الجحوش والجينوسايد.. كتاب يؤرخ لمرحلة عصيبة عايشها الكرد في العصر الحديث

  فتح الله حسيني

مر الكورد بمراحل عصيبة في تاريخه الحديث، وظلمته خرائط الجغرافيا وكتب التاريخ وفنون الحياة المتقلبة، فكان – كشعب – عرضة للمآزق الكثيرة من لدن الأمكنة والأزمنة معاً، رغم ثوراته المتلاحقة، وضرائبه الجمة وهو يدافع عن حقوقه المشروعة في جبال كردستان، وسهولها، ولم يكل ولم يمل من أجل استعادة حقوقه القومية والوطنية، ليتسنى له العيش بسلام ووئام على أرض تعود له، تلك الأرض التي سلبت منه عنوة جراء اتقاقيات دولية بلا مشيئته ودون إرادته
كثيرون من الكورد، كتاباً ومؤلفين وباحثين، تناولوا الأحداث المأساوية التي تعرض لها الشعب الكوردي في كوردستان العراق، ولكن بمناظير ورؤى مختلفة، وكل مؤلف  أخذ على عاتقه الوقوف عند تلك الأحداث بمسؤولية قومية، سواء بدراسات مستفيضة، أو بكتب تؤرخ لما ولى من أحداث، فكانوا بذلك شهوداً على ما جرى أبان فترة عمليات الأنفال والجينوسايد السيئة الصيت التي كانت أسوأ ما تعرض له الشعب الكوردي دون سواه في المنطقة برمته .
في كتابه الموسوم ” الجحوش والجينوسايد ” يستند الكاتب محمود سنكاوي الى مجموعة من الوثائق التي تثبت وتؤكد وتفضح الدور السلبي جداً، والدور اللاوطني لبعض المستشارين الكورد من الشيوخ وأبنائهم والآغاوات في انجاح عمليات الإبادة الجماعية التي تعرض لها الكرد أبان حقبة نهاية الثمانينيات من القرن المنصرم، ويبدأ الكتاب بتوثيقيته من الغلاف الأول، حيث معروض صورة الديكتاتور المخلوع صدام حسين وهو يقلد سرباً من أولئك المستشارين أوسمة الشجاعة، ويا للشجاعة التي أبداها أولئك المتواطؤون مع أجهزة نظام أرعن، أحرق وأباد الحجر والبشر والشجر، حيث يتسائل المؤلف في مقدمة كتابه ” كم تمنى اهالي وذوو المؤنفلين لو رأوا أولئك المستشارين وهم قابعين في قفص الاتهام مع صدام حسين وعلى حسن المجيد وباقي قادة البعث، وهذا حق يشرعه القانون والدين ” .
الكتاب بعمومه من النوع الذي يعتمد على أكثر من مؤلف وأكثر من مقال ورأي، حول موضوع واحد أوحد، ثم يعتمد على ملحق يحتوي على صور مأخوذة من صحف ودوريات كانت تصدر آنذاك باللغة الكردية وبعقلة عربية شوفينية، حيث لا صورة الا صورة “القائد الضرورة”!، ولا خبر إلا خبر التهاني الى الـ ” حفظه الله ” مهنئين إياه، بأعياد النوروز وأعياد آذار، وبمناسبة هزائم صدام المتكررة في الداخل والخارج، تلك الهزائم التي كانت تتحول الى أظفار وانتصارات خلبية ووهمية، بقدرة سلطة السلاح، والقتل، والفتك، والخوف ولغة الدم ولعنة البعث، وما كان من أولئك ” المستشارين ” الا تعريف أنفسهم، كمستشار للفوج والفرقة، أو آمر سرية، وتبريك صدام بأعياد ميلاده وأعياد موطئ قدمه لأرض الكورد، وقتله للأبرياء والعزل، بعد أن خان – المستشارون – وطنهم أرضاً وعرضاً على طول حدود المدن والقرى والقصبات الكوردية التي شهدت الموت تلو الموت، نتيجة عمليات الأنفال التي امتدت من طوبزاوه الى نقرة السلمان الى مدن الله الكوردية الحسنى .


النظام المخلوع، بمراحله المتهورة أتسم بصفات سلبية عديدة، هي صفات تعميم الخراب والتطهير العرقي والتغيير الديمغرافي لمدن وقصبات كوردستان، وحتى على العراق ككل، فذلك النظام، لم يأل جهداً ووقتاً وخطة ونية سيئة الا واستغلها للقضاء على كينونة شعب آمن بكل فئاته، وهو في عقر داره وعلى أرضه، يحاول تذوق حلاوة العيش بعد المرارات الجمة المفروضة عليه، دون ذنب، إلا لكونه كوردياً، فأخذته الفناءات والصحارى تحت مسميات شتى، تارة باسم غنائم الأنفال، وتارة باسم الموالاة لدول مجاورة، وتارة باسم الوقوف في وجه الثورة، وثورات صدام الخاسرة وأوهامه الخاسرة لم تنته إلا بانتهائه .


الكتاب بعمومه، تدوين لمرحلة، كان يجب أن تدون، وفي أكثر من مؤَلَف ومجلد، بعد أن كانت الضريبة الكوردستانية أكثر من مائة واثنين وثمانين ألفاً بين موؤود ومؤنفل ومصير مجهول، احتضنت أشلاؤه المقابر الجماعية والفردية، وعراء صحارى المدن القريبة والبعيدة، كتطبيق لأكبر فعل اجرامي بحق الشعب الكوردستاني، رغم صمت الإعلام العربي العجيب والرهيب تجاه هول الحدث .

إذا كانت البطولات تدون، فعلى الخيانات أن تدون أيضاً، وهذا ما يريد الكتاب قوله .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…