المحامي عماد شيخ حسن
أرى ضرورة التوضيح أو التنويه بدايةً بأنّ أخلاقي أولاً و مهنتي كرجل قانونٍ ثانياً يضعانني حقيقةً و بكلّ صدق في خانةٍ من الحرج و الخجل حين خوضي لموضوعٍ كهذا الذي سوف أخوض فيه ، و الذي لربما يشعر البعض بأنّ فيه نبرةً من الطائفية أو الفئوية و ما الى ذلك ، و لكن ليكن الجميع على يقين بأنّ المرء يكون مرغماً احياناً على ذلك عندما يجد محيطه و بشكلٍ شبه تامٍ و كامل متجاهلاً لمعاناتك و مشاعرك .
و موضوعي يتمثل صراحةً في تعامل و تعاطي المحيطين بنا ككورد سواء داخل سوريا أم خارجها بمنطق المثل العامي (( بيشوفوا ابرة غيرهون و ما بيشوفوا مسلّتهون )) أي بمعنى يرون اصغر و أبسط عيوب الكوردي و يقيمون القيامة عليها ، و لا يرون بالمقابل كبير و كبائر و ضخم أفعالهم و قبائحهم ، لدرجةٍ رأيت أنني أجحفت بحق اختيار العنوان و لم أوفيه حقه ، بل كان من المفروض أن يكون (( إبرة الكورد و جَمَلُ أو جبل الآخرين ) .
و لكي لا يتهمني أحدكم ببعثرة الكلام و رميه و إطلاقه جزافاً مجرداً من الحجة أو البرهان ، سأقرنه ببعض الأمثلة تباعاً.
الكلّ و بالكاد دون استثناء نظاماً و معارضةً سورية و نظاماً و معارضة عراقية و كذلك أقرانهم و امثالهم من الترك و الفرس و حتى شعوبهم ، سوى قلّةٍ قليلة من كل من ذكرتهم ، يرون في أي جماعة أو تنظيم يطالب بمجرّد ابسط حقوق الكورد جريمة لا تغتفر ، فالسوريون و الأتراك مثالاً إبرتهم هي حزب الاتحاد الديمقراطي بكيانه السياسي و العسكري ، هذا الحزب الذي بات شماعّة لهم لتمرير كل أجنداتهم و سياساتهم و أحقادهم ضد الكورد أجمعين و إبادتهم ، علماً بأنهم مدركون تماما بأن هذا الحزب لا يمثّل إلا جزءاً من الكورد ، و علماً أيضاً بأنّ هذا الحزب بعيد بنظر الكثيرين من الكورد عن خصوصية الحقوق الكوردية ، بل على العكس ينادي بالاممية و تآخي الشعوب و تعايشها و ما الى ذلك بغض النظر عن مدى صدقه في ذلك و عدمه ، المهم ان نهجه و منهجه بالعموم لا يحظى برضى الكثيرين من الكورد ، و علماً أيضا و في المقابل بأن المجلس الوطني الكوردي أيضاً ككتلة رئيسية كوردية و جزءاً من الائتلاف السوري المعارض بعيد هو الآخر كل البعد عن الحقوق الكوردية ، بل قدّم ما يمكن تسميتها بخدمات جليلة للمعارضة السورية و الاتراك و شرعنت الكثير من ممارساتهم بحق الكورد أنفسهم و اضطهادهم ، و لا ننسى ايضا الإشارة الى القوة العسكرية الكوردية المسماة ببيشمركة روج التي الى الآن بقيت أوفى قوة مسلحة لمبادئ و قيم الثورة و الوطنية ، و اكثر بكثير من كل القوى العسكرية في سوريا نظاما و معارضة و لم تتلطخ ايديها بدم سوريّ واحد .
تلك هي ابرة الكورد ، لنأتي الى الضفة المقابلة و الى المسلّة و جمل الآخرين ….
الآخرون الذين لم يوفروا جميعهم قبيحاً و نجساً و قذراً إلا و ارتكبوه بحق الكورد و بحقّ بعضهم و السوريين عموماً ، بسياسييهم و عسكرييهم و مدنييهم و إعلامييهم و سواهم ، بالله عليكم ماذا بقي الى الآن و لم تفعلوه ….؟ ليس بحق الكورد فحسب ، بل بحق أنفسكم و فيما بينكم ، قتلتم و عذبتم و شرّدتم الملايين من العباد و دمرتم البلاد و تاجرتم بها و جعلتموها مسرحاً لكل من هبّ و دب و أرهب و ارتزق و عاث فسادا في الارض و استقويتم بهم على بعضكم البعض ، و كل هذا الذي من المحال ان يكون له مثيلّ في الدناءة و القذارة ، كله لا يتراءى و يظهر و يبين لكم مسلّة لا بل جملاً لا بل جبل ، و إنما فقط ترون إبرة الكوردي !!!!! ألا قبّحكم الله و أخزاكم في دنياكم و آخرتكم .
قد يقول قائل …مهلاً فمن الظلم و الاجحاف أن تعمم مثلما لم تعمم الابرة و العيوب على الكورد …أقول حسناً …هاتوا و اخبروني من المستثنى منهم و من لا يمثلكم ممن أتيت على ذكرهم ؟
هل بقي أحدّ من معارضتكم و لم يصبّ جام حقده و شوفينيته على الكورد من شيخ حقكم و حقوقييكم المعتوه المالح هيثم و صولاً الى كيلو و الزعبي و جعارة و غليون و عيد و القائمة تطول ، و في المقابل همشتم و استبعدتم كل حرٍ نزيه مثل غسان ابراهيم .
أما النظام …فأعتقد أن لا حاجة اطلاقا للحديث عنه و ما فعله و ما يزال بحق الكورد كجزء من هذا الوطن ، فالعقود الماضية مكدسة بصور القمع و الاستبداد بحقهم و انكار وجودهم من اصله ، و المعارضة تبشرنا بمستقبلٍ ينتظرنا أشد ظلمة و سواداً إن حكموا .
و إن كانوا اولئك لا يمثلونكم أيها السوريون …فمن يمثلونكم إذاً..؟
داعش أم النصرة أم احرار الشام أم حزب الله أم الميلشيات الشيعية أم الحشد الشعبي ام من؟
في النهاية لا يسعني إلا أن أؤكد على إنني بالتأكيد لا أعمم ، و إنما هناك فئة كثيرة من السوريين و العراقيين و في تركيا و ايران ، لا شك هي فئة أيضا مغلوبٌ على أمرها و تعرضت و تتعرض للظلم و الاضطهاد ، و لكن و مع ذلك ، فإن عددا كبيرا منهم في ذات الوقت و للأسف يرون إبرة الكوردي و لا يرون جملهم و إذا رأوا صمتوا .
أكرر اسفي و اعتذاري لمن لا يستحقون الصدمة بهذا الواقع المؤلم و إثارة هذا الوتر .
دمتم في حفظ المولى و رعايته
المانيا في ٢٣/٨/٢٠١٩ .