خمرة الكراهية .. عن «مهقة» أسعد

د. ولات ح محمد
 
   عاد المدعو أسعد الزعبي من جديد إلى إهانة الكورد عندما كتب قبل أيام على صفحته الشخصية ما يلي: “كلما كشفنا حقيقة من صفات التنظيم الإرهابي الكردي ال ب ي د يظهر عدد كبير من الحيوانات (حمير تمهق وكلاب تعوي وضفادع تنق وصراصير وجردان وديدان كثيرة) لا داعي لاستخدام مبيدات لهذه الحشرات فقط يكفي أن تقول كلمة صدام سرعان ما تختفي لذا ظهورها دوماً يجعلنا نترحم على صدام … الله يرحمه”. فما الدوافع التي تقف خلف كراهية هذا الكائن للكورد، خصوصاً أنه كان قبل نحو ثلاث سنوات قد قال إن الكورد في ظل النظام السوري كانوا يحلمون بأن يحصلوا على وثيقة تثبت أنهم بني آدمين. أي أنه دائماً يرى أن الكورد ليسوا بشراً. 
    قبل الخوض في الرد على هذا الكائن الحي أود الإشارة إلى أن أسعد “الفهمان” عبر في “مهقته” عن جهل مدقع حتى بلغته ومفرداتها؛ فهو لا يعرف أن الحمير تنهق ولا (تمهق). كما أنه لا يميز بين الحشرات وبقية الحيوانات، إذ يرى أن (الحمير والكلاب والضفادع والصراصير والجردان والديدان) كلها حشرات!!!. من لا يعرف لغته ولا يميز بين الحمار والصرصور ويرى في الكلاب حشرات هل يستطيع أن “يغرد”؟!!. 
    في كل مرة بعد أن يرتكب هذا الكائن الحي خطاياه بحق الكورد يظهر على شاشة تلفزيون ليقدم في ارتباك شديد اعتذاره لهم. وهذا يعود لواحد من هذه الاحتمالات: فإما أنه جاهل بمعاني كلماته وأبعادها، وبالتالي يذهب إلى الاعتذار بعد أن يعلموه دلالات تخرصاته. وإما أنه يعيش حالة أسميها “سُكْر الشوفينية” الناتج عن تعاطي “خمرة الكراهية”، إذ يبدو أن المدمن أسعد يزيد أحياناً من جرعاتها فيفقد بها وعيه فيُخرج ما بداخله من عفونة، وعندما يصحو من سكرته تلك يدرك أن الكلام الذي تفوه به (أو كتبه) غير مقبول مطلقاً حتى من طرف أشد المصابين بمرض الكراهية، وبالتالي يضطر إلى الاعتذار بأعذار أقبح من ذنبه الكبير. وإما أن هذا الكائن بكامل قواه العقلية ويدرك ما يقول، وهذا يعني أنه يكذب في اعتذاره و تسويغاته. 
    في مقابلة مع قناة رووداو قدم أسعد اعتذاره للكورد وقدم تسويغاته من ثلاث نقاط سأوردها بإيجاز ولكن كما نطقها هو نفسه، إذ قال: “دائماً يُفهم الجانب السلبي من كل حديث مع الأسف، ويُنشر الجانب السلبي دون الجانب الإيجابي (…). الرحمة على صدام لأنه كان له دور في مواجهة الفرس، كما أنه ميت ولا يجوز على الميت إلا الرحمة (…). أنا لم أقصد الكورد في تغريدتي، بل قصدت حزب الاتحاد الديمقراطي (…). وأكرر اعتذاري لأشقائنا الكورد في العراق (…). عندما نتحدث عن جرح إخوتنا الكورد من الغازات نتذكر معاناة أهلنا في سوريا أيضاً…”.
    إذاً، أنت يا أسعد تضع استخدام الكيماوي في سوريا والعراق في مقام جريمة واحدة. إذا كنتَ صادقاً في كلامك فلماذا تصف من استخدمه في سوريا بالمجرم والقاتل وتصف ضحاياه بالشهداء، بينما تبارك الذي استخدمه في العراق وتترحم عليه وتشبه ضحاياه بالحيوانات والحشرات المبادة؟. الجواب، لأن الضحايا هناك كورد، ولأنك مريض بالحقد الأعمى. حقدك هذا يمنعك في مقابلتك حتى من ذكر اسم إقليم كوردستان الدستوري، فتسميه “الشمال”. هذا أولاً.   
    ثانياً يا أسعد “الفصيح” تدعي أنك لم تقصد بكلامك كل الكورد وإنما حزباً واحداً. وهو ذات العذر الذي قدمته في المرة الماضية. فهل يمكن لعاقل وسويّ أن يوقع نفسه في الحفرة ذاتها مرتين وبالأسلوب نفسه إن كان صادقاً في أعذاره واعتذاره؟. ثالثاً، إذا كنت تتحدث حقاً عن طرف كوردي من غرب كوردستان كما تدعي، فلماذا تمجد صدام وجرائمه الكيماوية ضد الكورد في جنوب كوردستان؟. 
    رابعاً، من سيصدق قولك إنك تترحم على صدام لأنه وقف في وجه إيران؟. ما علاقة إيران بمنشورك أعلاه الذي تمجد فيه صدام وتترحم عليه وتبارك جرائمه؟. وعندما تذكر في نهقتك مجموعة من الحيوانات والحشرات ثم تقول: “لا داعي لاستخدام مبيدات لهذه الحشرات. فقط يكفي أن تقول كلمة صدام سرعان ما تختفي. لذا ظهورها دوماً يجعلنا نترحم على صدام”. فهل جرائم صدام تلك التي تسر قلبك كانت بحق الفرس أم بحق الكورد؟!. 
