الملائكة في التفاصيل

رودوس خليل
أما أن يدفنوا تحت التراب أو أن يقبلوا الذل .
تصريح خطير منسوب للرئيس التركي رجب طيب أردوغان يصل به إلى مصاف مجرمي الحرب والإنسانية الرئيس التركي الذي تباكى على مأساة الروهينغا سابقاً وكشمير تالياً يتوعد هذه الأيام الشعب الكردي بتصريح سيبقى وصمة عار في جبين مواثيق الحرية وحقوق الأنسان فهو كمن يأكل مع الذئب ويبكي مع الراعي.
هذا التصريح الذي عنون به محاولته لإطلاق عملية عسكرية جديدة في سوريا وبالتحديد شرق الفرات لنشهد مزيد من القتل والخطف والتهجير والتغير الديموغرافي بعد عمليتي غصن الزيتون ودرع الفرات.
الرئيس التركي اليوم في دوامة عنيفة وهو يحتاج كثيراً إلى هذا التدخل والحرب مع الكرد فالأوضاع السياسية في تركيا تجري بما لا تشتهي سفن السيد أردوغان والأمواج تتلاطمه وتنقلب ضده فبعد الانتخابات البلدية والهزيمة المدوية في إستنبول على مرحلتين اكتسب فيه المعارضون ثقة وقوة كبيرة بإمكانية هزيمة هذا الرجل والاقتصاد يعاني وفي تراجع وهذا لا يعجب العصبة المالية فهي غير راضية عن سياسات رجل تركيا الأوحد واليوم لم يعد هناك أي توازن في الجيوش التركية بعد حملة التطهير التي طالت الكثير من ضباطه بعد الانقلاب الفاشل وأصبحت جميع صنوف القوات المسلحة التركية ذو اتجاه واحد وهو حزب العدالة والتنمية وهذا لا يعجب المعارضة التركية بالإضافة إلى ظهور شريحة كبيرة من الضباط المتذمرين والمفصولين من الجيش وهو يحتاج إلى هذا التدخل في شرق الفرات وفتح جبهة جديدة مع الكرد لإلهاء الجيش وإشغاله وقلب أنظاره عن محافظة أدلب التي عجز عن تطبيق الوعود التي حددها للروس بعد أن أصبح جيشه هناك عاجزاً.
فالرئيس التركي اليوم جريح والتنبؤ بخطواته أمر صعب فالأصدقاء القدامى هجروه ويفكرون في الانشقاق وتشكيل أحزاب جديدة وحتى أن هناك الكثير من أعضاء حزبه البارزين غير راضين عن الوضع وربما يفكرون بانقلاب أبيض بمساندة الجيش لإزاحته.
أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تذهب بعيداً أكثر ما أعلن عنه بعد الاجتماع الأخير بين الجانبين لبحث تشكيل المنطقة الآمنة وهي من سربت تقارير عن عودة داعش وظهوره من جديد وهذا يعني أنه مازال يعتمد على الحليف الكردي وأن التكتم على تفاصيل ما توصل إليه يعني أنه ما أتفق عيه أقل بكثير من المطالبات التركية.
فعلى الرغم من أن الجانب الأمريكي لم يرفض فكرة المنطقة الآمنة إلا أنها تفهم النوايا والأهداف التركية لهذه العملية ونتيجة للضغوط الكبيرة على الوفد الأمريكي والتي ربما وصلت إلى حد الرجاء بضرورة الوصول إلى نقاط تفاهم وذلك لغايات داخلية وحفظ ماء الوجه.
الاتفاق ينص على تقليص عمق المنطقة الآمنة التي تريدها تركيا بعمق 32 كم وبطول 450 كم من بداية شرق الفرات إلى الحدود العراقية إلى 5 كم وأن يكون الانتشار مشتركاً عبر مركز عمليات ولكن إلى الآن لا يعرف تفاصيل الامتداد من أين ستبدأ وأين تنتهي ولكن بعد التسريبات تقول أنها ستمتد من رأس العين إلى تل أبيض بمعنى يمكن إنشاء منطقة آمنة ولكن خالية من السلاح ومن السيطرة التركية في الوقت نفسه.
وأن هذه المنطقة سيتم تشكيلها على مراحل وستشهد المرحلة المقبلة جولات عديدة من المباحثات بين الجانبين مع استمرار الخلافات نظراً لتباعد المواقف وتمسك الإدارة الأمريكية بالحليف الكردي وأن هذا الاتفاق أفشل الهجوم والنوايا التركية.
أعتقد أن ما يخطط لشرق الفرات وهي منطقة نفوذ أمريكية بإمتياز يحدد مستقبل سوريا وأن الإدارة الأمريكية جادة في الحفاظ على هذه المنطقة البالغة 25% من الجغرافية السورية والغنية بالثروات وأن استباحة الحدود بهذه الطريقة من الجانب التركي غير مسموح ويخفض من الدور الأمريكي المستقبلي لسوريا فالولايات المتحدة لم تسمح لتركيا للاستيلاء والشراكة على مدينة منبج فكيف لها بالتفريط بشرق الفرات.
 المطلوب من الجانب الكردي أن يتمتع بالحنكة والحكمة  ودراسة الموضوع من كل الجوانب ويبحث عن حلول لوحدة الصف الكردي وعليه القيام بخطوات لكشف زيف الاتهامات التركية بخصوص الإرهاب فعيون الاتراك على وأد أي تطلعات كردية والسيطرة على ثروات المنطقة وهي خلاصة الهدف الرئيسي من المنطقة الأمنة فلا يمكن لوحدات حماية الشعب أن تكون على علاقة مع حزب العمال الكردستاني الذي ما يزال في حرب مستمرة مع الدولة التركية وأن يكون مسيطراً على طول الحدود التركية فلا بد من فصل إدارته عن كوادر قنديل وأن هذه الحماية المؤقتة من الولايات المتحدة الأمريكية فرصة ذهبية لهم لترتيب أولوياتهم السياسية والعسكرية وفي النهاية سيعود مؤتمر جنيف وعندها الجميع سيبحث عن مخرج للمأساة السورية وسيكون هناك ضغط من الجانب الأمريكي على الروس لإقناع دمشق بأن الحل السريع لعودة سيادة الدولة السورية على شرق الفرات هي القبول بلا مركزية سياسية وإدارية تحافظ على وحدة الأراضي السورية.
القضية في شرق الفرات قابلة للحل أذا كانت هناك أرادة قوية توفر لكل الأطراف جزءاً من مطالبها ولكنها تتطلب تنازلات صعبة ومؤلمة.
فتركيا بهذه التفاهمات مع الجانب الأمريكي كسبت نقطة هامة وخسرت نقطة أهم فهي ربما ستقوم بتسيير طائرات دون طيار فوق هذه المنطقة وقد قامت بالفعل بهذه الخطوة والهدف هو اصطياد قادة وحدات حماية الشعب عن طريق قصف تحركاتهم وهذا ليس غريباً عليها والجانب الأهم الذي خسرته هو كذبها بأن حدودها تتعرض للإرهاب القادم من شرق الفرات كون المنطقة ستكون مراقبة من غرفة عمليات مشتركة مع الجانب الأمريكي.
نهاية هذا الرجل باتت قريبة وسيفشل في أول مناسبة قادمة وسنتذكر تصريحه أما أن يدفنوا تحت التراب أو أن يقبلوا الذل كما تتذكر الأجيال مقولة رئيسة وزراء إسرائيل كولدا مائير الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت.
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…