة هم أنفسهم ينتمون إليها، لكن العقيدة الجديدة التي اعتنقوها حفرت في أذهانهم أسماءً ومصطلحات غريبة عنهم لقد أنستهم أنهم ينتمون لأمة اسمها كورد ووطن اسمه كوردستان، وأنها أمة كسائر أمم الأرض لها تاريخ ووطن وحضارة ترقى إلى آلاف السنين. لكي لا يفهم كلامي على نحو خاطئ، أن حبي وولائي لشعبي الكوردي ووطني كوردستان أكبر من أي اعتبار، وأسمى من كل العناوين، ليعلم القارئ اللبيب، أنا لا أعادي أي إيديولوجيا أن كان مصدره الشرق أو الغرب الشمال أو الجنوب ويروج لأفكاره وآراءه أفقياً أو عمودياً، حتى لو كان لإثبات ما هو عكس ما هو ثابت في التاريخ، أنا المواطن الكوردي البسيط لا أقبل بأي فكر جاء من خارج حدود وطني كوردستان ويريد من الكورد أن ينتموا إلى الخارج أكثر مما ينتمون إلى الداخل؟ وينشر في أوساط الشعب الكوردي مع أدبياته ونصوصه المعبأة بالكراهية والأحقاد ثقافة ذلك الشعب الذي أسس وبلور هذا الفكر أو المبدأ الذي بلا أدنى شك يؤثر سلباً على ثقافة المواطن الكوردي وهويته الكوردستانية ويحاول بشتى السبل والوسائل المتاحة لديه أن يشوه ويقزز عند الشارع الكوردي ما ينتجه الفكر الكوردي من أدب وفن أصيل؟، وفوق هذا وذاك أن أصحاب ذلك الفكر البالية يدخلوا في عقول الناس وضمائرهم ويفتشون عن نمط تفكيرهم!. إن خطورة هذه الأفكار.. تأتي من بعض الذين ارتموا بأحضان مبتدعي هذه الخزعبلات، حيث أنهم يتكلمون اللغة الكوردية ويرتدون الزي الكوردي إلا أنهم يخفون تحتها زي شعب آخر غير كوردي ينتمي إلى العصور الوسطى وجالس على قارعة الحضارة، لا يوجد أي وجه مقارنة بينه وبين الشعب الكوردي، هكذا يكون كورد الجنسية في داخله ليست له أية صلة وانتماء بالكورد وكوردستان، ويفضل شخصاً من الصين أو من أي بلد في العالم يعتنق نفس عقيدته.. على شخص كوردي وطني مخلص قضى جل حياته في خدمة شعبه ووطنه؟؟.
لا يخفى على أحد كما ذكرنا أعلاه في تواريخ متباينة غزت كوردستان أفكار وعقائد عديدة، بعضها انتشر سلماً بين الناس، والبعض الآخر انتشر بالعنف رغماً عن إرادة شعبها الكوردي المسالم، وقامت هذه الأخيرة كما الأولى باغتيال معنوي لعقل الإنسان الكوردي، وأعني بالإنسان الكوردي ذلك النفر الذي آمن بثقافتها الشفهية التي لا تصمد أمام المنطق النقدي السليم بإدعاءاتها التي تنسب الأحداث لغير سببها المخالفة للطبيعة وقوانين العقل، فلذا صار يعيش ضحيتها بلوثة عقلية وفي حالة الخرافة سببت له خواءاً فكرياً لا يتصوره العقل السليم. لم يقف عند هذا الحد، بل جعلت الإنسان الكوردي الذي يؤمن بها أن يعيش دائماً بأجواء ملبدة بالرعب يخاف حتى من نفسه أن راودته فكرة ما لخير بني جلدته أو يدور في خلده صوت مؤطر بأحاسيس نبيلة للشعب والوطن، أتعرف لماذا؟ لأنه لا يوجد شيء مشترك بين ذلك الأيديولوجيا الغريب، الذي غير سليم المحتوى، وبين تراث شعبه الأصيل، النابع مِن عادات وتقاليد وآداب وفنون وعلوم المنتقل عبر التاريخ من جيل إلى جيل حتى وصلت في أيامنا هذه إلى الجيل الجديد، الذي يشاهد العالم في وسائل الإعلام طريقة تعامله اليومي الحضاري بأبهى صوره الإنسانية في الشارع الكوردستاني وفي الجامعات والمعاهد والمزارع والمعامل الخ. لكن للأسف مثل هذا التعامل الحضاري الراقي من قبل الكورد مع مَن يعيش في كنفهم لا يروق لبعض المتحذلقين أصحاب الألسن المأجورة من كورد الجنسية؟ فلذا يعادون علناً كل شيء كوردي أصيل ورقيق له أثر إنساني نبيل وقيمة حضارية يدخل البهجة والسعادة في قلوب الناس صغاراً وكبارا إناثاً وذكورا؟.
” الغباء هو فعل نفس الشيء مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات مع الانتظار نتائج مختلفة!!” (ألبرت انتشتاين)
20 08 2019