    أما قولك “إن صدام ميت ولا تجوز عليه غير الرحمة“، فهو سخيف وكذبة أخرى لا تستطيع من خلالها إظهار نفسك بمظهر الإنساني والورع، وأنت الذي تكشف كذبك بنفسك عندما تقول في المقابلة ذاتها: “من يقتل السوريين منذ عهد حافظ وبشار وإلى اليوم ليسوا بشراً”، فلماذا لا تترحم على “حافظ”، وهو أيضاً ميت مثل صدام ولا تجوز عليه غير الرحمة حسب كذبك؟!!. 
    إن ذكرك لجنوب كوردستان وتمجيدك لصدام وجرائمه وترحمك عليه، رغم أن موضوع حديثك يدور حول غرب كوردستان، لهو دليل قاطع على أنك تقصد كل الكورد وليس طرفاً بعينه كما تدعي كذباً. إنك تطلق في كل مرة نهقتك ثم تعود لتقدم أكاذيب لتسويغها ظناً منك أن الناس سوف يصدقونك. إنك تستغل كل مرة حديثك عن طرف كوردي لتعبر عن كراهيتك وإهانتك لكل الكورد. حسناً، فلتعلم أن الكورد لا يحتاجون إلى محبة أمثالك من المرضى (جعارة، كامل، كيلو وغيرهم)، بقدر ما يهمهم أن تعبروا عن عفونتكم بأدب، لا أن تفرغوا ما في أجوافكم من قيح ثم تقدموا اعتذاراً أشد سخفاً وسقوطاً من كلامكم الأول. ولكن يبدو أن أمثالكم لا يجيدون التعبير إلا بهذه الطريقة السوقية المراهقاتية اللامسؤولة التي لا تعرف غير الإهانة والشتم، وهي لغة الطفل والعاجز والمتخلف عادة. 
    لماذا كل هذه الكراهية للكورد من طرف هذا الكائن؟. هناك سبب عام يعود إلى تربيته النفسية والذهنية التي تربى عليها لعشرات السنين، والتي لا يمكن أن تزول لمجرد أنه غير موقعه بين ليلة وضحاها. أما السبب الثاني فهو أنه غادر البلاد قبل سنوات ممنياً نفسه بأن النظام سيسقط بعد شهور وأنه سيعود مظفراً ليستلم مفاتيح دمشق وكرسي السلطة. ولكن هذا لم يحصل فخسر موقعه العسكري وراتبه وقيمته وبات ممنوعاً من دخول البلاد ومتسولاً على أبواب الآخرين. في المقابل لم يستطع بسبب عقليته السيئة المتحجرة وكراهيته للآخرين أن يحجز له موقعاً في صفوف المعارضة وبذلك خسر كل شيء. 
    أسعد (بوصفه محللاً استراتيجياً) يعرف جيداً من هو سبب خسائره وانهيار أحلامه وانسداد الآفاق أمامه. يعرف أن من ورّطه ورفاقه في البداية ثم باعهم في النهاية في حلب والغوطة وغيرها مقابل الحصول على جرابلس وإعزاز وعفرين وغيرها هو سبب مأساته وعقدته النفسية. ولكنه لا يتوجه باللوم أو الشتم إلى وليّ نعمته، ولا يقوم بإدانة من احتل أراضي بلده ورفع علمه عليها وهدد وحدة ترابه التي يتباكى عليها فقط عندما يريد أن يجعلها مناسبة لاتهام الكورد وشتمهم وإفراغ حقده عليهم. يعني في المحصلة لا هو زعلان على ضياع الأرض وتهديد وحدة البلاد ولا على بيع المحتل لرفاقه المعارضين وتسليم رقابهم وتشريدهم بموجب صفقاته المتكررة. 
    بدلاً من إدانة مَن تاجر به وبرفاقه واحتل أرض بلده راح أسعد غير السعيد يهاجم الكورد ويحملهم مسؤولية فشله. لماذا؟ لأن الكورد لم يدخلوا في حرب مباشرة مع النظام (كما كان أسعد يريد) ولم يتسببوا في دمار مدنهم وتشريد أهلهم كما فعل هو، وإنما حافظوا على أمن مناطقهم واستقبلوا في مدنهم الآمنة الملايين من السوريين الفارين من مناطق الحرب، وهو ما فعله الكورد كذلك في إقليم كوردستان عندما استقبلوا نحو مليوني عراقي نازح من مختلف المناطق، أولئك الكورد الذين نعتهم أسعد بالحيوانات وافتخر بصدام الذي قتلهم. كل ذلك الأمان وتلك الإنسانية في غرب كوردستان لا يسعد أسعد، بل يثير غيرته ويستنهض كراهيته التي كانت نائمة إلى حين؛ فلو كانت مدن قامشلي وعامودا وديريك وغيرها مدمرة الآن أو تم احتلالها لكان أسعد في غاية السعادة كما هو سعيد بعفرين، ولما لجأ إلى قاموسه المليء بالحشرات والتخلف. هذا ما تفعله خمرة الكراهية التي تسكر صاحبها وتذهب بعقله فلا يستعيده إلا بعد مزيد من النق والنهق والعواء والخوار. 
    يقول المعجم: النهيق صوت الحمار. فإذا تكرر نهيقه واشتد قيل: أخذه النُّهاق. هذه هي المرة الثانية التي يسيء فيها هذا الكائن إلى خمسين مليون كوردي. أما نحن فإننا فقط نرد عليه كلامه ونوجه خطابنا إليه وحده بوصفه فرداً لا يمثل سوى نفسه؛ فمثل خطاب أسعد البذيء لا يمثل أحداً غيره. نحن سنبقى نقارع كتابته الرخيصة بكتابتنا القيمة وقاموسه القذر بقاموسنا النظيف وأسلوبه المبتذل بأسلوبنا الراقي وجهله بمعرفتنا ونواجه مرضه العقلي بصحتنا العقلية وكراهيته بحبنا للآخر. 
  

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

درويش محما* خلال الاعوام الستة الماضية، لم اتابع فيها نشرة اخبار واحدة، وقاطعت كل منتج سياسي الموالي منه والمعادي، وحتى وسائل التواصل الاجتماعي لم اتواصل معها ولا من خلالها، والكتابة لم اعد اكتب واصبحت جزءا من الماضي، كنت طريح الخيبة والكآبة، محبطا يائسا وفاقدا للامل، ولم أتصور للحظة واحدة خلال كل هذه الأعوام ان يسقط الاسد ويهزم. صباح يوم…

إبراهيم اليوسف من الخطة إلى الخيبة لا تزال ذاكرة الطفولة تحمل أصداء تلك العبارات الساخرة التي كان يطلقها بعض رجال القرية التي ولدت فيها، “تل أفندي”، عندما سمعت لأول مرة، في مجالسهم الحميمة، عن “الخطة الخمسية”. كنت حينها ابن العاشرة أو الحادية عشرة، وكانوا يتهكمون قائلين: “عيش يا كديش!”، في إشارة إلى عبثية الوعود الحكومية. بعد سنوات قليلة،…

سمير عطا الله ظهر عميد الكوميديا السورية دريد لحام في رسالة يعتذر فيها بإباء عن مسايرته للحكم السابق. كذلك فعل فنانون آخرون. وسارع عدد من النقاد إلى السخرية من «تكويع» الفنانين والنيل من كراماتهم. وفي ذلك ظلم كبير. ساعة نعرض برنامج عن صيدنايا وفرع فلسطين، وساعة نتهم الفنانين والكتّاب بالجبن و«التكويع»، أي التنكّر للماضي. فنانو سوريا مثل فناني الاتحاد السوفياتي،…

بوتان زيباري في صباح تملؤه رائحة البارود وصرخات الأرض المنهكة، تلتقي خيوط السياسة بنسيج الأزمات التي لا تنتهي، بينما تتسلل أيادٍ خفية تعبث بمصائر الشعوب خلف ستار كثيف من البيانات الأممية. يطل جير بيدرسن، المبعوث الأممي إلى سوريا، من نافذة التصريحات، يكرر ذات التحذيرات التي أصبحت أشبه بأصداء تتلاشى في صحراء متعطشة للسلام. كأن مهمته باتت مجرد تسجيل نقاط…